على غرار أضغاث الأحلام، كان الانقلاب الوهمي الذي استيقظ الليبيون على تغريداته ورسائله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال أحد القادة العسكريين ، عندما دعا إلى تجميد العمل بأية مواثيق أو دساتير أو قوانين ، فضلا عن تجميد المؤتمر الوطني الليبي.غير أنه سرعان ما أصدرت السلطة الحاكمة في ليبيا بأنه ليس هناك انقلابا عسكريا، وأن الدولة حريصة على تماسكها، وهو ما رد عليه البعض بأنه لا توجد دولة بالأساس لكي يتم الحفاظ عليها.
هكذا هو الحال في ليبيا، وكأن الشعب هناك يسدد فاتورة ثورته للتخلص من نير الإستبداد والطغيان، عن طريق تعزيز حالة الإنفلات الأمني، وعدم توفر مقومات الدولة ، في ظل تدخل العديد من الدول الكبرى في المشهد الليبي، وتسديد ضريبة تدخل حلف "الناتو" في الشأن الليبي، عندما حسم بطريقته الخاصة ولأهدافه حقبة النظام الذي تسلط على الليبيين لأكثر من أربعة عقود، ليحصد بذلك حالات الصمود والثبات التي ضربها الشعب الليبي أمام العمليات العسكرية تجاه النظام البائس.
وعلى الرغم مما حملته التصريحات الالكترونية التي أطلقها أحد القادة العسكريين بشأن الانقلاب، إلا أن رئيس المؤتمر الوطني العام في ليبيا (البرلمان المؤقت) والقائد الأعلى للقوات المسلحة، نوري أبو سهمين، سرعان ما رد عليها بتأكيده على أنه "تم تكليف جهاز الاستخبارات والشرطة العسكرية بالقبض على كافة الضباط الذين صدرت عنهم مواقف سياسية بالإعلام أو حضروا ملتقيات ذات طابع سياسي أو التقوا مع سياسيين بشكل سري".
وعلى رأس هؤلاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي أعلن سيطرة قوات تابعة له على وحدات عسكرية، وهو ما رددت عليه المؤسسة العسكرية الليبية بأنه "لا يمثل شيئاً بالمؤسسة العسكرية، فهو لا يملك أي صفة رسمية بالجيش، وقد أحيل للتقاعد منذ فترة".
وعليه وصفت السلطة القائمة حاليا ما جرى بأنه "محاول انقلاب فاشلة، فالذين أعلنوا الانقلاب هم متورطون بجرائم حرب ضد الآلاف من الجنود الليبيين الذين تم قتلهم ونفيهم خلال حرب تشاد في عقد السبعينيات القرن الماضي"، وهو ما ظهر فسر تبديد حلم الانقلاب، وجعله بالفعل أضغاث أحلام، ولم يمر سوى ساعات تعد على اصابع اليد الواحدة.
وعلى الرغم مما قد يعتقده البعض بأن فشل الانقلاب يمكن أن يعكس تماسك الدولة الليبية، فان الناظر الى المشهد الليبي يلمس غيابا واضحا لمؤسسات الدولة، وأنها لاتزال تتيه في عمق مؤسسات الدولة لأسباب عدة لا يسعى المجال لذكرها، غير أن الفشل الانقلابي ذاته يعكس ويؤكد ضعف الانقلابيين، وعدم امتلالكهم لمؤهلات تؤهلهم للقيام بتولي زمام الأمور، وأن هؤلاء استثمروا حالات التظاهرات التي اندلعت في البلاد أخيرا لتطالب بحل المؤتمر الوطني الليبي.
وتشدد السلطة القائمة على أن "المؤسسة العسكرية لابد وأن تنأى بنفسها عن كافة الصراعات والتجاذبات الحزبية السياسية، باعتبار أن الجيش ليس ملك حزب أو جماعة معينة" . واعتبرت أن "الحكومة والمؤتمر الوطني يواصلان عملهما بصورة عادية, وأن الوضع الأمني برمته تحت السيطرة".
ومن جانبه وصف وزير الدفاع الليبي عبد الله الثني البيان الصادر عن حفتر بالعمل غير الشرعي، كما وصف تصريحاته بأنها مدعاة للسخرية. فيما توعد رئيس الأركان العامة للجيش اللواء عبد السلام جاد الله العبيدي "كل من يستخدم القوة ضد الشرعية التي اختارها الشعب الليبي في انتخابات حرة", في إشارة إلى المؤتمر والحكومة، كما أن قوات الجيش تسيطر على الوضع الأمني, وأن المؤسسة العسكرية لا تسمح لأي عسكري بالخوض في الشأن السياسي".
وجاءت أحلام الانقلابيين متزامنة مع مظاهرات لقوى المعارضة للمؤتمر الوطني وجرى تنظيمها في طرابلس وبنغازي ومدن ليبية أخرى، للمطالبة بحل المؤتمر الوطني فيما تعتبر السلطة أن المؤتمر يؤسس لمرحلة تاريخية تعمل على تأسيس الاستقرار على أسس ديمقراطية من دون لجوء للعنف.
وتعيش ليبيا من وقت لآخر أعمالا عسكرية مختلفة، منها مهاجمة مسلحين لمبنى قيادة الأركان جنوب طرابلس, و قيام كتائب الثوار منع قدوم قوات من خارج بعض المدن، و اختفاء طائرة عمودية مقاتلة بعد إقلاعها من مطار السدرة وسط البلاد. وهو الطائرة التي كانت متجهة إلى بنغازي, وطاقمها هم أربعة من العسكريين، وهى كلها أجواء تعكس حالة من الإنفلات الأمني، صاحبه أحلام بالانقلاب، وسط رغبات بالأساس تسود السواد الأعظم من الليبيين بأن تكون بلادهم على مشارف الحكم الرشيد .