اختتمت في العاصمة القطرية الدوحة أمس الأحد ندوة "السلفية في العالم العربي تطورات، تيارات وجماعات" -التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات على مدى يومين- بالتوصية بمزيد من الدراسات عن الظاهرة السلفية والإشكاليات المتعلقة بها وخصوصا قضية مخاطبة الآخر.
وعقدت مائدة مستديرة بعنوان "السلفية والقضايا العربية والإقليمية والدولية" شارك فيها عدد من الأكاديميين والباحثين والمختصين بالشأن السلفي.
وقال محمد عبد الوهاب رفيقي -نائب الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة المغربي- إن هناك تناقضا حادا في الآراء حول المسألة الواحدة داخل التيار السلفي، ما يعني أن السلفية ليست اتجاها واحدا بل عدة اتجاهات ومدارس فكرية داخل البناء نفسه.
وأضاف رفيقي أنه إذا أرادت التيارات السلفية التي شاركت في العملية السياسية أن تستمر في هذه المسيرة فعليها أن تحدث قطيعة مع ما يسمى بكتب الأحكام السلطانية القديمة، وأن تهتم بفقه الواقع.
وشخص رئيس حزب البناء والتنمية المصري طارق الزمر المشكلة الرئيسية لدى أغلب السلفيين في ضمور الوعي السياسي، الأمر الذي تستغله بعض الأنظمة الحاكمة، مستشهدا في ذلك بنموذج حزب النور في مصر.
واستنكر الزمر مبالغة بعض التيارات السلفية في التكفير واستباحة الدماء، منبها إلى أن عددا من هذه الجماعات مخترق مخابراتيا. وأشار إلى أن هناك إشكالية دائمة بين السلفية والمعاصرة أو الحضارة، كما وصف الخطاب السلفي للغرب بغير الناجح.
السلفيون والغرب
من جانبه قال رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان سالم عبد الغني الرافعي إن ما يقال عن السلفيين يشبه ما يقال عن بقية المدارس الإسلامية الأخرى، لأنهم جميعا يستقون من مصدر واحد هو الإسلام ذاته.
ولفت الرافعي إلى أن هناك تركيزا على نظرة السلفيين للغرب خصوصا وللآخر بشكل عام، متسائلا عن ماهية نظرة الغرب للمسلمين، واستشهد في ذلك بما حدث للآثار الإسلامية في إسبانيا، وما حدث للمسلمين في البوسنة والهرسك.
وأضاف أن الغرب تقاعس عن نصرة الشعب السوري على مدى ثلاثة أعوام لأنهم مسلمون، بينما سارع بالتدخل لحل أزمة جنوب السودان.
في المقابل قالت الباحثة الإسبانية المتخصصة في الإسلام السياسي نعومي راميريث إن الغرب يبحث في المقام الأول عن مصالحه، ولا يقف كثيرا عند كون هذا الشعب مسلما من عدمه، واستدلت على ذلك بالتدخل الغربي السريع في ليبيا.
ورأى أحد المتداخلين من الحضور أنه لا بد من حدوث نقد للفكر السلفي من داخل التيار نفسه، لأنه إذا استمرت الأمور على ما هي عليه الآن فلن تصمد إلا السلفية الجهادية، أما السلفية التقليدية والعلمية والحركية فستنهار وتندثر.
من جهته قال الباحث والمعارض السوري عبد الرحمن الحاج إن هناك سوء فهم لما يجري في سوريا ولدور السلفية هناك، مشيرا إلى أن التكفير ظاهرة ملازمة للسلفية.
وأضاف الحاج أن الظاهرة السلفية تنمو بشكل واضح لم يحدث من قبل باستثناء بداية إنشاء الدولة السعودية، لافتا إلى دور التمويل الذي تقدمه بعض الدول في هذا الصدد.
اشكالات السلفيين
أما الشيخ عبد الحي يوسف -نائب رئيس هيئة علماء السودان- فأكد على أن السلفية ليست حزبا وإنما هي تيار واسع يشكل عماد الصحوة الإسلامية المعاصرة، مشددا على ضرورة التعامل الإيجابي مع هذا التيار حتى لا يحدث جنوح أو انحراف له.
وأشار يوسف إلى أن هناك عدة إشكالات لدى التيار السلفي، منها أنه حصر نفسه في الأمور السياسية في كتب الأحكام الفقهية، وأنهم يعتقدون أن الحوادث التاريخية ملزمة، بينما لا تفيد إلا الجواز لأنها تتعلق بوقت وقوعها، كما أنه ليس من مصلحة السلفية أن تبدو وكأنها مؤيدة للاستبداد.
وقال إن هناك ثلاثة خيارات أمام السلفيين: "سلفية تقبل التدجين، وسلفية تنتهج العنف، وأخرى معتدلة لا تهادن".
ودعا يوسف السلفيين إلى التمييز بين الثابت والمتغير، وتربية أنصارهم على عدم الاستعلاء على الآخر بدعوى امتلاك الصواب المطلق.
وكانت ندوة "السلفية في العالم العربي تطورات، تيارات وجماعات" قد انطلقت السبت بحضور جمع من الخبراء والمهتمين بالظاهرة السلفية في العالم العربي وفي أوروبا، وناقشت على مدى يومين جملة من الإشكالات والقضايا ذات الصلة بالظاهرة السلفية.
وقال مدير مركز الجزيرة للدراسات صلاح الدين الزين إن الندوة تأتي تتويجا لمشروع بحثي من المركز استمر عاما كاملا، وأثمر إصدار كتاب "الظاهرة السلفية، التعددية التنظيمية والسياسات" الذي شارك في إعداده عدد من الباحثين.