استقبل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بمقر الاتحاد أمس وفدا من جامعة دار السلام الإندونيسية، ضم رئيس الجامعة وعددا من عمداء الكليات والأساتذة.
وقد تحدث الوفد إلى فضيلته عن أحوال المسلمين في إندونيسيا، وعن المنهج الوسطي الذي تقوم عليه جامعة دار السلام.
كما تحدث عن وقف فريد يقوم به أعضاء هيئة التدريس، وهو وقف النفس في سبيل خدمة قضايا الإسلام والمسلمين.
ورحب فضيلته بالوفد الكريم في بلدهم الثاني قطر، فالمؤمنون تجمعهم علاقات وروابط قوية هي رباط الإخاء { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [ الحجرات:10]، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "وكونوا عباد الله إخوانا "، مؤكدا أن اللحمة التي تجمع بيننا -نحن المسلمين- هي لحمة الإسلام وعروته الوثقى التي لا انفصام لها.
وألقى الشيخ القرضاوي محاضرة جامعة للوفد، تتعلق بأصول التشريعات والأخلاق والعقائد، وعالمية الإسلام، وأصول الإيمان، وغيرها من الموضوعات، حيث أكد أن أصول العقائد والاخلاق والتشريعات متوافقة بين كل الرسالات من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأصول العقائد تدعو إلى الوحدانية، وأصول التشريعات تحرم الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض، لا تختلف في ذلك بين عصر وعصر أو من بلد إلى بلد، فالقتل حرام والسرقة حرام والتعدي على الأعراض حرام دائما.
اختلاف الفروع
إنما تختلف الشرائع في بعض الفروع الخاصة بكل زمان ومكان وحال، فسيدنا عيسى عليه السلام عندما أرسل إلى بني إسرائيل، وكان من أهداف رسالته كما جاء في القرآن الكريم: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [ آل عمران:50]؛ لأن الله تعالى حرم عليهم أشياء عقوبة لهم {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:160-161 ]. وأكد المولى سبحانه أن سبب ذلك بغيهم في الأرض بغير الحق، وظلمهم وعنادهم وتكذيبهم، {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [ الأنعام:146].
ثم جاء الإسلام فأباح كل الطيبات وحرم كل الخبائث؛ ولهذا كان وصف النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ما جاء في سورة الأعراف: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم} [ الأعراف:157].
عالمية الإسلام
ولفت فضيلته إلى أنه إذا كانت دعوة الإسلام قد خاطبت العرب أولا بحكم أن الرسول عربي وفي بيئة عربية والقرآن نزل بلسان عربي مبين، إلا أن الإسلام قد أعلن عالميته منذ فجر الدعوة الإسلامية في آيات العهد المكي التي أكدت هذه المعاني: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء:107] { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1 ]{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158 ].
وأعلن الإسلام أنه آخر الأديان، ورسوله خاتم الرسل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [ الأحزاب:40].
أصول الإيمان
وبين فضيلته أن أصول الإيمان والعقيدة هو ما قرره القرآن الكريم، وهو ما بينته آية البر: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [ البقرة:177]، فالأصل الإيمان بالله والباقي منسوب إلى هذا الإيمان، فاليوم الآخر هو يوم الجزاء الذي يحاسب فيه الله عباده، والملائكة هم خلق الله، والقرآن كتاب الله، والنبيون رسل الله.
وضوح حقائق الإيمان
وبين أن الأصل في العقائد الإسلامية ما جاء به القرآن الكريم وما صح من السنة، وقد جاء القرآن بهذه الحقائق واضحة بينة يفهمها كل الناس، فالقرآن هو الكتاب المبين الذي لا يحتاج إلى تعمق الفلاسفة ولا تفلسف المتعمقين.
فعندما يتحدث القرآن عن قضية وجود الله، تجد الآيات تتسلسل في عذوبة وسلاسة لتقرر هذه الحقيقة: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [ الطور:35-36]، {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [ طه:50].
وفي نهاية اللقاء أهدى الوفد درع جامعة دار السلام للشيخ القرضاوي مع دعوه لزيارة الجامعة. وشكرهم فضيلته، ووعدهم بتلبية الدعوة على قدر الطاقة.