لا تزال المعطيات الميدانية على الأرض وردود الفعل الإعلامية حول معركة القلمون، تشير إلى إرباك وتخبّط لعناصر "حزب الله"، يقابله تنظيم ونضج ميداني وإعلامي لدى "جبهة النصرة" التي تقود العمليات ضد الحزب في منطقة القلمون الغربي، على الرغم من الترويج الإعلامي الكبير من قِبل الأخير للمعركة وتصويرها على أنها مصيرية وحاسمة، ومتوعداً بتحقيق نصر ساحق من خلالها، يعيد إلى الحزب وشريكه النظام السوري شيئاً من هيبتهما بعد الهزائم المتلاحقة التي لحقت بهما خلال الفترة الماضية.
فعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته الجبهة يوم أمس الأربعاء، فإن اليوم الذي سبقه شهد اشتباكات عنيفة بين الطرفين في جرود القلمون الغربي، تكبّد فيها "حزب الله" خسائر كبيرة تقدر بعشرات القتلى بينهم خمسة قياديين من الحزب.
وأكد الناشط الإعلامي، أبو أحمد القلموني، لـ"العربي الجديد"، أنّ معارك عنيفة كانت لا تزال مستمرة حتى ظهر أمس في جرود القلمون الغربي، وخصوصاً في محيط منطقتي عسال الورد والجبة، على الحدود السورية مع لبنان، وسط قصف مدفعي وجوي عنيف لقوات النظام السوري.
وأكّد القلموني، أنّ "مسلحي المعارضة تمكّنوا، ليل أمس الأول الثلاثاء، من قتل قياديين في حزب الله بعد مهاجمة مقرّاتهم في المنطقة ذاتها، وهم علي عليّان، وحمزة زعيتر، وحسين لويس، وتوفيق نجار، وحسن عاصي، في حين تجاوزت حصيلة قتلى حزب الله، خلال ثلاثة أيام من المعارك، الأربعين قتيلاً"، مشيراً إلى أنّ "عناصر الحزب كانوا ينادون بعضهم بعضاً، أمس، عبر أجهزة اللاسلكي، لإعادة تجميع أنفسهم، وسحب الجثث".
في المقابل، ساندت قوات النظام المحتل لسوريا، "حزب الله" في هذه المعركة من خلال سلاح الجو، الذي بدأ يقصف أماكن تمركز فصائل المعارضة والمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها تلك الفصائل، إذ بدأت اعتباراً من أمس الأول بقصف كافة مناطق القلمون، فتلقّت مدينة الزبداني وحدها، ليل أمس الأول، أكثر من ثمانية براميل متفجرة ألقاها الطيران الحربي، مع أنّ المدينة ومحيطها لم يشهدا أي معارك خلال اليومين الماضيين.
وقد نجحت جبهة "النصرة" في امتصاص فورة "حزب الله" الذي حاول رفع معنويات قواته من خلال الترويج الإعلامي، بإعلانها تشكيل "جيش الفتح في القلمون"، رمز انتصارات المعارضة في الشمال السوري، والمكوّن من فصائل السيف العمري، ولوائي الغربال، ونسور دمشق وكتيبة رجال القلمون، بالإضافة إلى "النصرة". كما قامت الجبهة بهجمات استباقية استطاعت من خلالها خلط أوراق الحزب وإجباره على خوض المعركة بحسب التوقيت الذي حددته هي، ولم تعطه الوقت لتأمين قواته من خلال إجراء هدن مع فصائل معارضة في مناطق القلمون وخصوصاً في منطقة الجبة.
وأكد مصدر عسكري من غرفة عمليات "جيش الفتح في القلمون"، أن التوحّد بين الفصائل لم يأتِ من عبث، فالفصائل كلها كانت تدرك أن "حزب الله" ينوي القيام بعمل كبير في المنطقة، الأمر الذي استدعى توحّد الفصائل بغض النظر عن توجهاتها، لمواجهة العدو المشترك الذي يستهدفها جميعاً، مستفيدة من تجربة إدلب. ولفت المصدر إلى أن تلك الفصائل كانت لديها كل مقوّمات التوحّد في الفترة السابقة ولكنها لم تفعل، إلا حين استهدفها خطر لا يمكنها مواجهته من دون توحيد جهودها.
وعن تواجد عناصر لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في القلمون، أكد المصدر أن "هناك أعداداً من التنظيم في المنطقة، ولكنهم مسالمون إلى الآن ولم يقوموا بأي رد فعل سلبي تجاه فصائل المعارضة"، موضحاً أن "عناصر داعش في المنطقة هم سوريون بغالبية تفوق الـ90 في المائة من مجموع عناصرهم في المنطقة"، لافتاً إلى "أنهم لا يتجاوزون الـ200 عنصر وهم متمركزون في منطقة الرحيبة ولم يشاركوا إلى الآن في المعارك الدائرة بالقلمون الغربي".
وعن التنسيق بين "داعش" و"النصرة"، قال مصدر عسكري من "النصرة" إن "هناك خلافاً عقائدياً بين التنظيم والجبهة في القلمون كما في باقي المناطق، ولكن ما يضبط الأمور بينهما في القلمون هو بيان لأمير النصرة في المنطقة أبو مالك الشامي منذ أكثر من سنة، قال فيه "من له خلاف مع الدولة يأتي ويحله مع النصرة وأن أي اعتداء على الدولة هو اعتداء على النصرة"، ومنذ ذلك الحين لم يحصل نزاع مباشر بينهما، ولكن في معركة القلمون الحالية لم يحصل أي تنسيق بين التنظيم والجبهة، والأمور بين الفصيلين مرشحة للتصعيد في أي لحظة".
وتسيطر قوات النظام في القلمون الغربي على مراكز مدينتي النبك ويبرود، وقرى عسال الورد ورأس المعرة، في حين تتمركز فصائل المعارضة في الجرود المحيطة، على عكس مدينة الزبداني التي تتجمّع داخلها فصائل "أحرار الشام الإسلامية"، وتحيط بها حواجز قوات النظام من كافة الجهات.