بعد الكثير من التردد الذي طبع مواقف المعارضة الموريتانية من قبول الدخول في حوار مع الحكومة، تبدو المؤشرات من خلال آخر المواقف والبيانات الصادرة عن المعارضة متجهة نحو القبول بالحوار مع بعض الشروط والضمانات التمهيدية التي تضفي على هذا الحوار مستوى من الجدية.
يأتي ذلك في حين تؤكد التسريبات الإعلامية الصادرة عن الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، سعيه للحوار مع المعارضة بأي ثمن من أجل تلطيف الأجواء السياسية بعد سنوات من الشد والجذب بين معسكري السلطة والمعارضة.
لا تغييرات جوهرية
ورأى محمد ولد شين، الصحفي الموريتاني بوكالة أنباء "الأخبار" المستقلة، أن نتائج الحوار لن تحمل في طياتها تغييرات جوهرية تتعلق بتطوير المكتسبات الديمقراطية للبلاد، مشيرا إلى أن "مآرب النظام من الحوار قد تكون فقط لتسكين حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي التي تعيشها البلاد منذ فترة ".
واستبعد ولد شين أن يقدم النظام تنازلات كبيرة للمعارضة الموريتانية "، كالسماح لها بالمشاركة في حكومة وطنية لإدارة البلاد وضمان حياد المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية"، معتبرا أن "تنازلات النظام ستقتصر على الجزء البسيط من مطالب المعارضة"، حسب قوله.
وتوقع الصحفي الموريتاني، في هذا الصدد، أن يقوم النظام ب "حل البرلمان والمجالس المحلية لضمان مشاركة أطراف المعارضة التي قاطعتها، وبإجراء تعديلات على المجلس الدستوري واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بغية خلق ظروف جديدة تشجع التنافس الانتخابي".
وعن توقيت الحوار وآجاله الزمنية، قال ولد شين، إن الأجواء الحالية ليست "مناسبة" لإطلاق حوار سياسي باعتبار رفض الحكومة إجراء الحوار مع عمال أكبر شركة منجمية في البلاد، ف "المعارضة لن تقبل حاليا الحوار مع حكومة تتعرض لانتقادات واسعة وتواجه إضرابا يعتبر الأكثر تأثيرا على الاقتصاد الوطني في تاريخ البلاد ".
وثيقة لأحزاب المعارضة
وكانت الحكومة الموريتانية قد تقدمت قبل أسابيع بوثيقة لأحزاب المعارضة من أجل عرض وجهة نظرها حول موضوع الحوار السياسي لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
وتضمنت الوثيقة التي تقدمت بها الحكومة كأرضية للنقاش 15 نقطة، من أهمها، بناء الثقة بين السلطة والمعارضة، وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية توافقية، ومنع تدخل الجيش في الأنشطة السياسية، ومواضيع محاربة الفساد، والشفافية في تسيير المال العام.
لكن المنتدى الوطني للوحدة والديمقراطية "يضم قوى سياسية وحزبية معارضة"، تحفظ على بعض نقاط مسودة الحوار، خاصة النقطة المتعلقة بتعديل السن القانونية للترشح باعتبار ذلك يمس بالدستور الموريتاني، الذي يجب أن يتم الإبقاء عليه بحاله، بحسب بيان أصدره المنتدى.
وقاطعت أطياف واسعة من المعارضة الموريتانية الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو عام 2014، احتجاجا على رفض السلطات الاستجابة لبعض الشروط المتعلقة بالإشراف السياسي عليها، وحياد الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة النظر في مهام وعمل الوكالة المسؤولة عن الوثائق المدنية، والمجلس الدستوري الذي يعد الحكم في قضايا الانتخابات .
وتعيش موريتانيا أزمة سياسية منذ أكثر من 4 سنوات نتيجة الخلاف بين السلطة والمعارضة.
تحولات سياسية واجتماعية
لكن المحلل محمد فال ولد محمد سعيد، رأى أن النظام مقبل على إرساء تحولات سياسية واجتماعية كبيرة من خلال الحوار المرتقب.
وأضاف سعيد، أن "جدية" النظام في الحوار السياسي تتضح من خلال قبوله لنقاش كافة القضايا العالقة دون "محظورات أو شروط مسبقة".
واستبعد المحلل السياسي، أن يتضمن الحوار المساس بدستور البلاد من أجل السماح للرئيس الحالي بالترشح لولاية ثالثة، كما يروج له البعض، مشيرا إلى أن الرئيس أكد على احترامه لمقتضيات الدستور الموريتاني التي تمنعه من الترشح لفترة ثالثة.
ويتخوف مراقبون من أن تحاول الحكومة إدراج التعديلات الدستورية المشار إليها ضمن نقاط الحوار المرتقب.
ورفض المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الذي يضم قوى سياسية ومدنية معارضة، أن يكون المساس بالدستور الحالي من ضمن النقاط المرتقبة للحوار السياسي المزمع إطلاقه بين السلطة والمعارضة.
واستبعد المنتدى، في بيان سابق له، الدخول في حوار مع الحكومة يتناول قضية تعديل الدستور.