أعلن رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي - عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - عن هدفه الرئيسي من هذا الاستحقاق الانتخابي: تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة تضم أكبر عدد ممكن من كافة الأطياف السياسية دون استثناء.
تأتي هذه التصريحات قبل أيام قليلة من توجه التونسيين لمراكز الاقتراع لانتخاب أول برلمان لتونس منذ ثورة 2011.
وفي إطار الهدف نفسه، أشار الغنوشي إلى أن قرار حزبه بعدم الدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية، الشهر المقبل، جاء أيضا من أجل إنجاح المسار الديمقراطي الناشئ في تونس الذي يتطلب أن تكون السلطة في يد أكثر من حزب وليست حكرا على النهضة حتى لو كان بمقدور النهضة ذلك، مشيرا في هذا الصدد إلى أن النهضة استفادت تحديدا من التجربة المصرية التي "سقطت" لغياب التوافق بين القوى السياسية، في إشارة إلى الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي العام الماضي.
وأضاف الغنوشي: "هذه الانتخابات هي امتداد لانتخابات 2011 (المجلس التأسيسي) من حيث المصداقية ونتوقع أن تجري بمصداقية، و"هناك تشابه حيث انه في كلا المناسبتين، كانت هناك مشاركة حرة وتعددية حرة وإن كان عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية أكثر من المرة السابقة".
وبخصوص مشاركة عناصر من النظام القديم (المنتمي للرئيس السابق زين العابدين بن علي) في هذه الانتخابات بشكل لافت وعبر عدة أحزاب، أوضح الغنوشي: "لم نعتبرهم من النظام القديم لأن ذلك النظام بناية تفككت وانهارت وبعض أحجار هذه البناية دخلت بالفعل في البناء الجديد لتونس وليس في ذلك مانع".
وأوضح رؤيته أكثر بالقول: "نحن تجنبنا منهج الإقصاء وتجنبنا مشروع العزل السياسي وما سمي بتحصين الثورة، ونحن ضد العقوبات الجماعية فالجريمة فردية وذلك لا يعني الإفلات من العقاب، والنظام السابق أجرم في حق الشعب لكن الجريمة طبيعتها فردية وهناك العدالة الانتقالية ستفتح عن قريب وهناك أيضا محكمة الشعب" في إشارة إلى الانتخابات التشريعية وما ستفرزه من نتائج.
وتابع: "ممكن نتحالف معهم (منتسبو النظام القديم) في حكومة وليس لنا فيتو على أي أحد أو أي حزب يعمل في إطار الدستور والشعب التونسي هو الذي يقرر من سيحكم تونس".
وعن التجربة المصرية تحديدا، أوضح الغنوشي أن "حركة النهضة استخلصت من التجربة المصرية (إشارة إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي العام الماضي) أهمية الديمقراطية التوافقية وعدم إقصاء أي طرف، فالديمقراطية تستوعب كل من يقبل بالدستور ويعمل في إطاره لذلك نحن وغيرنا متفقون على أن ديمقراطيتنا هشة ناشئة تحتاج إلى ديمقراطية توافقية ذات قاعدة واسعة وليس فقط 51 بالمائة".
ومن هذا المنطلق أكد الغنوشي على هدف حركته: "حكومة وحدة وطنية واسعة" تفرزها الانتخابات التشريعية. وقال: "هناك ما يشبه الوفاق الوطني في تونس حول ما نادينا به من حكومة وحدة وطنية، حكومة ائتلاف وطني واسع على أساس برنامج مشترك". وتابع: "معظم الأحزاب أعلنت ذلك من تلقاء نفسها ضمن برامجها الانتخابية، والقانون الانتخابي (بنظام القائمة النسبية التي لا تضع قيودا على تمثيل الأحزاب الصغيرة) يوزع الأصوات توزيعا واسعا ولا يعطي لأي حزب إمكانية تشكيل أغلبية لوحده، وأيضا علينا إدراك حاجة البلد باعتبار التحديات الكبيرة اقتصاديا وامنيا إلى حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة واسعة حتى يشترك أوسع طبقة سياسية في مواجهة هذه التحديات الكبيرة التي لا ينهض بها حزب وحده".
وأكد الغنوشي أن "ما أزم الأوضاع في المرحلة السابقة هو نمط حكم فيه أحزاب تعارض وأخرى في الحكم وهو أمر عادي في الديمقراطيات القديمة ونحن وضعنا هش ونحتاج حكومة تمثل 70 أو 80 بالمائة".
وفي السياق ذاته، لفت الغنوشي إلى أن كل الأحزاب التونسية لا تستبعد حكومة وحدة وطنية، وهناك من يضعها ضمن استراتيجيته وآخر يجعلها حلا استثنائيا، حتى حزب المسار (الديمقراطي الاجتماعي المعروف بمعارضته الشديدة للنهضة) قال إنه يمكن أن نشترك في حكومة وحدة وطنية فيها النهضة إذا تشتت الأصوات ولكن لا تقودها النهضة بل شخصية مستقلة الجميع يرى أن حكومة وحدة وطنية إما خيارا أساسيا أو ضرورة".
وفي خصوص توقعاته للانتخابات، قال الغنوشي: "تتوقع النهضة فوزا واسعا يقارب فوزها الماضي"، في إشارة إلى نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي 23 أكتوبر– تشرين أول 2011 حيث فازت النهضة بـ 41% من مقاعد المجلس الـ217 "وأضاف الغنوشي "المرة الماضية أخذنا 89 مقعدا نتوقع الآن أن نحصل على رقم مشابه يزيد قليلا أو ينقص قليلا" من إجمالي 217 مقعدا أيضا في البرلمان المقبل.
وبشأن موقف النهضة من منافسه الرئيسي حزب "نداء تونس" (تيار دستوري لمنتسبي النظام السابق) وخطابه الانتخابي الرافض للتحالف مع النهضة لأنها لا "تشبههم"، قال الغنوشي: "استراتيجيتهم بُنِيت على إبعاد النهضة وعدم التحالف معهم والقول بأنهم على النقيض منها".
وستدرك قائلا: "لكن أمام استراتيجية النهضة وخطابها الذي دعا بقوة إلى الوحدة الوطنية والابتعاد عن تقسيم المجتمع التونسي إلى حداثيين ورجعيين باعتبار المجتمع التونسي كله مسلم وكله يريد العيش في العصر، ولا أحد يدعو للعودة لوسائل النقل القديمة، لا أحد يرفض الكمبيوتر، ولا أحد يرفض الكاميرا، ولا أحد يرفض تعليم المرأة، والتقسيم لا مكان له، بل هو نظري لأن في الواقع تونس موحدة حول الإسلام والحداثة، في ضوء كل ما سبق، فإن هؤلاء يعيشون حرجا ويمكن اللقاء إذا قدر به الله، فهم يعيشون حرجا أمام خطاب النهضة الذي يدعو إلى حكومة وحدة وطنية".
على الصعيد نفسه، نفى الغنوشي وجود اتصالات جارية حاليا مع الأحزاب بشأن تشكيل حكومة وطنية باعتبار أن "نتائج الانتخابات هي التي ستقرر".
إلا أنه وبخصوص دعوة حركته مشاركة اتحادي الأعراف والعمال المعنيين بالعمال في الحكومة القادمة، برر الغنوشي ذلك بضرورة أن يعرف الجميع المصاعب ليعرف ماذا يطلب وقال: "لا يمكن أن توزع الحكومة ما لا تملك (الأموال) إلا إذا اقترضنا من أجل أن نوزع، بل من المفترض أن نوزع ما ينتج البلد ولا يمكن من قبيل المزايدة، أنا أزايد عليك حتى أرضي العمال بالحصول على مزيد من القروض"، وكشف الغنوشي: هناك بالفعل "بداية حديث مع هذه الاتحادات حول دخولهم الحكومة وبعد الانتخابات يكون الأمر أكثر عملية في ضوء النتائج".
ومن منطلق إعطاء الأولوية للتوافق السياسي في تونس، لفت الغنوشي إلى أن حركة النهضة فضلت الانسحاب من المنافسة على الانتخابات الرئاسية التي ستلي التشريعية بشهر موضحا: "هذا مهم ضمن استراتيجيتنا في التوافق وتوزيع السلطة على أوسع نطاق والابتعاد عن الهيمنة ولو عن طريق الاقتراع"، فعن طريق الانتخابات يمكن بحسب الغنوشي "لحزب أن يهيمن وهذا ليس ممنوعا في الديمقراطية لكن في الديمقراطية العادية أما في الديمقراطية الناشئة مثل ديمقراطيتنا ففكرة الهيمنة تؤدي إلى انقسام المجتمع إلى سلطة ومعارضة قوية وهذا ما حصل في مصر وحصل عندنا في السنة الماضية ولا نريد أن نعود إلى هذا".
وعما يلاحظ من ميول أنصار حركة النهضة إلى مرشح معين للانتخابات الرئاسية (الرئيس محمد المنصف المرزوقي) وهل ستكون الحركة متفقة مع ميول قواعدها، قال الغنوشي: "نحن منشغلون بالانتخابات التشريعية الاثنين القادم (بعد الانتخابات) سنفتح ملف الانتخابات الرئاسية وموقفنا ألا ننافس على هذا الموقع. واعتبر الغنوشي أن كل الآراء التي صدرت عن قياديين في حركته حول الموضوع والملاسنات بين قيادي من حركته ومدير حملة الرئيس المرزوقي الانتخابية وأنصاره "آراء شخصية" لا تلزم الحركة مشددا على اهتمام حركة النهضة الآن بالانتخابات التشريعية فقط.
وعن الحلول التي قدّمتها حركته للأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، أكد الغنوشي على تشابه برنامج حركته مع برامج عديد الأحزاب المعتمدة على "نظام السوق الحر الاجتماعي"، أي الذي يراعي البعد الاجتماعي، ويفرض نوعا من "التمييز الإيجابي للجهات الفقيرة التي انطلقت منها الثورة في إشارة إلى المحافظات الداخلية وسط وغربي تونس". وأضاف أن "الجميع يجب ان يعول على الإمكانيات الداخلية وتنمية الاستثمار وليس على القروض
ومن خصوصيات برنامج النهضة الاقتصادي، بحسب الغنوشي، "الاقتصاد الإسلامي وعدم الاكتفاء بأدوات الاقتصاد العادي وإنما "إدخال منتوجات الاقتصاد الإسلامي كالصكوك الإسلامية والصيرفة الإسلامية والضمان الإسلامي "وأضاف" نريد تحويل تونس إلى مركز للاقتصاد الإسلامي".
ونادى الغنوشي كذلك بعلاقات متنوعة اقتصاديا قائلا: "نثبت العلاقات مع أوروبا لكن العالم أوسع ونحن نريد تأكيد أهمية العلاقات مع الجزائر وليبيا والانفتاح على السوق الإسلامي، تركيا وماليزيا أندونيسيا والخليج، وكذلك الصين، في برنامجنا تنويع علاقاتنا الاقتصادية الخارجية وليس التركيز على جهة واحدة".
وحول دور الجزائر في أفق الانتخابات القادمة قال الغنوشي "متأكدون من خلال زياراتنا المتكررة للشقيقة الكبرى الجزائر من حرص شديد للقيادة الجزائرية على استقرار وأمن تونس ونجاح تجربتها، فهذه مصلحة جزائرية على المستوى الأمني خاصة فتامين حدود الجزائر مشروط بتونس آمنة مستقرة نظيفة من الإرهاب والتعاون الأمني في أعلى المستويات مع الجزائر وكذلك التعاون الاقتصادي فمناطق الحدود هي المناطق الأفقر في تونس ونسعى لأن تكون تلك مناطق ازدهار وتعاون وأسواق مفتوحة مع الجزائر والجزائريون يشاركوننا هذا التصور ونتوقع في المرحلة القادمة أن يصل التعاون مع الشقيقة الكبرى الجزائر إلى أعلى مستوياته من التعاون والاندماج بين الاقتصادين".
ولفت إلى أن هناك تعاونا أيضا مع الجزائر حول "المسار الليبي باعتبار العلاقة الوطيدة بين ليبيا والجار الجزائري والجار التونسي من أجل ليبيا مستقرة بعيدة عن الإرهاب وعن الحرب الأهلية وليبيا ديمقراطية والمجهودات التي بذلناها متواصلة لكن إلى حد الآن لم تؤت ثمارها فلا تزال الحرب مستعرة بين المتصارعين ولا تزال لغة السلاح هي اللغة الأعلى للأسف".
وعما تردد إعلاميا عن ترحيب النهضة باستضافة تونس للاجئين سياسيين من حركة الإخوان المسلمين في مصر، أجاب الغنوشي: "اللجوء السياسي حق يكفله القانون الدولي وضمنه قانون الأمم المتحدة ونحن عضو في الأمم المتحدةـ ولذلك من واجبنا توفير المأوى لكل اللاجئين السياسيين من كل مكان بحسب إمكانيات البلاد ونحن تمتعنا بهذا الحق طيلة عشرين سنة وكنا موزعين على 50 بلدا من تركيا إلى فنزويلا".
وأضاف: "ومن الناحية الواقعية الحكومة القائمة وهي اليوم ليست حكومة النهضة هي صاحبة الحق في تنفيذ هذا القانون في إعطاء اللجوء للإخوان ولغير الإخوان نحن نرحب بكل لاجئ سياسي لم يمارس العنف، وتونس انتصرت للإخوان حتى في عهد (الرئيس الراحل الحبيب) بورقيبة عندما اضطهدهم (الرئيس المصري الراحل جمال) عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي، وأعطى جوازات سفر (تونسية) لعدد من رموز الإخوان مثل يوسف ندى وتوفيق الشاوي".