قلت لرجل عاش طويلا في الاتحاد السوفييتي، وقضى زمانا مماثلا في الولايات المتحدة ، إنك خبرت الحياة الداخلية في الدولتين العظميين، وعرفت طباع القوم الفردية والاجتماعية فحدثنا عنهما، وتجاوز السلبيات التي تعرفها!.
قال: ما تعنى بالسلبيات ؟ قلت: لا تحدثنا عن شيوع الخمر، وإدمان الجماهير لها، فهم يعاقرونها ويلعنونها! ولا تحدثنا عن انطلاق الغرائز الحيوانية ، فهم يرون ذلك نداء طبيعيا لا معنى لوضع العراقيل أمامه! ونحن المسلمين نعرف زيغ هذا المسلك ، ونوقن بأن موسى وعيسى ومحمدا يرفضونه! غير أن العراقيل التي رفضوا وضعها أمام الحرام وضعناها نحن أمام الحلال ، فأمسى الزواج في عالمنا الإسلامي قاصمة الظهر.
على أية حال أرجو أن تعدو هذا الجانب، وحدثنا عن الجوانب الأخرى للأمتين اللتين تتصدران الآن قافلة البشر..
سكت الرجل قليلا ثم قال: السمة الأولى في هذه البلاد هو العمل الدائب الذى لا تنقطع حركته، ولا تهدأ ضجته، ولا تستريح الجماهير منه إلا لتعود إليه على عجل. كأنما كانت راحتها استجماما مؤقتا تستأنف بعده الكدح واللغوب!.
من مطلع النهار ترى سيولا من المشاة والركبان حثيثة السير إلى غايتها، سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، حتى إذا باشروا أعمالهم اشتركت الجوارح والمشاعر والأفكار والآلات والأجهزة والتقاليد في جهاد هائل للإنتاج المطلوب، أو المفروض، ولا تضع هذه الحرب أوزارها إلا مع مواعيد الراحة المقررة ، ثم يدور دولاب العمل مرة أخرى لا يقفه شيء !.
قلت: أهذا النشاط المحموم في روسيا وأمريكا على سواء ؟ قال : نعم على سواء وإن اختلفت البواعث، فالذي لا يعمل في روسيا يموت جوعا ، إن ضمانات الأكل والسكنى لا تكون إلا مع بطاقة العمل، وفى أي ميدان ترسمه الدولة!.
قلت: وفى أمريكا ؟ قال : إن الأمريكي يبنى بيته. ويشترى متاعه. ويفصل بدلته ويقتنى سيارته بالأقساط التي تدفع شهريا، فهو يقبض مرتبه ليحوله إلى هذه الجهات التي أقرضته، وإلا جاع وضاع!!.
واستأنف الرجل حديثه: هناك سباق رهيب في الحقول والمصانع والأسواق والمدارس والمجامع جعل هذه الأقوام تبذر وتحصد القناطير المقنطرة!!.
قلت: وجعل من ينكر الألوهية قديرا على خدمة إلحاده، ومن يجعل الآلهة ثلاثة قديرا على خدمة شركه.. ترى ما القوى التي تخدم عقيدة التوحيد؟.
وما الإنتاج الذى يظاهرها في حرب أو سلام ؟؟