القضية الأولى : كشف وتعرية
د. فضل مراد
«أرأيت الذي يكذب بالدين».
الدين هنا هو أمر الله ونهيه وشريعته وحكمه
كما يفيده ابن جرير ونقله بعضهم عن ابن عباس.
حتى لا يقول متسرع أنا تفردنا بهذا المعنى مقدمين له على
من قصره على يوم الحساب والجزاء لأنه أشمل منه.
وهكذا هو في قوله تعالى «مالك يوم الدين».
المراد الدين حقيقة فهو يوم ديني بكل ما تحمله الكلمة من معنى
نعم إن يوم القيامة يوم ديني مئة بالمئة.
كل المقاييس فيه دينية.. الحضارات، الدول، السياسات، الأموال، الأخلاق، الأعمال، الشخصيات.. كل هذه الأمور النظر إليها ووزنها فقط بميزان الدين ومدى قربها وبعدها منه.. مدى تمسكها به وعملها به.
لذلك فيوم الجزاء والحساب سمي يوم الدين لأنه قائم على نصرة دين الله وحملته.
«إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد».
إن هذه الافتتاحية الاستفهامية «أرأيت»؟
التي لا يراد بها حقيقة الاستفهام بل التنبيه وتقرير حقيقة هامة لا بد من كشفها، وهذا ما تنبه له بعضهم (كابن عطية) .
نعم.. إن الآية تكشف الستار عن شخصية المكذبين بحكم الله وشريعته كيف يتعاملون مع الخلق.. مع المجتمع.. مع الضعفاء.
إن النص كأنه يقول: أتريد أن تعرف المكذب بالشريعة، أتريد أن تعرف اللادينيين، أتريد أن تعرف أعداء حكم الله وأمره ونهيه؟
إنهم هم من يزايدون في الأقوال، أنهم مع الإنسان وحقوق الإنسان وحقوق الضعفاء..
لكنهم هم من يدع اليتيم ويدفعه عن حقه.. ولا يعير وزنا لحق المساكين.
وأرجو أيها القارئ اللبيب أن تقف مع
اسم الإشارة المربوط بالفاء (فذلك الذي يدع اليتيم )
نعم ... أتعرف المكذب بالدين فذلك الذي يمارس التعسف مع اليتامى والمساكين ..
إن اسم الاشارة (ذلك)
الذي هو للبعيد يعطي دلالة على بعدهم العميق في الحقارة وتضلعهم في الخداع وبعدهم عن كل معاني الفضيلة والانسانية ...
إن هذا الصنف المادي عدو الشريعة يخدع الناس بالشعارات التي يمارسها بإدمان في خطاباته وكتاباته ...
يضلل الجمهور ، والرأي العام ..
إنه يكذب باحتراف ...
يكذب بمهنية عالية على اليتيم والمسكين والشرائح الضعيفة أنه في مصطف معها ، ومع حقوقها ... وكثيرا ما تصدقه شرائح كثيرة لأن المعوز والفقير والمحتاج تخدعه الوعود والشعارات ..
لأنه تغذي حاجة نفسية عاجلة وماسة تلطف من اضطراب وضغوط وهموم يضاجعها ليلا ويتدثرها نهارا
وهذا هو السر وراء انسياق الجماهير من هذه الشرائح وراء هؤلاء العصابات التي تغلف نفسها بالانسانية والرحمة والاهتمام بأحوال الشعب
نعم ...
إن هذا النص يكشفهم على حقيقتهم
إنهم هم من يحارب مصالح اليتامى وحقوق الضعفاء
إنهم من يدع اليتيم بما تحمله هذه اللفظة من أبعاد ثلاثة سنتحدث عنها ضمن هذه السلسلة ، إنه لا يكلف نفسه حتى أن يحض ويحث على توفير الطعام
للمسكين الذي يمثل آخر خط للحياة ... آخر الضروريات ..
إنه لا يكلف نفسه الحث على الضروريات فضلا عن الحقوق والكرامات والحريات
إن الله سبحانه يكشف لنا هذه النوعيات المضللة
ويعريهم ...
أيها الأخوة ,,,
قولوا لي بربكم من يقف ضد مؤسسات اليتيم
من يحارب الجمعيات الخيرة والنشاط الاجتماعي الخيري
من يعمل على التهكم برواده
في حملات ممنهجة
يسخرون حتى من القمح والزيت إذا قدم للفقير ...
ويفسرونها ألف تفسير ويسعون إلى إيقافها .
إنهم من المكذبين بالدين بمعنى الشريعة وحكم الله وأمره
نعم منظمات ودول وقوى في ألأرض تدير العملية وينفذها وكلاؤها في بلاد المسلمين
من المغرر بهم الذين يستغلون نقاط ضعف فيهم
من حقد وأنانية وكره وانتقام من هذا التيار أو ذلك حتى ولو كان ما يقومون به صحيحا . .
وهؤلاء المغرر بهم قد لا يكونون مكذبين بالدين بل تعاونوا مع من يكذب بالدين
لأن هذا التعاون يغذي ما في نفوسهم من أضغان وكراهية للقائمين على اليتيم والمسكين ...
ومن هنا نستطيع أن نقرر أمورا هامة.
ونستنبط فوائد وقواعد ومسائل من النص :
1- فمنها أنه لا بد من كشف وتعرية المكذبين بالدين للعالم. لأن الله سبحانه هنا فضحهم من خلال القالب الإنساني كثيرا ما يدعونه ويزوقون الكلام للجمهور بهذا الصدد.
وهذه القاعدة العظيمة وهذا الأسلوب الهام أورده الله في كتابه كثيرا..
يذكر مواقفهم ويفضح وسواسهم وأحاسيسهم ونفسياتهم التي لا يطلع عليها إلا هو.
مترافقا هذا مع تعرية مواقفهم الإنسانية والمجتمعية والعقدية والمالية وغيرها.
إنه سبحانه وتعالى في مطلع هذه السورة الموجزة يكشف المكذبين بالجزاء والحساب والمكذبين بالدين وهيمنته وأمره ونهيه.
هؤلاء هم من يأكل حقوق الضعفاء في الأرض أو يقف ضدها أو يمنعها.
وهو يعطينا المشروعية في القيام بتعرية أمثال هؤلاء أمام العالم والجمهور لدفع فسادهم ومخادعاتهم ...
2- ومنها أن اليتامى يجب أن يوجد من يرعاهم ويكفلهم.
3- وكذلك الضعفاء الذين لا يجدون الغذاء لا بد من إنقاذهم ...
لا بد من القيام بأقل تكليف إزاءهم وهو مجرد الحض والحث على إطعامهم.
4- وفيها: أن أهل الإيمان والتقوى هم من يحملون هذا العبء. حقيقة فيكفلون اليتامى ويطعمون المساكين. لأن هذا مفروض عليهم دينا وشرعا. وهذا مستنبط من المفهوم كما هو معلوم عند أهل الأصول...
دعوني اقف هنا على ناصية هذه الأحرف مكتفيا بها الأن
إلى لقاء قادم غدا إن شاء الله ...
مع القضية الثانية في السورة .