الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد
فقد وردتني استفسارات متفرقة حول قيام المدين – فرداً، شركة، أو بنكاً - بتوكيل طرف ثالث لسداد استحقاقات عليه لدائنيه، وقد يكون الوكيل فرداً أو شركة متخصصة أو جهة معينة، من خلال مستند قانوني يحتوي واجبات وحقوق والتزامات الأطراف، ولكن الوكيل ضامن لأداء التزامات الدائن في جميع الأحوال.
فبحسب ما تم عرضه علينا حول هذه المسألة في أشكال ومناسبات وسياقات متفرقة، نقول وبالله التوفيق؛
أولاً – إن الوكيل هنا ليس مجرد وكيل، وإنما هو وكيل ضامن بالدفع أمام المطالبات إما بنفسه أو بغيره.
والوكيل الضامن هو في حكم الدائن فلا يجوز له أن يأخذ من قرضه أو ضمانه إلاّ بمقدار مصروفاته الفعلية، فالعملية في مقاصدها ومضامينها مرتبطة بالقرض.
ولو كان وكيلاً مجرداً دون ضمانه بالدفع أو بالالتزام لجاز له أن يأخذ الأجر المعتاد.
ثانياً- إن فرض الوكيل الضامن غرامة تأخير ثابتة (أو متغيرة) على الدين أو القرض أمر غير مقبول شرعاً ، يجعل العقد فاسداً عند الحنفية ، وباطلاً عند الجمهور. وأن القبول بهذا الشرط حرام بالاتفاق .
وفي جميع الحالات (حتى مع تعهد المدين بعدم التأخر، وقيامه بالسداد دون تأخير) فنحن لا نفتي بصحة هذا الشرط في الديون والقروض إلاّ لحالات الضرورة ، أو الحاجة العامة الملحة وهي معدودة ومحدودة جداً بل مقيدة تماماً.
ثالثاً- أن العقود والاتفاقيات المبرمة في الأغلب لا يذكر فيها المرجعية عند الخلاف.
والحل في نظري يكمن فيما يأتي:
(1) يجب ضبط الأطراف كل حسب صفته ونظامه الأساسي، بالإضافة إلى التعيين الدقيق: للوكيل، والموكل (المدين) ، والدائن، وتحديد قيمة الديون والمستحقات، ونوعها وتواريخ وأزمان وقيم استحقاقاتها .
(2) جعل مبلغ الوكالة ثابتاً ومقطوعاً ومرتبطاً بقيمة المصروفات الإدارية الفعلية ونحوها، وليس مرتبطاً بمبلغ الدين ، أو بزمن التأخير ونحوه.
(3) الاتفاق الواضح على آلية وطريقة السداد، وفترات تنفيذ عمليات التوكيلات حسب نوع النشاط الذي ترتب عليه الدين بين الدائن والمدين، فمثلاً في البنوك يتم عادة تحديد فترة السماح -إن وجدت-، وتأريخ استحقاق القسط / الدين.
(4) الابتعاد عن فرض أي غرامات تأخير، ومعالجة ذلك من خلال منح المدين ضمانات كافية تؤكد عدم حدوث التأخير، وهذا ما طبقناه في معظم البنوك الإسلامية.
(5) يجب إضافة بند خاص للعقود والاتفاقيات بأنه عند الخلاف يكون التحاكم إلى قانون الدولة أو التحكيم ، بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ولحالات الدول الأخرى مثل الأوروبية ، يمكن الاكتفاء بإضافة بند خاص ينص على تعهد وموافقة الأطراف بعدم أخذ أو دفع الفائدة (الربا) .
هذا الله تعالى أعلم بالصواب ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي محيى الدين القره داغي