الرابط المختصر :
قرأت - منذ سنوات - لأحد الكتاب الإسلاميين كلاما عجيبا وغريبا يقول فيه: إن تراثنا القديم ليس فيه سوى ابن تيمية (661 – 728 هـ، 1263 – 1328م) وابن القيم (691 – 751 هـ، 1292 – 1350م)، وإن تراثنا الحديث والمعاصر ليس فيه سوى المودودي (1321 – 1399 هـ، 1903 – 1979م) وسيد قطب (1324 – 1386هـ، 1906 – 1966م)، وهذا الكلام عجيب وغريب، لأنه يعني إفلاس الإسلام، فإذا لم يثمر الإسلام، في عالم الفكر، على امتداد أربعة عشر قرنا، سوى أربعة من العلماء والمفكرين، فهذا هو عين الإفلاس!
والغريب والعجيب، أن هذا الرأي قد نحا نحوه بعض كبار الكتاب الإسلاميين، فرأيناهم يرفضون ويقصون كوكبة من أعلام اليقظة الإسلامية الحديثة، من أمثال الطهطاوي (1216 – 1290 هـ، 1801 – 1873م) والأفغاني (1254 – 1314 هـ، 1838 – 1897م) ومحمد عبده (1266 – 1323 هـ، 1849 – 1905م) بدعوى أنهم علمانيون متغربون، بل وحتى ماسونيون!
ومنبع الخطأ في هذه الأحكام الجائرة، التي فرطت في الرموز الإسلامية، وأسلمتها إلى التيار العلماني على طبق من ذهب، أن أصحاب هذه الأحكام - وكثير منهم مخلصون - قد قرأوا فقط عن هؤلاء الرموز، ولم يقرأوا تراث هؤلاء الرموز، أو قرأوا بعضا من تراثهم، دون أن يقرأوا أعمالهم الفكرية الكاملة.
وعلى سبيل المثال، فلقد نال جمال الدين الأفغاني - وهو موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام - حظا وافرا من الرفض والإقصاء - بل والافتراء - من قبل هؤلاء الكتاب، الذين تميزت مواقفهم الفكرية بالجمود والتقليد، مع أن الأفغاني، إذا قرأنا أعماله الفكرية الكاملة، فضلا عن فقه حياته النضالية، سنجده أول من رفع شعار "الإسلام هو الحل.. وهو سبيل التقدم.. والخروج من الانحطاط الحضاري" في عصرنا الحديث.
ويا ليت هؤلاء الذين ظلموا الأفغاني، وتنازلوا عنه للعلمانيين، يقرأون كلمات الرجل التي يقول فيها:
"إن الدين هو قوام الأمم، وبه فلاحها، وفيه سر سعادتها، وعليه مدارها، وهو السبب المفرد لسعادة الإنسان.
وإنا - معشر المسلمين - إذا لم يؤسس نهوضنا وتمدننا على قواعد ديننا وقرآننا فلا خير لنا فيه، ولا يمكن التخلص من وصمة انحطاطنا وتأخرنا إلا عن هذا الطريق، وإن ما نراه اليوم من حالة ظاهرها حسن (من حيث الرقي والأخذ بأسباب التمدن) هو عين التقهقر والانحطاط، لأننا في تمدننا هذا مقلدون للأمم الأوربية، وهو تقليد يجرنا بطبيعته إلى الإعجاب بالأجانب والاستكانة لهم والرضا بسلطانهم علينا، وبذلك تتحول صبغة الإسلام، التي من شأنها رفع راية الإعجاب والغلب، إلى صبغة خمول وضعة واستئناس لحكم الأجنبي.
إن البداية الحقيقية للانحطاط في سلطة المسلمين والخلل والهبوط، إنما كان من طرح أصول الدين ونبذها ظهريا، وإن العلاج إنما يكون برجوع الأمة إلى قواعد دينها، والأخذ بأحكامه على ما كان في بدايته.
ولا سبيل لليأس والقنوط، فإن جراثيم الدين متأصلة في النفوس، والقلوب مطمئنة إليه، وفي زواياها نور خفي من محبته، فلا يحتاج القائم بإحياء الأمة إلا نفخة واحدة يسري نفسها في جميع الأرواح لأقرب وقت، فإذا قاموا وجعلوا أصول دينهم الحقة نصب أعينهم، فلا يعجزهم أن يبلغوا منتهى الكمال الإنساني، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه فقط ركب بها شططا، ولن يزيدها إلا نحسا، ولن يكسبها إلا تعسا".
هكذا تحدث الأفغاني عن أن سبيل التقدم والنهوض هو الإسلام، بينما الغريب، وتقليد الغرب هو عين التقهقر والانحطاط!