• ضياع الحقيقة بين طرفي الإفراط والتفريط :
مشكلتنا في القضايا العلمية والفكرية الكبرى: أننا نقع فيها عادة بين طرفي الإفراط والتفريط، فتضيع الحقيقة بينهما.
ومن ذلك: قضية الجهاد، فهناك فئة تريد أن تلغي الجهاد - مادة وروحا - من حياة الأمة، وأن تَشيع فيها رُوح الاستكانة والاستسلام، بدعاوى مختلقة، منها: الدعوة إلى السلام، والتسامح مع المخالفين ... إلخ. ويريد هؤلاء أن يلغوا كلمة (الجهاد) - لو استطاعوا - من قاموس الأمة، وأن يحذفوا الغزوات والسرايا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويحذفوا الفتوح - التي اشتهرت بالعدل والرحمة - من تاريخ المسلمين، وأن يحذفوا من القرآن: السور والآيات الكثيرة التي ترغِّب في الجهاد، وتنوِّه بالجهاد، وأن يحذفوا أبواب الجهاد من كتب الحديث من الصِحاح والسنن، وأن يحذفوا كتب الجهاد والسِّير من مدوَنات الفقه الإسلامي.
وهؤلاء هم دعاة فلسفة (تجفيف المنابع)، ويقصدون بها: المنابع الأصيلة التي يُستقى منها الإسلام الحق، الإسلام الذي يغرس العزة والكرامة في نفس المسلم، والغَيرة على الحُرُمات، والشجاعة في الحق، والمقاومة للباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الشهادة لله، والاستعداد لبذل النفس والمال في سبيل الله، لا يبالي بلوم اللائمين، ولا يخشى انتقام الجبارين. وهذه الفئة: عملاء لأعداء الإسلام، خونة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهم مرفوضون من جمهور الأمة.
وفي مقابل هؤلاء فئة على النقيض من هؤلاء، تريد أن تجعل من فكرة (الجهاد) حربا ضروسا، تشنُّها على العالم كله، مَن سالم منهم، ومَن حارب، فالأصل في عَلاقة المسلمين بغيرهم هو: الحرب. والأصل في الناس جميعا: أنهم أعداء للمسلمين، ويكفي أن يكونوا كفارا ليكونوا أعداء. وقد تأثَّروا تأثُّرا عكسيا بآراء الفئة الأخرى، فردُّوا على خطئهم بخطأ آخر، وإن كان الفارق بين الفئتين جِد كبير، فهؤلاء يبحثون ويجتهدون لنصرة آرائهم، وتجلية أفكارهم، من داخل الإسلام، محاولين أن يجمعوا من ظواهر الأدلة، ومن أقوال العلماء: ما يؤيِّد وِجهتهم، ويرجِّح رأيهم.
أما أولئك فمصادرهم غير إسلامية، وأئمتهم الذين يقلِّدونهم ليسوا من أئمة المسلمين، بل هم من الغرب أو الشرق، من بعيد، من خارج دار الإسلام.
• الجهاد غير القتال لغة وشرعا :
وممَّا أخذتُه على بعض الباحثين من إخواني هؤلاء المخلصين: محاولتهم إزالة التفرقة بين (الجهاد) و(القتال). أعني أنهم يريدون أن يقولوا: إذا ذكر الجهاد، فليس له - إسلاميا - إلا معنى واحد، هو القتال في سبيل الله. وهذا صحيح من ناحية العُرف السائد، ولكنه - في رأيي وعند التحقيق - ضرب من التكلُّف والاعتساف لا ضرورة له، ولا مبرِّر له، وإن قيل: لا مُشَاحة في الاصطلاح.
ذلك: أن لفظ (الجهاد) غير لفظ (القتال) لغةً وشرعًا. فـ(الجهاد) لغةً: مصدر (جَاهَد يُجَاهِد، جِهَادًا ومُجَاهَدة) مشتقٌّ من (جَهَد يَجْهَد جَهدًا) أي ارتكب المشقة، أو احتمل المشقة. أو بذل الجُهد.
بخلاف لفظة (القتال) فهي مصدر على وزن (فِعال) من: قَاتَل يُقَاتِل قِتَالاً ومُقَاتَلَة، وهي مشتقَّة من كلمة: قَتَلَ يَقتُل قَتلاً. أي أزهق روح غيره.
فالكلمتان مختلفتان لغة: اشتقاقا ودلالة. فالجهاد من غير شك أوسع دائرة من القتال.
وهما كذلك مختلفتان شرعا، وإن غلب على الفقهاء المتأخرين تعريف الجهاد بأنه: القتال في سبيل الله. وذلك باعتبار أنه أعلى مراتب الجهاد.
ولكن هذا لا ينفي أن حكمهما مختلف عند التحقيق والتفصيل، وأن دائرة الجهاد تتَّسع للقتال ولغيره من مراتب الجهاد. كما سنبيِّن بعد.
فحكم الجهاد: أنه واجب على كل مسلم ومسلمة، بنفسه أو بماله، أو بلسانه، أو بقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
ولا يتمُّ إيمان المسلم إلا بهذا الجهاد، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15[
بل المؤمنون مطالَبون بأن يجاهدوا في الله {حَقَّ جِهَادِهِ} لا مجرَّد جهاد، فكما أنهم مأمورون أن يتقوا الله حقَّ تقاته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، هم مأمورون أن يجاهدوا في الله حقَّ جهاده، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78،77[
ومعنى هذا أن كلَّ مسلم يجب أن يكون مجاهدا، وليس من الضروري أن يكون كلُّ مسلم مقاتلا، فهذا إنما يجب بأسبابه، وهو ممَّا يكفي فيه البعض عن البعض، إلا في حالات معينة، كما بيَّنا سابقا.
وهذا يعبِّر عنه الفقهاء بقولهم: جنس الجهاد واجب على كل مسلم.
• الجهاد في القرآن المكي :
ومن الدلائل على أن الجهاد غير القتال: أن الجهاد ذُكر في آيات القرآن المكي، قبل أن يشرع القتال في المدينة.
ومن الآيات التي ذكرت الجهاد في القرآن المكي: قوله تعالى في سورة النحل: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:110].
وسورة النحل مكيَّة بالإجماع، وقد استثنى بعضهم آية أو آيتين أو ثلاثا منها، وزعم أنها مدنية، وليس منها - على أية حال - هذه الآية. ودعوى استثناء بعض الآيات من السور المتفق على أنها مكية: دعوى في معظمها غير مُسلَّمة، وتحتاج إلى تمحيص وتحقيق.
والآية تتحدث عن الذين هاجروا من بعد ما فتنوا، أي بعد ما أُوذوا وعُذِّبوا، وهذا قد يوهم أن الآية بعد الهجرة إلى المدينة، ولكن لا يخفى على دارس السيرة: أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة في العهد المكي مرتين. كما تتحدَّث الآية عن جهادهم وصبرهم بعد ذلك{ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا}، والجهاد هنا: جهاد الدعوة والتبليغ، وجهاد المعاناة والاحتمال، وهذا ما قام به المسلمون في مكة قبل أن يهاجروا إلى الحبشة، وفي الحبشة بعد أن هاجروا إليها، وفي مكة: احتملوا الأذى والاضطهاد والحصار والعذاب، ولذا قال: {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا}، وفي الحبشة: احتملوا آلام الغربة عن الوطن، والبعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وما أشقَّه على من ذاق حلاوة الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليست هذه الآية الوحيدة في سورة النحل، التي ذكرت الهجرة والمهاجرين، فقد جاء ذلك في آية أخرى سبقت في السورة، هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:42،41[
كما ذكر الله تعالى الجهاد في سورة العنكبوت، وهي سورة مكيَّة، فقد نزل في أول السورة آيات تعزِّي المسلمين على ما أصابهم من المحن والإيذاء، فقال تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. ثم قال: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:1-6]، والجهاد هنا: جهاد الاحتمال والصبر على البلاء والعذاب في سبيل الله.
وقد خُتمت السورة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، والجهاد هنا هو: الجهاد المعنوي، الذي يشمل جهاد النفس والشيطان، مما لا يدخل في دائرة القتال.
لم يأمر الله تبارك وتعالى رسوله بالقتال عندما كان في مكة، ولكنه أمره بالجهاد - جهاد الدعوة - منذ بعثه الله. قال تعالى في سورة الفرقان عن القرآن: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:50-52]، والضمير في قوله: {بِهِ}، أي بالقرآن.
فهذه سورة مكية أُمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بجهاد الكافرين، بالحُجَّة والبيان وتبليغ القرآن. ووصف جهاده هذا بقوله: {جِهَاداً كَبِيراً} للدلالة على عِظم منزلته وأهميته.
ومن ثَمَّ نرى حياته عليه السلام - من أول البعثة - كانت جهادا متواصلا في سبيل الدعوة، فإنه كما قال ابن القيم: (كمَّل مراتب الجهاد كلها، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وشرع في الجهاد من حين بُعث إلى أن توفَّاه الله عزَّ وجلَّ، فإنه لما نزل عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ...} [المدثر:1-4]، شمَّر عن ساق الدعوة، وقام في ذات الله أتمَّ قيام، ودعا إلى الله ليلا ونهارا، وسرا وجهرا. ولما نزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر:94]، فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجنَّ والإنس. ولما صدع بأمر الله، وصرَّح لقومه بالدعوة، وناداهم بسبِّ آلهتهم، وعيب دينهم: اشتدَّ أذاهم له، ولمَن استجاب له من أصحابه، ونالوه بأنواع الأذى. وهذه سنة الله عزَّ وجلَّ في خلقه، كما قال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43]، وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:112]، وقال: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53،52]، فعزَّى سبحانه نبيه بذلك، وأن له أُسوة بمَن تقدَّمه من المرسلين. وعزَّى أتباعه بقوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:2-6]) [1] اهـ.
فأي جهاد تذكره الآية هنا لقوم مستضعفين في مكة يفتنون في دينهم، وتُصبُّ عليهم سياط العذاب في ديارهم؟ هل هو جهاد القتال؟ كلا، إذ لم يؤذن لهم فيه. ص133 إنه جهاد الدعوة وتبليغها والصبر عليها، وتحمُّل المشاقَّ في سبيلها. وهو الجهاد الذي خُتمت به آيات السورة نفسها - سورة العنكبوت المكية - إذ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
ومن الدلائل على أن (الجهاد) لا يعني (القتال) دائما: قوله تعالى لرسوله في آيتين من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73، التحريم:9].
ومن المقرَّر: أن المنافقين لا يقاتَلون كما يقاتَل الكفار المعلنون. ولو كان المراد بالجهاد في الآية القتال لنفَّذه النبي صلى الله عليه وسلم، امتثالا لأمر ربه، إذ يستحيل عليه أن يتراخى في أمر الله عزَّ وجلَّ، ولكنه لم يقاتلهم عليه الصلاة والسلام، وهذا طبيعي، لأنهم عصموا دماءهم وأموالهم بقولهم بألسنتهم: لا إله إلا الله، وحسابهم في باطن أمرهم إلى الله تعالى؛ فقد أُمِر عليه السلام: أن يحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. وهؤلاء المنافقون - على علاَّتهم - في ظاهرهم مسلمون، يحضُرون الصلوات مع المسلمين، ويؤدُّون الزكوات مع المسلمين، ويشهدون الغزوات مع المسلمين، ولهذا أجمع العلماء على أن المنافق تجري عليه أحكام الإسلام في الدنيا. وقد وصفهم القرآن بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]، وقوله: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54]، فهم - رغم نفاقهم - يؤدُّون الصلاة، وإن قاموا إليها كسالى، وينفقون، وإن كانوا كارهين، فلهذا جاهدهم الرسول - كما أمر - ولم يقاتلهم.
وجهاد المنافقين هنا: هو جهاد الدعوة والتبليغ، وإقامة الحُجَّة، وإزاحة الشبهات من النفوس، عسى الله أن يهدي قلوبهم، ويوقظ ضمائرهم. على نحو ما قال الله تعالى في شأن جماعة من المنافقين في سياق آخر: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا ص134 قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:61،60]، ثم قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63].
فهذا الوعظ المؤثِّر والقول البليغ في الأنفس هو الجهاد المطلوب.
ومعنى الغِلظة في قوله: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73]: عدم التهاون فيما يقوم به الفريقان: الكفار والمنافقون، من كيد للإسلام وأهله، فلا بد أن يقاوم ذلك بشدَّة لا هوادة فيها.
ومن درس السيرة النبوية، وتأمَّل الهدي النبوي: تبيَّن له أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بكل أنواع الجهاد ومراتبه جميعا، من جهاد الكلمة والدعوة، إلى جهاد الصبر والاحتمال، إلى جهاد المواجهة والقتال.
• ابن القيم يشرح أنواع الجهاد ومراتبه في الهدي النبوي:
وليس أقدر على شرح أنواع الجهاد ومراحله - كما يتبيَّن من الهدي النبوي - من الإمام ابن القيم رحمه الله، فهو يقول في زاد المعاد: (لَمَّا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذُِّروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلِّها: فجاهد في الله حقَّ جهاده بالقلب والجَنان، والدعوة والبيان، والسيف والسنان. وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، بقلبه، ولسانه، ويده. ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا، وأعظمهم عند الله قدرا.
وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52،51].
فهذه سورة مكية أُمر فيها بجهاد الكفار: بالحُجَّة والبيان، وتبليغ القرآن. وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحُجَّة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73، التحريم:9]. فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواصِّ الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم. والمشاركون فيه، والمعاونون عليه - وإن كانوا هم الأقلِّين عددا - فهم الأعظمون عند الله قدرا.
ولمَّا كان من أفضل الجهاد: قول الحق مع شدَّة المعارِض، مثل أن تتكلَّم به عند مَن تخاف سطوته وأذاه، كان للرسل صلوات الله عليهم وسلامه، من ذلك الحظ الأوفر، وكان لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، من ذلك أكمل الجهاد وأتمَّه.
ولمَّا كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المجاهد مَن جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه"[2]. كان جهاد النفس مقدَّما على جهاد العدو في الخارج، وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أُمرت به، وتترك ما نُهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، متسلِّط عليه، لم يجاهده، ولم يحاربه في الله؟ بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه، حتى يجاهد نفسه على الخروج.
فهذان عدوان قد امتُحن العبد بجهادهما، وبينهما عدو ثالث، لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبِّط العبد عن جهادهما، ويُخذِّله، ويرجف به، ولا يزال يخيِّل له ما في جهادهما من المشاقِّ، وترك الحظوظ، وفوت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6]. والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوُسع في محاربته ومجاهدته، لأنه عدو لا يفتُر، ولا يقصِّر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس.
فهذه ثلاثة أعداء، أُمر العبد بمحاربتها وجهادها، وقد بُلي بمحاربتها في هذه الدار، وسلِّطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء، فأعطى الله العبد مددا وعُدَّة وأعوانا لهذا الجهاد، وأعطى أعداءه مددا وعُدَّة وأعوانا وسلاحا، وبَلاَ أحد الفريقين بالآخر، وجعل بعضهم لبعض فتنة، ليبلوَ أخبارهم، ويمتحن مَن يتولاه، ويتولَّى رسله ممَّن يتولى الشيطان وحزبه، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20]. وقال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4]، وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]. فأعطى عباده الأسماع والأبصار، والعقول والقوى، وأنزل عليهم كتبه، وأرسل إليهم رسله، وأمدَّهم بملائكته، وقال لهم: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:12]، وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوهم، وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به، لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم، وأنه إن سلَّطه عليهم، فلتركهم بعض ما أُمروا به، ولمعصيتهم له، ثم لم يوئِّسهم، ولم يقنِّطهم، بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم، ويداووا جراحهم، ويعودوا إلى مناهضة عدوهم فينصرهم عليهم، ويظفرهم بهم، فأخبرهم أنه مع المتقين منهم، ومع المحسنين، ومع الصابرين، ومع المؤمنين، وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم، بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم، ولولا دفاعه عنهم، لتخطفهم عدوهم، واجتاحهم ...
وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم، وعلى قدره، فإن قوِي الإيمان، قوِيت المدافعة، فمَن وجد خيرا، فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه)[3] .
• الجهاد في الله حق الجهاد:
وممَّا ذكره المحقِّق ابن القيم هنا: (أن الله تعالى أمر المؤمنين في كتابه أن يجاهدوا فيه حق جهاده، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78،77]، كما أمرهم أن يتقوه حقَّ تقاته بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، وكما أن حقَّ تقاته: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، فحقُّ جهاده: أن يجاهد العبد نفسه، ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله، فيكون كلُّه لله، وبالله، لا لنفسه، ولا بنفسه، ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده، ومعصية أمره، وارتكاب نهيه؛ فإنه يعِد الأماني، ويمنِّي الغرور، ويعِدُ الفقر، ويأمر بالفحشاء، وينهى عن التقى والهدى، والعفة والصبر، وأخلاق الإيمان كلها، فجهاده بتكذيب وعده، ومعصية أمره، فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان، وعُدَّة يجاهد بها أعداء الله في الخارج، بقلبه ولسانه ويده وماله، لتكون كلمة الله هي العليا.
واختلفت عبارات السلف في تفسير (حق الجهاد):
فقال ابن عباس: هو استفراغ الطاقة فيه، وألا يخاف في الله لومة لائم.
وقال مقاتِل: اعملوا لله حقَّ عمله، واعبدوه حقَّ عبادته.
وقال عبد الله ابن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوى.
ولم يُصِب مَن قال: إن الآيتين منسوختان، لظنِّه أنهما تضمنتا الأمر بما لا يطاق.
وحقَّ تقاته، وحقَّ جهاده: هو ما يطيقه كل عبد في نفسه، وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة، والعجز، والعلم، والجهل. فحقُّ التقوى، وحقُّ الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكِّن العالم: شيء، وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف: شيء، وتأمَّل كيف عقَّب الأمر بذلك بقوله: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، والحرج: الضيق.
بل جعله واسعا يَسَع كلَّ أحد، كما جعل رزقه يَسَع كلَّ حي، وكلَّف العبد بما يَسَعه العبد، ورزق العبد ما يَسَع العبد، فهو يَسَع تكليفه، ويَسَعه رزقه، وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجه ما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعثتُ بالحنيفية السمحة"[4] ، أي: بالمِلَّة، فهي حنيفيَّة في التوحيد، سمحة في العمل.
وقد وسَّع الله سبحانه وتعالى على عباده غاية التوسعة في دينه، ورزقه، وعفوه، ومغفرته، وبسط عليهم التوبة ما دام الروح في الجسد، وفتح لهم بابا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وجعل لكل سيئة كفارة تكفرها من توبة، أو صدقة، أو حسنة ماحية، أو مصيبة مكفِّرة، وجعل بكل ما حرَّم عليهم عوضا من الحلال أنفع لهم منه، وأطيب، وألذُّ، فيقوم مقامه ليستغني العبد عن الحرام، ويَسَعه الحلال، فلا يضيق عنه، وجعل لكل عسر يمتحنهم به يسرا قبله، ويسرا بعده، "فلن يغلب عسر يسرين"[5] ، فإذا كان هذا شأنه سبحانه مع عباده، فكيف يكلفهم ما لا يَسَعهم؛ فضلا عما لا يطيقونه ولا يقدرون عليه)[6] .
• مراتب الجهاد كما شرحها ابن القيم:
ثم يوضح الإمام ابن القيم ببيانه المشرق، الموثق بأدلة الشرع: مراتب الجهاد، التي أوصلها إلى ثلاث عشرة مرتبة، فيقول رحمه الله:
(إذا عُرِف هذا، فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
( 1 ) جهاد النفس أربع مراتب:
إحداها: أن يجاهدها على تعلُّم الهدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه، شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّد العلم بلا عمل إن لم يضرَّها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمه مَن لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبيانات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجِّيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحقُّ أن يُسمَّى (ربانيا) حتى يعرف الحق، ويعمل به، ويعلمه، فمَن علم وعمل وعلَّم، فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.
( 2 ) جهاد الشيطان مرتبتان:
وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان:
إحداهما: جهاده على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
فالجهاد الأول: يكون بعُدَّة اليقين، والثاني: يكون بعُدَّة الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
( 3 ) جهاد الكفار والمنافقين أربع مراتب:
وأما جهاد الكفار والمنافقين، فأربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهاد الكفار أخصُّ باليد، وجهاد المنافقين أخصُّ باللسان.
( 4 ) جهاد الظلمة والفسّاق ثلاث مراتب:
وأما جهاد أرباب الظلم، والبدع، والمنكرات، فثلاث مراتب: الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز، انتقل إلى اللسان، فإن عجز، جاهد بقلبه، فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و"مَن مات ولم يغزُ، ولم يحدِّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق"[7] .
• لا جهاد إلا بهجرة وإيمان:
ولا يتمُّ الجهاد إلا بالهجرة، ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان، والرَّاجون رحمة الله هم الذين قاموا بهذه الثلاثة. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218].
وكما أن الإيمان فرض على كلِّ أحد، ففرض عليه هجرتان في كل وقت: هجرة إلى الله عزَّ وجلَّ بالتوحيد، والإخلاص، والإنابة، والتوكل، والخوف، والرجاء، والمحبة، والتوبة. وهجرة إلى رسوله بالمتابعة، والانقياد لأمره، والتصديق بخبره، وتقديم أمره وخبره على أمر غيره وخبره.
"فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"[8] . وفرضٌ عليه جهادُ نفسه في ذات الله، وجهاد شيطانه، فهذا كله فرض عين لا ينوب فيه أحد عن أحد.
وأما جهاد الكفار والمنافقين، فقد يُكتفى فيه ببعض الأمة إذا حصل منهم مقصود الجهاد)[9] انتهى.