الرابط المختصر :
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الإثنين الماضي حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يرفض إعلان ترامب مدينة القدس العربية المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي الغاصب ويدعوه إلى التراجع عنه ، وهذا دليل جديد على أن الإدارة الأمريكية تقوّض قرارات الشرعية الدولية وتسلبها صفة الإلزام ، وتعلن للعالم أنها ما كانت يوماً راعياً نزيهاً للسلام ، بل هو برهان آخر على أنها راعية الإرهاب الحقيقي في العالم ؛ وبالأخص القضية الفلسطينية .
وكردة فعل على هذا الفيتو أعلنت كثير من الدول والمنظمات والهيئات والشخصيات في العالم صدمتها لهذا القرار ، وأعربت عن رفضه ومعارضته ، فهل كانت تنتظر من الإدارة الأمريكية موقفاً نزيهاً ؟ هل فاجأها هذا الموقف المنحاز للكيان الإسرائيلي الغاصب ؟ ألا يمثل الفيتو الأمريكي انحيازاً تاريخياً متجدداً للباطل وتأييداً للجلاد ؟
لقد أذهلني هذا الاستغراب ، فليس هذا الفيتو الأمريكي الأول ضد قضيتنا وضد مدينتنا المقدسة ، فقد شهد المجلس منذ أولى جلساته في العام 1946 استخدام إداراتها المتعاقبة الفيتو عشرات المرات لإحباط القرارات التي تدين ممارسات الكيان الصهيوني وإجراءاته التعسفية في فلسطين المحتلة وتطالبه بالانسحاب منها . ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
* في 25/3/1976 فيتو أمريكي أحبط مشروع قرار يدعو سلطات الاحتلال إلى الالتزام بحماية الأماكن المقدسة .
* في شهر 6/1976 فيتو امريكي أسقط تقريراً تقدمت به لجنة مهمتها إعداد برنامج تنفيذي لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المعترف بها في القرار رقم 3236 الصادر عن الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة ، وأعيد تقديم التقرير إلى مجلس الأمن أربع مرات في الفترة 1976-1980 ، لكنه واجه المصير ذاته بالفيتو الأمريكي في كل مرة .
* في20/8/1980م امتنعت عن التصويت لصالح القرار الأممي رقم 478 الذي يتضمن عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس ، على الرغم من تأييد جميع الدول الأعضاء في المجلس .
* في 20/4/1982م فيتو أمريكي ضد مشروع قرار عربي بإدانة حادث الهجوم على المسجد الأقصى المبارك ، حيث قام الجندي الإرهابي "هاري غولدمان" من جيش الاحتلال الغاشم والذي يحمل الجنسية الأمريكية بإطلاق النار على قبة الصخرة الذهبية قادماً من باب الغوانمة ، ثم قام باقتحام مسجدها ، وبفتح النار على المصلين فيها ، مما أدى إلى استشهاد اثنين من المواطنين الفلسطينيين وإصابة أكثر من (60) آخرين .
* في 15/2/1983م فيتو أمريكي ضد قرار يستنكر المذابح بحق اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا في لبنان ، هذه المذابح التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بالتعاون مع جماعات مسلحة في 16/9/1982م على مدى ثلاثة أيام ، واستشهد فيها ما بين 3500 و5000 من الفلسطينيين شيوخاً وأطفالاً ونساء .
* في 30/1/1986م فيتو أمريكي ضد مشروع قانون يدين الانتهاكات الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى ويرفض مزاعم إسرائيل باعتبار القدس عاصمة لها ، حيث تعرض المسجد لعدة محاولات بهدف تفجيره على يد مجموعات يهودية متطرفة مستخدمين المتفجرات والقنابل الموقوتة والقنابل اليدوية والحقائب المتفجرة ، وقد أحبط حراس المسجد الأقصى المبارك تلك المحاولات منذ عام 1982 وكان آخرها في عام 1986 عندما حاول طيار من سلاح الجو في جيش الاحتلال الإسرائيلي مستخدماً طائرة حربية على متنها عدد من الصواريخ قاصداً استهداف المسجد الأقصى المبارك ، لكن محاولته باءت بالفشل .
* في 17/3/1995م فيتو أمريكي يفشل قرار يطالب سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوقف مصادرة 53 دونما من الأراضي العربية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة لإقامة سلسلة استيطانية تحيط بالمدينة المقدسة من جميع الجهات وإسكان مستوطنين إسرائيليين فيها بهدف إحداث تغيير جذري في بنيتها الجغرافية والديمغرافية ، وبالفعل فقد حولت الفلسطينيين فيها إلى أقلية بعد ان كانوا أغلبية عظمى في عام 1967 .
* في 4/3/ 1997م فيتو أمريكي يعيق صدور قرار يطالب سلطات الاحتلال الإسرائيلية بوقف أنشطتها الاستيطانية في شرق مدينة القدس العربية المحتلة .
* في 21/3/1997م فيتو أمريكي آخر ضد مشروع قرار يدين بناء سلطات الاحتلال الإسرائيلي المستوطنات اليهودية في جبل "أبو غنيم" شرق مدينة القدس المحتلة ، وهي إحدى أكبر المستوطنات جنوب شرقي مدينة القدس ، وقد أقيمت على أراضي قريتي صور باهر وبيت ساحور الفلسطينيتين ، وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلية قد بدأت ببنائها في وسط التسعينات على الرغم من المعارضة الفلسطينية والشعبية الحادة ، وقد بذل الجانب الفلسطيني في ذلك الوقت جهوداً دولية للحيلولة دون بنائها ، لكن هذه المساعي فشلت امام تعنت الاحتلال .
* في14/7/2003م فيتو أمريكي ضد مشروع قرار أعده الفلسطينيون وقدمته سوريا باسم المجموعة العربية ضد قرار يطالب بإزالة جدار الفصل العنصري الذي تقيمه سلطات الاحتلال الإسرائيلية في عمق الضفة الغربية ، وقد بدأ بناؤه عام 2002 بحجة توفير الأمن للسكان اليهود ، لكن الحقيقة أنه يهدف إلى ضم مزيد من الأراضي الفلسطينية إلى الكيان الغاصب وإعاقة حياة أبناء شعبنا الفلسطيني والتضييق عليهم وتقطيع الأوصال بين المدن والقرى والتجمعات الفلسطينية .
* في 16/7/2003م فيتو أمريكي ضد مشروع قرار لحماية الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله عقب قرار الكنيست الإسرائيلي بالتخلص منه .
* وفي 23/12/2016م طلب ترامب بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية الرئيس الأمريكي أوباما إلى استخدام حق الفيتو ضد قرار يدين بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين . غير أن الولايات المتحدة امتنعت عن استخدام الفيتو هذه المرة ، ليس لنزاهتها ولا حباً في الفلسطينيين ؛ لا بل بهدف إحراج الرئيس الجديد ووضع العراقيل السياسية في طريق إدارته الجديدة .
* وأخيراً في 18/12/2017م كان الفيتو الأمريكي موضوع حديثنا اليوم ضد مشروع قدمته مصر يطالب بإلغاء قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي الذي أيده (14) أربعة عشر عضواً في مجلس الأمن الدولي ، وطالبوا باحترام القرارات الدولية التي تؤكد أن القدس أرض فلسطينية محتلة .
من استعراض ودراسة وتحليل الأحداث الخاصة بقضيتنا الفلسطينية على مدى ستة عقود وأكثر يدرك كل من له عقل أن هيئة الأمم المتحدة أنشئت عام 1945 خصيصاً لتضييع فلسطين وأرضها ولشرعنة احتلالها ، فهذه المنظمة هي التي أنشأت الكيان الصهيوني الغاصب واعترفت به وقدمت له الحماية ، ولكنها لم تنشئ بالمقابل الدولة الفلسطينية كما هو منصوص عليه في قراراتها ، وهي التي أصدرت قرار التقسيم ، وهي التي أصدرت القرار رقم 194 وطبقت منه الجانب الذي يصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي ، ولكنها لم تنفذ منه قرار إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أخرجوا منها بقوة الحديد والنار .
إذن لقد وجدت هذه المنظمة لتنفذ فقط القرارات التي تصب في مصلحة الدول القوية ببسط هيمنتها على الدول الضعيفة وشعوبها المستضعفة ، ولقهرها والاستيلاء على مقدراتها وثرواتها ، ويأتي منح حق النقض للدول الاستعمارية الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن ليؤكد ذلك ، فاللجوء إليها خطأ سياسي كبير لأنه لن يصدر يوماً عنها قرار لصالحنا ، وإن صدر فالفيتو له بالمرصاد ، فهذا الفيتو هو إسقاط لحقوقنا وشرعنة للاحتلال وإجراءاته .
ولهذا أؤكد أنه يجب علينا ألاَّ نعوّل عليها كثيراً أو أن نتعلق بعدالتها الوهمية وحيدتها المعدومة تجاهنا ، فإنَّ لإسقاط قرار ترامب ولتحقيق آمال شعبنا الفلسطيني في دحر الاحتلال عن أرضه ونيل الحرية والاستقلال وإقامة دولته على كامل تراب وطنه وعاصمتها مدينة القدس المباركة سبلاً أخرى يجب أن نسلكها .