أثبتت التجارب على مر الزمن أن التحرير لن يتحقق إلا من خلال الأخذ بسنن الله تعالى في النصر ، ولا سيما إذا كان الأعداء الذين احتلوا العباد والبلاد أقوياء، يتمكنون في الأرض، ولهم من القوة المادية الكبرى ما يعجز المسلمون عن امتلاكها، ولا سيما إذا كانت بأيدهم الأسلحة المتطورة بكل أنواعها، ويزعمون أنهم روافد الحضارة.
وفي مثل هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق التحرير إلا إذا أخذت الأمة بجميع أسباب النصر، ومن أهم أسباب النصر الوحدة؛ وحدة الهدف، وحدة الوسائل، وحدة العمل، وحدة الشعوب، ووحدة الأمة في مقاصدها، وفي أهدافها، وفي جميع إمكانياتها.
وهذه الوحدة ليست مهمة سهلة المنال، وإنما تحتاج إلى تهيئة الأجواء، ومن أهم شروط الوحدة ومكوناتها وأسبابها أن تزال المظالم داخل الشعوب المسلمة، وأن تتحقق المصالحة بين القادة وبين الشعوب، وبعبارة أخرى أن يعبر القادة عن مقاصد الشعوب، وعن آمال الشعوب، وعن غايات الشعوب، وأن ينسجم القادة مع ما تريده الشعوب الإسلامية؛ بحيث تكون الأهداف واحدة، ولا يمكن أن يتحقق هذا الانسجام إلا إذا وجدت العدالة المطلقة بكل أنواعها؛ العدالة في الحكم والقضاء، والعدالة في الحقوق والواجبات، والعدالة في توزيع الثروة وامتلاكها، والعدالة في إعادة التوزيع، بحيث يكون الحاكم عادلاً يخاف الله تعالى، ويرى ما تريده الشعوب، فلن تتحقق هذه الوحدة إلا بالعدالة والمساواة بين أمتنا الإسلامية التي مزقت إلى 57 دولة إسلامية، بين عشية أو ضحاها، وغنام يجب على الأمة المسلمة أن تسعى نحو تحقيق ذلك بالتدرج، حيث يمكن أن تتفق على مجموعة من الأهداف المشتركة بينها، وتتدرج في الوصول إلى تحقيقها، ومن هذه الأهداف لعلها تكون الوحدة الاقتصادية بين هذه الدول المسلمة، أو إقامة كونفدرالية أو إيجاد برلمان يضم أعضاء من كل الدول الإسلامية، أو بناء محاكم عادلة تحقق للأمة الهدف المنشود من العدالة الاجتماعية والحياتية، ولربما تكون من الأهداف والغاية المشتركة بين الأمة الإسلامية وجود جيش قوي يمتلك أعتى أنواع الأسلحة وأحدثها يتولى الدفاع عن الأمة وقضاياها المصيرية، ولن تكون مهمتها الهجوم إلا على من بغى على الأمة الإسلامية أو اعتدى.
وتدعم هذه الوحدة تماماً قضية الاستفادة والتكامل داخل الأمة الإسلامية، فنحن لدينا موارد بشرية يمكن ان تتحد وتتعاون وتتكامل، للقضاء على المشاكل التي تعصف بالأمة الإسلامية، وبخاصة في المناطق التي يجتاحها الفقر، وتحتاج إلى المال، فكثيرة هي المناطق التي تمتلك الموارد البشرية وليس لديها رأس مال يقيم عوزها، كما أن هناك مناطق إسلامية تمتلك رأس مال كبير وليس لديها الطاقة البشرية المتخصصة، وحتى لا توجد لديها الأيدي العاملة في جميع المجالات، فوضع خطة استراتيجية للاستفادة والتكامل بين مثل هذه المناطق يحقق للأمة موارد بشرية وقوى عاملة كافية، ويوفر لها التنمية الشاملة، ولا يعني ذلك الاستغناء عن التخصصات غير المسلمة التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية.
فالوحدة لا بد أن تخطو خطواتها الأولى بهذا التدرج وهذه الطريقة، وبدون الوحدة لن تقوم للأمة المسلمة قائمة، ولن يكون لها بين الوجود منبر ولا لوحة ولا قلم؛ لأن الله تعالى قد حكم على الأمة المتنازعة المتفرقة بالفشل الذريع في ثلاث آيات، منها قوله تعالى: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }، مباشرة بعد التنازع، حيث حرف الفاء المفيد للتعقيب دون التراخي، وقوله تعالى: { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ }، حيث جمع الله تعالى بين التنازع والفشل.
أمتنا اليوم يبلغ تعدادها إلى مليار وسبعمائة مليون نسمة، ولكن ليس لها أي دور يذكر في أي مجال ولا على أي مستوى، لا على مستوى الأمم المتحدة، ولا على مستوى التنمية، لاو على مستوى التأثير في القرارات.
انظروا كيف ضرب " ترامب " بهذه الأمة عرض الحائط، وتحدى مشاعرهم، وأعلن أن القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، لأننا ضعفاء متفرقون متنازعون متقاتلون، ولا ألفة بيننا ولا مودة، ولا رابط يجمعنا، ولا شيء يوحدنا.
ومن هنا تأتي أهمية الوحدة التي أوجبها الله تعالى، وأكد عليها، واعتبر التفرق والتمزق كفراً، وإن كان دون كفر العقيدة، فهناك تلازم بين الانتصار والوحدة والتآلف والتماسك والتكاتف، فحيث وجدت الوحدة وتماسك المجتمع وتناصح وتناصر، كانت الانتصارات تترى عليها دون توقف، كما أن هناك تلازماً بين التفرق والهزيمة، فحيث تفرقت الأمة وتخاذلت وضعفت واستكانت، كان الفشل حليفها، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في أكثر من آية، يقول الله تعالى: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }، وقال تعالى: { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ }.
ولقد سمى الله تعالى التفرق كفراً ولا سيما إذا استشرى الاختلاف وكثر التنازع على مستوى الأصول، وأدى الأمر إلى التناحر والتدابر والاقتتال، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} فطاعة فئة من اليهود والنصارى تدخل المسلم في دائرة الكفر، وإن كان دون كفر العقيدة، { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } خطاب للمؤمنين، لا يجوز للمؤمنين أن يختلفوا وهم يتلون كتاب الله تعالى ويتدبرون آياته الداعية إلى التوحيد، وفيهم رسوله صلى الله عليه وسلم الآمر بالتوحيد ونبذ الخلاف.
وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه التي ودع الأمة بها في خطبة حجة الوداع:" لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، وإن الشيطان أيس أن يعبد الله تعالى في الجزيرة العربية، ولكنه رضي بما يفعله العرب في الجزيرة من أعمال دون الكفر العقدي، حيث رضي بالتفرق والتناحر والتشاجر؛ لأن ذلك إذا استمر أدى إلى الكفر العقدي، حيث يتغير الولاء والبراء.
إن الوحدة فريضة شرعية وضرورة واقعية، ومسألة وجودنا وبقائنا، وإلا فستغرق الأمة في التفرق والتمزق والضياع، وتضيع بذلك طريق تحرير القدس، والحفاظ على المقدسات.
وهذا لن يتحقق إلا إذا كانت لنا مشاريع حقيقية تبنى على الاكتفاء الذاتي، وبخاصة في المجال العسكري، وتصنيع الأسلحة المتطورة.
هناك بعض الدول الإسلامية التي تصدت لمثل هذا الواجب الدفاعي، وعلينا أن ندعمها ونتعاون معها وأن نعمل معها لبناء مصانع مشتركة تصنع عز أمتنا وتنبي كرامتها.
ومن الشروط الواجب توفرها لإقامة الوحدة استعمال القوة الناعمة، وهي القوى الاقتصادية والاجتماعية، وأهمها قوة الإعلام، فيجب أن تتمتع الأمة بقوة إعلامية على مختلف اللغات، وأن تعمل الكوادر المعنية بذلك على التطوير في الداخل والخارج، حتى تستطيع الأمة إن توصل قضاياها إلى المجتمعات كلها، وأن تسمع صوتها أرجاء المعمورة، من خلال منظور استراتيجي، يصون للأمة الكرامة ويضمن لها البقاء.
لا بد أن نعمل على التعاون بين الشعوب الإسلامية من خلال الزيارات واللقاءات والدعوة، بحيث نسخر كل الجهود والإمكانيات لتحقيق هذه الوحدة في العالم الإسلامي، ونبدأ أولاً بالعالم العربي، واليوم مع الأسف الشديد العرب في أشد حالة الضعف والفرقة والاختلاف.
فالجامعة العربية ليس لها دور يُذكر، ومجلس التعاون الخليجي قد تعرض لهذ المصيبة والفتنة التي تعصف بالخليج، لذلك يجب علينا أن نسعى ونبدأ بإزالة هذه الخلافات مهما كان الثمن، وأن نضع نصب أعيننا أن التجارب أثبتت أن قيام وحدة الأمة ونهضتها وقوتها لن تتحقق إلا بشروط أساسية:
الشرط الأول: إصلاح النظام السياسي، كما فعله الإسلام في البداية، وأقام دولة العدل ودولة تنسجم مع الشعب، وتعبر عن ضميره، وكما فعله الأوربيون أيضاً حيث أقاموا النظام الديمقراطي الذي فيه الفصل بين السلطات، وفيه الديمقراطية والحرية الكاملة لهذه الشعوب، ولما أصلحوا النظام السياسي، انفتحت أمامهم جميع القوى.
أمتنا اليوم بحاجة إلى الوحدة في حشد جميع قواها؛ قواها الناعمة المتمثلة في الدبلوماسية والحوارات وتقارب وجهات النظر، وقواها الخشنة المتمثلة في القوى العسكرية، ولن يتحقق للأمة مرادها إلا من خلال قوتها الخشنة التي تتطلب العتاد والاستعداد بكل وسيلة متاحة، وبكل سلاح متطور، بحيث يهابنا العدو فلا يقرب ساحنا.
الشرط الثاني: إصلاح النظام التعليمي، بحيث يكون هذا النظام قادراً على صناعة الأجيال المثقفة الواعدة الواعية العالمة المبدعة، فالأمة بدون الإبداع لن تستطيع أن تعمل شيئاً.
وقد بين القرآن الكريم بأن امتحان أمتنا الإسلامية مع بقية الأمم إنما يكون بالأحسن والإبداع، قال تعالى في أكثر من آية: { لِيَبْلُوَكُمْ }، أي ليمتحنكم أيها المسلمون مع بقية الأمم، أيكم ينجح في الدنيا، وكذلك في الآخرة { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وكلمة أحسن عملاً هي نكرة، أي أنه يجب أن يكون العمل اليوم أحسن من عمل الأمس، وأن يكون الأحسن عملاً في الغد أحسن منه في اليوم، وإنما يتحقق ذلك من خلال عقلية متحركة ديناميكية، قادرة على الإبداع اليومي، وعلى التجديد اليومي، وقد قيل في الآثار: " من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون".
وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية هذا الإصلاح في أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }، وفي ذلك دعوة إلى القراءة المطلقة الشاملة، حيث تتضمن هذه الآيات جميع المبادئ الأساسية للقراءة المؤثرة، حيث أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالقراءة الشاملة للكون وللإنسان ومن بعده أمته، وما هذه الإبداعات التي ظهرت إلا نتائج قراءة شاملة.
كما دعت الآيات إلى تجدد القراءة في ظل الربوبية حتى لا يطغى الإنسان، وبينت الآيات أن الإبداع في أي مجال لن يتحقق للإنسان إلا إذا كانت القراءات مصحوبة بكرامة الإنسان؛ لأن الإنسان بدون كرامة لن يبدع كما هو الحال في الأمة العربية والإسلامية، وكم من مبدع في الغرب ينتمي إلى أصول إسلامية عربية، وحينا كان بيننا كلن يضرب به المثل في التخلف والجهل؟
الشرط الثالث: إصلاح النظام الديني، فقد قامت أوربا بإصلاح النظام السياسي والتعليمي والديني، وذلك بعد أن تدخلت الكنيسة ومنعت العلم وأحرقت العلماء.
أما بالنسبة لنا فديننا متطور ومتقدم ونحن بحاجة إلى إصلاح الاجتهادات المنشودة المرتبطة بالجزئيات، وأن تنطلق هذه الاجتهادات بتحقيق غاية الأمة في الوجود والتعمير، وبيان مقاصد الله تعالى في خلق الإنسان وهو الاستخلاف، قال تعالى: { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } وفي الكون من خلال التأمل للدلالة على الله تعالى على منهج الله تعالى، وفي النفس البشرية، وآلية وجودها وعملها وخلقها، قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.
إذا تحققت هذه الإصلاحات الثلاث ستكون بمثابة خارطة طريق للأمة الإسلامية، والأهم من ذلك أن تكون هناك مرجعية علمائية مستقلة للأمة، لا تتبع أهواء بعض الحكام، ولقد ذكر القرآن الكريم أهمية المرجعية السياسية، وإلى جانبها أهمية المرجعية الدينية الفقهية الاستنباطية، قال تعالى:{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، وهو العلماء في جميع التخصصات، وليس في التخصص الشرعي فقط.
لا بد من وجود هذه المرجعيات، وإن كان بعضها اليوم موجوداً من خلال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولكنه لا يدعم الدعم الكافي لا من قبل الشعوب ولا من قبل الحكومات.
وإن التاريخ ليثبت دور العلماء الربانيين، وذلك حينما عجز القادة عن القيام بواجبهم تجاه وحدة الأمة والنهوض بها، إبان الاحتلال الصليبي للقدس ومعظم بلاد الشام مطلع القرن الخامس الهجري، حيث برز دور العلماء وقاموا بوضع خطط علاجية لأزمة الأمة وقتها، من خلال أنظمة إصلاحية، قامت على المحاور الآتية:
الأول: محاربة الأفكار الدخيلة، وعملوا على فضائح الباطنية، والباطنية اليوم هي الأفكار المتطرفة والطائفية، والتي تسمي نفسها بالعلمانية.
الثاني: حاربوا الغزو الثقافي من خلال تهافت الفلاسفة، والفلسفة التي كانت تغطي على ثقافتهم الإسلامية، وهويتهم الدينية.
الثالث: عالجوا قضية النفوس والأهواء، يقول الغزالي:" مشكلتنا في العالم الإسلامي مشكلة النفوس والقلوب، وليست مشكلة القوة.
الرابع: عالجوا فكرة قوة الأمة ونهوضها، وقالوا: إن الأمة لن تقوم بالعلم الشرعي وحده، وإنما يتحقق الخير بكل العلوم وبجميعها، فنهلوا منها وأخذوا منها بحظ عظيم.
الخامس: وأضافوا إلى تلك الجبهات الجهاد بصورته المشرقة لا بالصورة التي شوهها عملاء أمريكا من خلال تنظيمي القاعدة وداعش، وبنوا المدارس التي تخرج صنفين من الناس؛ قادة علماء، وعلماء مجاهدين، وظهر جيل نور الدين الزنكي، ومن بعده صلاح الدين الذي قام بتوحيد الأمة، وقال لمن حوله بعد أن قضى على الدولة الفاطمية:" ننطلق اليوم من التوحيد إلى التحرير ومن الاجتهاد إلى الجهاد"، فكتب الله لهم النصر، وعالجوا هوان الأمة وضعفها.
بينوا للناس الجهاد بمعناه الحقيقي، وأدركوا أن المراد بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} هو نظرية الردع العسكري الاستراتيجي، وهو القوة التي تجعل الأعداء تهاب جانب الأمة، وتخشى صولتها، ولا تطمع فيها فلا تنالها بسوء، أو تطالها بمكروه.
هذه معالم تحرير المقدسات والتغلب على التحديات، وهكذا تكون الأمة الإسلامية ذات قوة محترمة قادرة على رعاية مصالحها الاقتصادية والسياسية.
إن من عظيم نعم الله تعالى على الإنسان أن يرفل في ثوبي الأمن والأمان، وأن يتحقق له ما يصون كرامته، ويحفظ بقاءه، ويضمن له استمراره للوصول إلى الغاية السامية التي أوجده الله تعالى من أجل تحقيقها، والذود عنها.
وإن من فضل الله تعالى نعمة الأمن والأمان التي يتمتع بها هذا البلد العزيز قطر، وذلك بفضل إحسانها إلى معظم العالم الإسلامي، وبفضل قيادتها الحكيمة الرشيدة، التي وضعت نصب أعينها مرضاة الله تعالى، والإحساس بالمسؤولية الإيمانية تجاه الأمة الإسلامية، والتي جعلت من أولوياتها السياسية نصرة المظلوم، وجعلت لها شعاراً منذ تأسيسها أن تكون كعبة المضيوم، يتجلى ذلك من خلال وقوفها مع قضايا الأمة المصيرية، ومساعدة البلاد المنكوبة بكل ما يتاح لها من سبيل.
كما أن الشعب القطري يتحلى بالأخلاق الكريمة النبيلة، حيث يشعر الوافد إلى قطر أنه في بلد عزيز يعز رواده وزواره، مما يجعل الأمن والاطمئنان ساكناً في قلبه، فلا يخشى على حقه من الضياع، ولا يخاف على كرامته من العبث.
وهذا ما جعل صاحب السمو أمير البلاد يعتز به من على منبر الأمم المتحدة، حيث أعلن عن فخره واعتزازه بشعبه القطري، وبكل مقيم يعيش على أرض قطر من مختلف الجنسيات والأعراق.
علينا أن نبادل هذه القيادة حباً بحب، وإخلاصاً بإخلاص، ووفاء بوفاء، وذلك من خلال السعي إلى تحقيق الأمن والأمان لهذا البلد وأن نساهم في نشر وعي الانتماء للوطن، وأن نساعد في ازدهار هذه البلد اقتصادياً وعلمياً، وأن يكون لنا دور ــــــــــ مواطنين ومقيمين ـــــ في تطوير هذا البلد، إذ ذاك وجاب شرعي، وعلينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة، وأن ندعو الله تعالى أن يجعلنا ـــ قادة وشعباً ــــ من الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ}.
اللهم أصلح أحوالنا.