الرابط المختصر :
شدد فضيلة الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على حرمة الاستهزاء والسخرية، وأوضح أن هذا السلوك من الكبائر التي ورد فيها التهديد والوعيد، وأضاف أن كل من يستهزئ بالآخرين بأي وسيلة هيأ الله تعالى له أشد أنواع العذاب.. وإذا كانت السخرية بهذا المكان من الإثم والمعصية والخطورة، حيث يصل بعضها إلى الكفر، وذلك إذا كانت السخرية بالله تعالى وبآياته وبرسوله صلى الله عليه وسلم..
قال فضيلته في حديث الى موقعنا: إذا كانت السخرية محرمة بكافة أشكالها وأنواعها، فإنها تكون أكثر جريمة وأعظم إثماً إذا كانت بالعلماء وأهل الفضل وأهل العلم.
وأضاف: مع الأسف الشديد ما تركوا حتى العلماء المستقلين الذين لا يشغلون وظائف في دولهم، وإنما يدعون الله تعالى على بصيرة، ويتحملون ما يصيبهم من الأذى مالياً ومعنوياً في سبيل الله تعالى، ومع ذلك تأتي مجموعة من الناس تسخر منهم وتستهزئ بهم وتصنفهم في مجموعات إرهابية، مثل تنظيم الدولة والقاعدة، ومثل أصحاب الفكر السلفي المتشدد، والذين سموا أنفسهم جماعة جهيمان السلفية المحتسبة..
وتساءل فضيلته: كيف يجوز لبعض الدول التي تدعي أنها إسلامية، وتقود المشروع السني أن تصنف مجموعة من العلماء الربانيين في سجونها، لا جريمة لهم إلا السكوت عما تقوم به حكومات تلك الدول من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكرامته.
واستنكر فضيلته وصم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالإرهاب بقوله: ولم يكتفوا بذلك في الداخل، وإنما صنفوا الاتحاد، الذي يضم أكثر من 95 ألف عالم من علماء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها بجرة قلم في قائمة الإرهاب... وتساءل كيف ينصر الله أمة تستخف بعلمائها؟ وتحارب علماءها؟ موضحاً أن هؤلاء العلماء وقفوا ضد الإرهاب والتطرف الفكري، الذي كان سائداً في بعض هذه الدول، وضد الإفراط والتفريط، والفكر المتشدد والمترخص والمتساهل، وضد كل باطل، واعتبروا كل باطل ضداً لهم دون إفراط ولا تفريط.. وتساءل فضيلته مجدداً.. كيف ينصر الله أمة بهذه الطريقة؟ وكيف تتصدى هذه الدول -كما تدعي- للمشروع الصفوي المتجسد في إيران؟ وقال «إن إيران تحترم علماءها ومرجعياتها، وقد استطاعت أن تجمع في حلفها لتحقيق مشروعها وهدفها الفرق الشيعية التي لا تؤمن ببعض عقائدها، مثل النصيرية التي لا تؤمن بالإمامية، ومثل الزيدية التي تعتبر أقرب طوائف الشيعة إلى أهل السنة والجماعة».
وأوضح فضيلته: إيران تحترم علماءها وتقدسهم، ونحن لا نريد تقديساً، ولكن هؤلاء يريدون أن يحاربوا إيران من خلال محاربة العلماء، وتساءل: هل حرب إيران تبدأ بالصداقة مع إسرائيل؟ وهل حرب إيران تبدأ بتصنيف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قوائم الإرهاب؟ أي سياسة هوجاء تنتهجها حكومات هذه الدول؟
حزمة من الذنوب والمعاصي
ذكر القره داغي أن السخرية فيها مجموعة من الذنوب والمعاصي -كما قال علماؤنا الأفاضل- تشتمل السخرية على الكبر والاستعلاء، وعلى ظلم الآخرين والاستهانة بهم، وعلى تفريق وتمزيق روابط الأخوة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»، فهل يمكن للإنسان أن يسخر من جزء من بدنه، فالناس أجزاء مكملة بعضها لبعض، يربطها أصل الخلقة، دون اعتبار للأحساب والأنساب.
وقال فضيلته «إن من السخرية بالآخرين ما نعيشه اليوم من إطلاق عبارات مثل كلمة «رفيق» على الخدم والحشم وعلى الذي يخدموننا ويعيشون بيننا، ولا يراد بهذه الكلمة وسواها معناها الحقيقي، وإنما فيها انتقاص لحقوقه، وامتهان لكرامته وجهالة لهويته، والأقرب إلى التقوى أن ينادى باسمه، فإن لم يُعرف اسمه كان الأقرب إلى التقوى وحفظ الكرامة أن ينادى بالأخوة الإيمانية، أو الإنسانية، وذكر في هذا السياق ما رواه أصحاب السير عن أن المَعرُورَ بنَ سُوَيدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلتُهُ عَن ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبتُ رَجُلاً فَعَيَّرتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخوَانُكُم خَوَلُكُم جَعَلَهُم اللَّهُ تَحتَ أَيدِيكُم فَمَن كَانَ أَخُوهُ تَحتَ يَدِهِ فَليُطعِمهُ مِمَّا يَأكُلُ وَليُلبِسهُ مِمَّا يَلبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُم مَا يَغلِبُهُم فَإِن كَلَّفتُمُوهُم فَأَعِينُوهُم».
وقرر أبو ذر الغفاري بعدها أن يضع خده على الأرض ليطأه بلال رضي الله عنهما، فما كان منهما إلا التصافح والعناق والتسامح، فهم في دين الله إخوة.
حكمة التاريخ.. لا وثوق بالغرب
أعرب القره داغي خلال خطبة الجمعة عن مخاوفه مما هو قادم بقوله: أخوف ما نخاف أن تكون هذه السياسات مقصودة لتدمير المنطقة وتفتيت قوتها، وهي التي ترفل في ثوب الأمان والاستقرار دون بقية أصقاع العالم الإسلامي..
وأكد أن التاريخ يقول لنا: «لا يمكن الوثوق بالغرب، فإن الغرب يرعى مصالحه، ولا يعير اهتماماً لغير ذلك»، هل سلم الغرب العراق إلى العرب والسعودية؟ وكذلك سوريا، واليمن، ولبنان..
ودعا خطيب الجمعة، الله تعالى أن يحفظ المملكة السعودية والخليج كله من هذه السياسات التي تفرق الأمة، وتمزق شملها، وتضعف قوتها، وتوقد فيها نيران الكراهية والبغضاء والحقد والحسد.
كرامة الإنسان
وقال فضيلته: أرسل الله تعالى هذا الدين ليكون مكملاً لكرامة الإنسان، مؤكداً لحقوقه وإنسانيته، وأولى العناية بكرامة الإنسان أي إنسان كان، ومنع الاعتداء على كرامة الإنسان في نفسه وماله ودمه وعرضه وعقله وكل مكوناته الإنسانية إلا بوجه شرعي، لأن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وجعله خليفته في الأرض، لافتاً إلى أن الله تعالى أوكل إلى الإنسان مهمة إعمار الأرض، كما أوجب مقابلة إساءة الآخرين بالإحسان، حتى تضمحل العداوة من القلوب، وحتى تنطفئ نيران الكراهية والحقد والحسد.
وقال فضيلته إن السخرية والاستهزاء محرم بكل أشكاله وأنواعه، وهي كبيرة من الكبائر التي ورد فيها التهديد والوعيد، والتي اعتبرها الدين من الموبقات التي تهلك صاحبها وتحبط عمله، سواء كان الاستهزاء بالقول أو الفعل أو الإشارة، ويكون أشد تحريماً وكفراً بواحاً إذا كانت السخرية بالله تعالى بآياته وبرسوله صلى الله عليه وسلم {وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِئُونَ* لَا تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمَانِكُم} فلن تنفعهم معذرتهم يوم القيامة، لأنهم كفروا حين استهزؤوا.. كما أن السخرية والاستهزاء لا يقل سوءاً إذا كان بجماعة من الناس وبمجوعة تمس كرامة الإنسان، ولا سيما إذا كان بأهل العلم والفضل والخير.
الجميع مسخّر للجميع
أكد أن الجميع في نظر القرآن الكريم مسخر للجميع، وأن الكل يكمل بعضه، ولا تستوي الحياة في طبقة واحدة دون الاستعانة بطبقات المجتمع الأخرى، ولكن بشرط أن تكون هذه الاستعانة مراعية لقيم الإنسان، وحافظة لحقوقه وكرامته، لافتاً إلى أنه لا يجوز أن تكون هذه الاستعانة سبباً في هدر الكرامة الإنسانية، وأن الله تعالى أكد ذلك في كتابه، وبين أن استقامة حياة الأغنياء مثلاً متوقفة على وجود فقراء يخدمونهم، وأن أمور حياة الفقراء متوقفة على وجود أغنياء يستخدمونهم، وهذا هو معنى كلمة {سُخرِيًّا} في قوله تعالى: {أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَتَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا وَرَحمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ} أي يكمل بعضكم بعضاً ويحقق له مسيرة حياته.
وأشار في هذا السياق إلى قول علي بن أبي طالب في كتابه إلى عامله على مصر: «من معك في مصر، إما هو أخوك في الدين، وإما هو نظيرك في الإنسانية»، كما جعل القرآن الكريم الإنسان مسؤولاً عن القرابة العامة، وعليه أن يراعي حقوقها ويؤدي واجباتها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا} فالأرحام هنا هي أرحام الإنسانية، وكلنا من آدم، وآدم من تراب.
التزام القيم النبيلة واجب المسلم
أوضح أنه يجب على المسلم أن يجسد القيم النبيلة العظيمة التي جاء بها الإسلام، وتراعي كرامة الإنسان، وتحترمه وتصون حقوقه، وقال «لا يجوز أن ينتهك هذه الحقوق بأي شكل أو نوع من أنواع الانتهاكات التي تسيء وتفسد الود وتقطع العلائق الاجتماعية، وتمزق وشائج الارتباط الإنساني والإيماني»، عَن عَائِشَةَ قَالَت: قُلتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَسبُكَ مِن صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ غَيرُ مُسَدَّدٍ تَعنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ لَقَد قُلتِ كَلِمَةً لَو مُزِجَت بِمَاءِ البَحرِ لَمَزَجَتهُ».
وأكد فضيلته أن الإسلام دين الإنسانية، والاحترام، والكرامة، وأن المشكلة تكمن في التطبيق، ذاكراً في هذا الإطار قول الشيخ محمد عبده، بعد أن رأى الفرنسيين: «رأيت إسلاماً بلا مسلمين» وبعد عودته إلى مصر قال: «رأيت مسلمين بلا إسلام»، ولا نقصد مصر وحدها، فكل العالم الإسلامي أصبح صورة إسلام وشكله، بلا معنى ولا جوهر. وقال فضيلته «إسلامنا نظيف جميل قيمي، فأقيموه بين مجتمعاتكم وتخلقوا بأخلاقه، تسعدوا في الدنيا والآخرة، وكونوا خير قدوة للآخرين بأخلاقكم تفلحوا، وتنالوا سيادة العالمين.;