العلاقات بين أفراد الأسرة ـ فى أوربا وأمريكا ـ تكاد تكون حبرا على ورق، أو هى عنوان كبير على واقع صغير ، فالولاء للأسرة والرغبة فى جوها والتراحم والتناصر بين أعضائها بقايا قديمة توشك على التلاشى! أو هى تلاشت فى زحام الحياة المادية المشحونة بالأنانية الطافحة والرغبات الخاصة.
وكثير من الأمهات والآباء يذهب إلى الملاجئ ليقضى أيامه أو أعوامه الأخيرة على حين يجرى الأبناء وراء مآربهم فى هذه الدنيا، وليلة يقضيها فتى أو فتاة مع من يحب أحلى لديه من مواساة أم عجوز أو أب شيخ...
وقد يلتحم شمل الأسرة فى عيد ميلاد ساعة من الزمن ثم ينطلق كل امرئ إلى غايته لا يلوى على شىء، إن المدنية الحديثة جففت العواطف الشريفة بقدر ما ألهبت العقل ، وأذكت المشاعر الخاصة.
ونحن نعرف أن الأديان كلها أوصت بتكريم الأبوين ، وتوثيق الروابط بين الزوجين، وتقريب المسافة بين أولى الأرحام مهما تباعدت الشقة. وقد جاء فى القرآن الكريم أن ذلك من المواثيق المأخوذة قديما على بنى إسرائيل!!.
والمحنة التى تقلقنا أن تفكك الأسر فى أوربا ينتقل إلينا بسرعة، وأن بر الآباء وصلة الأرحام يوشك أن يتحول إلى ذكريات!
وقد صوَّر الأستاذ مصطفى أمين هذه المحنة بقوله : " يقشعر جلدى وأنا أقرأ حوادث هذه الأيام! طالب يضرب والده ليعطيه ثمن " الهيروين ". محاسب يطرد والدته من المنزل إرضاء لزوجته. أب يقتل ولده الوحيد بسبب شقة! أب يحرض ابنه على طعن أمه فى شرفها بعد زواج 23 سنة! أم تنتحر أمام أطفالها الثلاثة لأن زوجها ـ وهو عامل صغير ـ رفض شراء تلفاز لها.. ".
إن هذه الملاحظة سبقت إلى نفسى وأنا أطالع الصحف لأتعرف على أحوال المجتمع! شعرت أن أمتنا تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وأن التربية الدينية النابعة من المدرسة ومن المسجد لا وجود لها، وأن فراغ الأفئدة من العقائد وانفلات الطباع من القيود قد بلغا بنا مبلغا مخيفا..
إنه لا حرج على وسائل الإعلام أن تعرض مباراة رياضية فى ساعة ونصف ساعة، يلتف الصغار والكبار حول ما يتخللها من صياح ومجون ، وتتوتر الأعصاب حول النتائج، أما قضاء بعض هذا الوقت فى محاضرة مجدية فلا... ولو حدث فإن المتكلم باسم الدين يملأ الآذان بقضية ثانوية أكثر مما يجتذبها بقول جاد حكيم.