أعرب العديد من الفاعلين السياسيين والأكاديميين في الجزائر عن غضبهم من استخدام القوات المسلحة الفرنسية للأجواء الجزائرية في حربها المستمرة ضد الإسلاميين في مالي.
واستنكر العديد منهم تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي كشف أن "الجزائر سمحت للطائرات الفرنسية باستخدام الأجواء دون شروط"، موجهين للنظام مسؤولية "تردي الأوضاع على الحدود الجنوبية للبلاد".
وتمتد الحدود بين الجزائر ومالي على مسافة تفوق الـ800 كلم، أغلبها صحارى. ولا يكاد يعترف السكان -وهم خليط بين العرب والطوارق- بهذه الحدود، خاصة في تنقلاتهم وتسوقهم.
شرعية
وانتقد السياسي والكاتب الصحفي علي ذراع "الموقف المتردد" للجزائر. وقال للجزيرة نت "إننا في كل مرة نقف أمام تذبذب في الموقف الجزائري في معالجة القضايا الحساسة، فكما رأينا ارتباك النظام في التعامل مع الأزمة الليبية، ها هو اليوم يكرر نفس الخطأ".
وكانت الجزائر قد دافعت من أجل "حل سياسي" ينهي الأزمة في مالي. وغالبا ما صرح مسؤولون بأن الغرب مقتنع بالمقاربة الجزائرية في حل الأزمة.
لكن تصريح وزير الخارجية الفرنسي إياه فاجأ الرأي العام، وطرحت تساؤلات بشأن هذا "التناقض" في المواقف، وتبدل الحسابات السياسية للموقف الرسمي الجزائري.
لكن علي ذراع يبسط المسألة بقوله إن "القضية لا تحتاج تفكيرا عميقا لأن النظام الحالي لا يستمد شرعيته من الشعب، لأنه لو كان كذلك لثبت على مواقفه".
وأضاف أن "النظام لا يولي اهتماما إلا للأنظمة الغربية التي نصبته، لأنه لا يُعقل أن يُسمح بضرب أشقاء لنا مسلمين وعرب، هم مضطهدون أصلا من الحكومة المالية الأفريقية النصرانية، ومستعمِرتهم السابقة فرنسا".
وتساءل المتحدث عمن "سيدفع فاتورة هذه الحرب، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدفع بعشرات الآلاف من الجنود الجزائريين إلى الحدود لتأمينها بعد غلقها، وكذا عشرات الآلاف من النازحين الماليين الهاربين من جحيم الحرب".
لا خيار
لكن الدبلوماسي والوزير الأسبق عبد العزيز رحابي يعتقد أن الجزائر "لا تملك أي خيار" في السماح للطائرات الفرنسية باستخدام أجوائها في حرب مالي.
وأرجع رحابي -في حديث للجزيرة نت- السماح باستخدام الأجواء الجزائرية إلى التزام الجزائر بالقرار الأممي رقم 2085 القاضي بتقديم تسهيلات عند نشر قوات عسكرية في البلاد.
ويتفق هذا الرأي مع ما ذهب إليه الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني، الذي اعتبر أن موقفه من موقف الحكومة الذي عبرت عنه وزارة الخارجية.
ويقول المكلف بالإعلام في الحزب قاسي عيسى للجزيرة نت "نحن كحزب مبدئيا ضد التدخل الأجنبي، ونطالب بالحوار كحل وحيد للأزمة، لكننا نفرّق بين مطالب الشعب الأزوادي ككيان والحركات الإرهابية المنتشرة في المنطقة".
ومن جانب آخر، رفض التجمع الوطني الديمقراطي (الحزب الثاني في البلاد، وذو أغلبية في مقاعد مجلس الأمة) التعليق على السماح للطائرات الفرنسية باستخدام الأجواء الأجنبية.
وقال المكلف بالإعلام في الحزب ميلود شرفي للجزيرة نت "نحن مع الموقف الرسمي للدولة".
غضب
لكن الأحزاب الإسلامية انتقدت بشدة الموقف الجزائري. وقال نائب رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري إنه "مؤسف أن تتعامل السلطات مع هذه القضايا في غياب تام للشفافية، لأن تصريحات فابيوس لم تكذبها الخارجية الجزائرية لحد الآن".
وأضاف للجزيرة نت "نحن نتخوف من هذه الخطوة، ولا نريد أن يأتي يوم يضطر فيه أبناؤنا في الجيش إلى أن يتورطوا في هذه الحرب".
وفي السياق ذاته، وصل الجزيرة نت بيان من حركة النهضة قالت فيه إن الشعب الجزائري فوجئ بإشعال نار الحرب في مالي، عكس ما كانت تسوق له السلطة الجزائرية من اقتناع الغرب بنظرة الجزائر للخيار السلمي.
كما دعا حزب العمال (اشتراكي معارض) إلى "التشبث بالموقف المبدئي الرافض لأي تدخل أجنبي في المنطقة"، وهو الموقف الذي كان عليه إجماع الطبقة السياسية.