القضية الثالثة: الملف الانساني
(ولا يحض على طعام المسكين)
الحض هو الحث.
وهو وسيلة من الوسائل.
والنص (ولا يحض على طعام المسكين)
يستنبط منه أن الوسائل لها أحكام المقاصد
لأن المقصود هو الإطعام ، ووسيلته هو الحث ، فطلبت الوسيلة هنا بالنص .
والفقهاء يقولون الوسائل تأخذ أحكام المقاصد وهذا دليل على ذلك.
نعم إن الحث والحض على طعام المسكين مطلوب شرعا بمختلف الأدوات والوسائل.
وإطلاق النص يدل على دخول كل أنواع الوسائل الممكنة في الحث والحض .
وفيه دليل على وجوب الحث على طعام الفئات المحتاجة لمعالجة عوزها وفاقتها.
والواجب هو ما يلزم الإثم على تاركه وهو درجات.
لذلك فمن ترك هذا التكليف الشرعي في الحث فهو آثم.
وقد يصل هذا الإثم إلى درجة الكبائر بدليل أن الله جعل من أسباب دخول الجحيم في موضع آخر «خذوه فغلوه* ثم الجحيم صلوه* ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه* إنه كان لا يؤمن بالله العظيم* ولا يحض على طعام المسكين».
لقد أصبح الإعلام إحدى الموجهات الكبرى للمجتمع والفرد والأسرة.
وهو إحدى الموجهات الأربعة المؤثرة تأثيرا ملموسا ومشهودا.
إنه إحدى أدوات التغيير والتأثير فعلا:
1- الإعلام.
2- المسجد.
3- التعليم «المدرسة».
4- الأسرة والمجتمع.
ولدوره الهام والمحوري في توجيه العالم كان ولا بد من استغلاله كوسيلة لإيصال الخير للبشرية.
لأن الوسائل لها أحكام المقاصد
إن الإعلام لا بد أن يساهم في تخفيف المعاناة عن المستضعفين في الأرض وإيصال حقوقهم والأخذ بأيديهم.
لقد فرض الله في النص وجوب الحض الوسيلي على طعام المسكين.
وهو في نفس الوقت نهي تحريمي في الأصل يشدد على ذلك بصيغة النفي «ولا يحض».
نفي هذا العمل النبيل عن المكذبين بالدين مما يشعر أن المؤمن ليس كذلك، بل هو مع الإنسان وهمومه ومعاناته.
ومسألة أخرى هنا لا بد من التنبيه عليها، وهي أن لفظ «اليتيم –المسكين» غير مقيد بل مطلق؛ ليعم اليتامى والمساكين من بني الإنسان بلا تمييز بلون أو جغرافيا أو توجه فكري أو انتماء روحي.
إن الاسلام يقف مع المحتاج أينما كان.
يقف مع الإنسان وضرورياته وحاجياته كإنسان فحسب.
لأنه دين العالم أجمع.
وليس مقصورا على بقعة محددة في جزء من الأرض بل قائم على عالمية الرحمة من أول وهلة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
وقد استوقفني فعلا هذا الإطلاق والتعميم بلا مخصصات ولا قيود لأدرك أن هذا فعلا من سمات الإسلام وخصائصه لأنه دين البشرية إلى يوم الدين.
إن المنهج الذي يرسمه هذا الدستور الرباني المحفوظ، في صالح البشرية كلها
نعم.. هناك اشتراط للإيمان في مواضع للمعطون من المال، ولكن ذلك في مواضع محدودة كالزكاة.
رغم عدم وجود قيد في آية الزكاة التي حددت الأصناف إلا أن ذلك مستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» إضافة إلى الإجماع المنعقد عند الجمهور على اشتراط الإسلام فيمن يعطى الزكاة.
وهذا الإجماع نقله الإمام ابن قدامة في المغني حيث قال « لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر».
قال ابن المنذر: أجمع كلُّ من نحفظُ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئاً.
إلا أنه استثني في موضع آخر جواز إعطاء الكافر من الزكاة إذا كان من المؤلفة قلوبهم «ولا يعطى الكافر من الزكاة إلا لكونه مؤلفا» (المغني:4/108).
وهذا النقل الأخير عنه هو ما نقله العمراني صاحب البيان (3/441) عن الزهري وابن سيرين.
وقال السرخس الحنفي في المبسوط (2/202) « ولا يعطى من الزكاة كافر إلا عند زفر رحمه الله تعالى فإنه يجوز دفعها إلى الذمي وهو القياس؛ لأن المقصود إغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب، وقد حصل» انتهى كلامه.
وهذا الخلاف الفقهي افي الزكاة خاصة أما في غيرها فالإغاثات والصدقات والبر عامة لكل محتاج لعموم
«لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
وعموم قوله تعالى «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا».
وقد جاء في صحيح البخاري عن أسماء قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أمي قدمت» وهي راغبة [وكانت مشركة] أفأصل أمي قال نعم صلي أمك. (البخاري: 2620).
وهذه المسألة معروفة معلومة في الفقه.
وعودا إلى حديثنا عن الوسائل نقول:
إن الآية «ولا يحض على طعام المساكين» دليل على استعمال الوسائل المتاحة والمباحة في عمل حملات
حاثة حاضة على التبرع.. عبر القنوات ورسائل SMS والفعاليات والاحتفاليات وخطب المنبر واللوحات الدعائية على الطرقات وعبر الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
إن هذا كله من الوسائل الهامة والعامة في زمننا والتي توصل الرسالة إلى الرأي العام بشكل أفضل وسريع ومؤثر.
لذلك هي من الوسائل المشمولة بالتكليف فلا بد من استغلالها للقيام بتلك الحملات الإنسانية في الإغاثات والصدقات وإيصال المواد الغذائية والطبية وحاجيات السكن وغيرها.
ويستنبط من هذا أن التوثيق الإعلامي بهدف الترويج لحملة ما أو لعرضها على محسن أو جهات متبرعة لا بأس لأنها من وسائل الحض على طعام المسكين الله يقول «إن تبدوا الصدقات فنعما هي».
إلا إن قصد الرياء ، أو أدت إلى أذى نفسي للفقير والمحتاج فتمنع حينئذ لأن إلحاق الأذى النفسي أو الأخلاقي أو المجتمعي بالمحتاج من خلال الصدقة محرم بالنص .
في قوله تعالى (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)
وإلى لقاء آخر
د. فضل مراد