الأموال التي تجب فيها الزكاة (وعاء الزكاة:
إن النصوص القرآنية في هذا المجال معجزة أيضاً ، من عدة جوانب ، منها :
1- المرونة ، حيث أطلق لفظ الأموال التي تجب فيها الزكاة ، أو عممها، وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية أداء الزكاة حسب الأموال المتوافرة في عصره.
وفي ذلك حكم كثيرة ، بل إعجاز من الوجوه الآتية :
الوجه الأول : أن عموم الأموال ، أو إطلاقها يجعل التطبيقات بمقدار الأموال المتوافرة فيها شروطها ، كما أنه يبقي الباب مفتوحاً لدخول أي مال جديد – تتوافر فيه شروطه - يظهر إلى يوم القيامة، كما هو اليوم، حيث ظهرت أموال جديدة مثل الغاز، والطاقة النووية ونحوهما .
فالله تعالى يعلم ذلك، وهذا هو منهج القرآن الكريم في وسائل الركوب فذكر المعهود من الخيل والبغال والحمير فقال تعالى : (.... وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي من السيارات والطائرات والقطارات ونحوها.
الوجه الثاني : أن ما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره يُمثل أصول الأموال الأساسية، ويغطي جميع المبادئ العامة في الأموال، حيث تحدث عن أصول الأموال العامة الشاملة لجميع الأموال التي ستظهر فيما بعد، فقد بيّن الوجوب فيما يلي:
1- الثروة الحيوانية الأساسية وهي الأنعام، وبالتالي تقاس جميع الحيوانات الأخرى – إذا توافرت شروطها من النصاب والحول ، والملكية التامة ونحوها – على الأنعام قياس شبه، أو علة؛ أو أننا أساساً لا نحتاج إلى قياس لوجود النصوص العامة.
2- الثروة الزراعية حيث بيّن الوجوب في الأصناف المتوافرة في عصره ، ويقاس عليها الجديد ؛ قياس شبه، أو علة ، أو أنها لا تحتاج أساساً إلى القياس لوجود النصوص العامة.
3- ثروة المعادن والنقود من الذهب والفضة ، والركاز، حيث ذكر الوجوب في أكثرها، والبقية تبقى داخلة في النصوص العامة إذا توافرت فيها شروط الوجوب أو عن طريق القياس.
4- الثروة التجارية فالزكاة فيها تشمل كل ما يُعدُّ عروض التجارة بالاتفاق .
5- العسل ومنتجات الحيوانات، والمصانع والعقارات .. .
6- زكاة الفطر – وهي فريضة على الشخص المسلم - التي هي علاج خاص لحالات معينة ولزمن خاص ، وهو العيد .
فهذا الترتيب بين النصوص الشرعية ، والتطبيقات النبوية من جانب، وبين ما تتسم بها النصوص من المرونة والسعة ومراعاة المستقبل والقدرة على الاستيعاب والشمول لأحوال الانسان ، والأمة في جميع الأحوال، وللأموال إذا توافرت الشروط المطلوبة ، فهذا بلا شك من الإعجاز الذي يعجز عنه البشر مهما أوتي من علم.
إنه لأمر عظيم أن تكون النصوص الخاصة بأموال الزكاة عامة خالدة شاملة ، ثم يُطبّق منها كل عصر على الأموال والثروات الجديدة بمقدار ما تتوافر فيه الشروط والضوابط ، وهكذا .
الإعجازات العلمية والحِكم العظيمة حول الوعاء الزكوي :
وقد ذكر بعض العلماء مجموعة من الإعجازات العلمية والحكم العظيمة حول الوعاء الزكوي نذكرها مع ما يمكن من الإضافات بإيجاز شديد:
أولاً: أن كل مال أوجب فيه الزكاة يتضمن حِكَماً بالغة ، منها :
أ- أن وجوبها في ذات الذهب ، والفضة والنقود لتحريكها لتصبح منتجة من خلال التجارة فيها، لأنها بدون ذلك تصبح كنزاً غير منتج، وقد اكتشف هذا السر في ألمانيا عندما أراد اقتصاديوها علاج حالة التضخم الجامح جداً لعملتهم بعد الحرب العالمية الثانية حيث وضعوا عليها ضريبة دفعت الناس إلى إخراج نقودهم للاستثمار خوفاً من أن تأكلها الضريبة .
ب- إن الزكاة في الثروة الزراعية والمصانع وجميع الأصول الدارّة والعمارات ونحوها مما لها غلة أو أجرة ، أو إنتاج ... لا تجب الزكاة في ذاتها لأنها نافعة ومفيدة لأصحابها وللمجتمع، ولذلك أعفيت من الزكاة تشجيعاً وتحفيزاً وحفاظاً على الأصول المنتجة من النقصان، ولكن وجبت الزكاة في ناتجها ودخلها شكراً من أصحابها للواهب المنعم ، وأداءً لواجب الاخوة ، وتطهيراً للقلب والمال والنفس.
ج- إن الزكاة بالنسبة للتاجر لا تجب في عروض القنية، أي الأصول الثابتة من المحلات والمكاتب والسيارات وأجهزة الحاسوب ونحوها ، وذلك لأنها تساهم في الإنتاج فأعفيت لما ذكرناه في الأصول الدارّة ، حيث إنها أيضاً دارّة بمعناها العام.
وأما الأصول المتداولة والأرباح فتجب فيها الزكاة، شكراً لمنعمها ومساهمة من أصحابها في التنمية، وتحقيقاً للتكافل الاجتماعي ، وتطهيراً للمال والنفس.
وهنا معادلة اقتصادية مهمة، وهي أن الأصول المنتجة في الثروة الزراعية قد أعفيت تماماً، في حين أن الأصول المتداولة تدفع الزكاة عن قيمتها السوقية لثلاثة أسباب أو حِكَم، وهي:
(1) أن الأصول المتداولة ليست من الأصول المنتجة بذاتها كما هو الحال في الأصول الزراعية المنتجة كما أنها لا يراد لها البقاء والثبات.
(2) أن هذا الفارق قد عوض بمعادلة عظيمة وهي أن نسبة الزكاة في عروض التجارة ربع العشر 2.5% ، في حين ان نسبة الزكاة فيما تنتجه الأرض العشر 10% إذا سقيت بماء السماء ، ونصف العشر 5% إذا سقيت بماء البئر ونحوه.
(3) ومن جانب آخر فإن حاجة الناس إلى ما تنتجه الأرض من الحبوب والثمار قد تصل إلى حدّ الضروريات، ولذلك زيدت النسبة في الدخل مع إعفاء الأصل.