رحلتنا إلى أقصى بلاد الشرق لأجل مواساة إخواننا المسلمين بنيوزيلاندا
بقلم فضيلة الاستاذ الدكتور علي القره داغي
عشنا هذا الأسبوع منذ الفاجعة الكبرى التي أصابت إخواننا في نيوزيلندا بمدينة كرايست تشيرتش حيث هاجم المجرم المصلين يوم الجمعة الموافق 1/ رجب 1440هـ 15/ 3/2019م، وقتل 50 شخصاً وجرح قريباً منه جروح بعضهم خطيرة
ولأجل العزاء والمواساة لإخواننا في نيوزيلاندا تشكل وفد برئاستي يضم مدير فرع قطر الدكتور محمد سالم اليافعي، والمهندس وليد الحيدري المدير التنفيذي للاتحاد، حيث بدأنا سفرنا صباح يوم الأربعاء الموافق 13/ رجب /1440هـ 20/3/2019م الساعة الثامنة إلا خمس دقائق، ووصلنا إلى سدني – استراليا في الساعة06:45 بتوقيتها ، وقد التقينا بالمطار بسعادة السفير القطري الاستاذ سعد عبد الله المحمود الذي كان قادماً من الدوحة أيضا، حيث صحبنا في سفرنا إلى نيوزيلاندا ثم في الساعة 08:45 صباحاً ركبنا الطائرة، وقد كانت على يميني عجوز سلمت علي وهي تبكي وتعتذر فوصلنا إلى مدينة كرايست تشريتش -نيوزيلاندا في الساعة 13:55 وقد استقبلنا العلماء استقبالا حاراً، ثم أوصلونا إلى الفندق سوديمه ، ثم بعد استراحة قصيرة ذهبنا إلى المغسلة حيث رأينا جسامين بعض الشهداء كأن وجوههم نور مبتسمة، ولم يحدث لهم تغييرات ولا ريحة كريهة، بل كأننا نشم رائحة المسك، بل إن بعضهم وبخاصة الذي قاوم المجرم ليمنعه من قتل أهل المسجد، حيث بادر بقتله بكمية كبيرة من الطلقات لا يزال ينزف دماً مع مرور سبعة أيام على استشهادهم، وقد حدثنا الشخص الذي كان يغسلهم فقال: ما رأيت في عمري مثل هؤلاء فبعد سبعة أيام أجسادهم لم تبرد، ومفاصلهم لينة كأنهم ماتوا قبل قليل، وبعد ذلك ذهبنا إلى مجموعة من الأخوات اللاتي تجمعن حول أحد الشهداء، فألقيت عليهن درساً حول الصبر والشكر، وتحويل الصبر إلى الشكر، وأجر هؤلاء الشهداء وآثارهم في مستقبل الدعوة.
وبعد ذلك ذهبنا لإداء صلاة العشاء في قاعة كبيرة حيث المغسلة، وحيث كان هناك عدد كبير من ذوي الشهداء، فألقيت عليهم درساً مركزاً حول أجر الشهيد، وأنواع الشهداء في السنة النبوية، وأجر الصبر، وكيفية تحويل الصبر إلى الشكر من خلال قصص عدد من الصحابة والتابعين مثل عروة بن الزبير، وفي يوم الجمعة ذهبنا لأداء صلاة الجمعة في الحديقة المقابلة لجامع النور الذي استشهد فيه أكبر عدد حيث وصل عدد الشهداء فيه إلى 44 شهيد وحوالي 35 جريحاً، في حين أن الجامع الاخر لينوود استشهد فيه سبعة أشخاص، وجرح عدد قريب من هذا العدد.
وقد رتب لنا مكان خاص للجلوس في صف رئيسة الوزراء مع كبار المسؤولين والسفراء، فبقينا فيه إلى انتهاء الخطبة من قبل الإمام جمال فودة، حيث كانت خطبة رائعة جداً أعدت بدقة وإتقان تتضمن رسائل مهمة للغرب، والشرق، ولما انتهى من الخطبة ذهبنا الى الصف الأول حيث أعد لنا مكان مناسب، وبعد الصلاة سلمنا على الإمام جمال فودة وكان منهاراً بسبب الصدمة، ثم أخذناه مع فضيلة الدكتور إبراهيم محمد مفتى أستراليا إلى رئيسة الوزراء التي كانت بدورها تنتظره.
وحقاً كان هذا اليوم يوماً مشهوداً من تاريخ الإسلام والمسلمين، حيث حضر الجمعة عشرات الألاف من نيوزيلاندا بصورة عامة ومن مدينة أوكلاند بصورة خاصة، كما حضر ألاف من الوفود من معظم بلاد العالم، والمهم أن معظم من حضرن من النساء النيوزلنديات وعلى رأسهن رئيسة الوزراء قد حضرت بلباس محتشم، ووضعن الخمار على رؤوسهن، وقد رفع الأذان وأذيع في جميع محطات نيوزيلاندا المرئية والمسموعة، كما كان شعار ذلك اليوم عند اللقاء السلام عليكم
وقد ألقت رئيسة الوزراء كلمة موجزة جداً تتكون من جملتين الجملة الأولى : أن هؤلاء الشهداء ليسوا شهداء الإسلام فقط بل شهداء نيوزيلاندا، والجملة الثانية : الحديث النبوي الشريف "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " اليوم مع موطنينا المسلمين كجسد واحد.
وبعد الصلاة رأينا العجب العجاب من الشعب النيوزلندي من العواطف الإنسانية العارمة، فكم من أناس احتضنونا مع البكاء والاعتذار، وكم رأينا من جهود المتطوعين من توفير جميع وسائل الراحة لهذا الجمهور الكريم، وكم رأينا من الرسائل والورود والمشاعر الجياشة، فقد رأينا عوائل حولوا سياراتهم مقاهي لتوزيع الماء والشاي والقهوة والأكلات الخفيفة، ورأينا شخصاً كبيراً ومعه أولاده وأحفاده وقدم الينا شعاراً مكتوب عليه ( نحن أمة واحدة) وصورة قلب، وقال عائلتي هي التي صنعتها، ووزعنا منها الألاف وسلم عدداً، وهكذا، ومن الأمور الغريبة أن أحد الشباب اتجه إلي ومعه آلة العزف، فرماها ثم احتضنني وبكى على كتفي كثيراً وقال ( ليس المجرم نحن) نعتذر أشد الاعتذار.
وكلما مشينا وجدنا الناس يرحبون ويعتذرون وبعضهم يقولون : السلام عليكم ، وبالمناسبة فإن الصحف النيوزلندية كتبت بمانشيتات كبيرة " تحية الإسلام السلام"
حقاً إنه يوم مشهود من أيام الإسلام والمسلمين نبحث عن الأمل الكبير بأن تتحول هذه المحنة إلى المنحة الربانية، لينطبق عليها قوله تعالى (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور – 11 وقال تعالى (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة - 216
وبعد ادائنا صلاة الجمعة ذهبنا الى المقبرة العامة التي خصص جزء مستقل للمسلمين ، حيث صلينا صلاة الجنازة على 35 جنازة ، حضره الآف من المسلمين وغيرهم ، فكان يوما مهيبا حيث تخرج كل خمس جنائز مرة واحدة ، والناس يشاهدون ويتألمون .
وبعد المقبرة ذهبنا الى المركز العام الذي خصصته الدولة للاجتماعات والضيافة العامة ، حيث التقينا بعلماء استراليا فضيلة المفتي الدكتور إبراهيم ، والدكتور شادي رئيس مجلس الائمة ،وغيرهم ، وتباحثنا حول موضوع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وكيفية تفعيله ، وإختيار عضو منهم لعضوية مجلس الأمناء، فكان الاتفاق على أن الشخص المناسب هو فضيلة المفتي حيث أنه انشأ (مجلس الائمة للفتوى والبحوث) وضم حوالي 15 عضوا واتفقوا على أن يكون فضيلة المفتي رئيسا للمجلس ، وبذلك تم استيعاب بقية المفتيين ، واتفقنا على عقد مؤتمرات تدريبية لإعداد العلماء ، ولإعداد المفتيين يقوم بها الاتحاد ، وهم يتحملون مسؤولية التكاليف .
وثم عدنا الى الفندق الذي نسكن فيه ، فوجدنا الوفد القطري قد وصل برئاسة سعادة الأستاذ أحمد بن عبدالله بن زيد آل محمود ممثلا لسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر .
وفي يوم السبت 17/3/2019م ذهبنا في الصباح لافتتاح المسجدين، حيث تم افتتاح مسجد النور الساعة الحادية عشر بحضور الامام جمال فوده ،ر وقد ألقى عند الافتتاح رئيس اتحاد المساجد بنيوزيلاند الدكتور مصطفى فاروق كلمة موجزة ، ثم ألقى الكلمة الثانية سعادة الأستاذ أحمد كلمة موجزة قدم من خلالها تعازي سمو الأمير الى الجالية المسلمة والى الحكومة النيوزيليندية . ثم جاء دوري بألقاء كلمتي الآتية :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وآله وصحبه أجمعين، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين. وبعد
سعادة السيدة جاسيندا آردين رئيسة مجلس الوزراء الموقرة
ذوي الشهداء والمصابين الكرام
سيداتي وسادتي الحضور الكرام
أحييكم بتحية السلام والأمن والأمان وهي تحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
يشرفي حقاً أن أكون معكم مع الوفد المرافق لنحمل إلى سعادة رئيسة الوزراء المحترمة وذوي الشهداء والمصابين الكرام والشعب النيوزيلندي الكريم المحترم تعازي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعامة أمتنا الإسلامية بهذه الفاجعة الكبرى باستشهاد خمسين شخصاً، وجرح العشرات في هذا البلد الآمن.
جئنا من قطرحاملين تعازي أهل قطروعلماءهم أيضا وممثلين للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم أكثر من 95 ألف عالم من جميع القارات لنقدم العزاء والشكر لسعادة رئيس الوزراء والبرلمان على حكمتها وعنايتها القصوى بآثار الحادثة وكأني اتخيل أنها نجاشية نيوزيلندا لا يظلم عندها أحد.
كما أشكر الحكومة والشعب النيوزيلندي على وقفتهم الإنسانية والوطنية نحو ضحايا ذلك العمل الإجرامي الإرهابي الوحشي، فلا ينسى العالم الإسلامي الوقفة المسؤولة للسيدة رئيسة الوزراء مع المسجدين ومع الأقلية المسلمة في ذلك الوقت العصيب.
الحضور الكرام
إن العالم كله قد صدم بهذه الفاجعة الكبرى، التي وقعت في هذا البلد الأمن ، وفي يوم الجمعة، وفي رجب الحرام، والناس يصلون، حيث انتهكت حرمة الزمان والمكان والعبادة ولكنها كشفت لنا مجموعة من الحقائق والدروس يجب أن أن نستفيد منها، من أهمها:
1- أن الإرهاب والعنصرية والكراهية خطر على المجتمع الإنساني والحضارة والمدنية، لذلك يجب على جميع السياسيين والعقلاء والحكماء محاربتها فكرياً وعقدياُ أولا ثم أمنياً.
2- نشأت في المجتمات غير الإسلامية مثل أوروبا وأمريكا ونحوها فكرة الكراهية والإسلاموفوبيا، بجانب العنصرية والنازية والفاشية، وبدأت تتكاثر بل سمح لها بأحزاب سياسية يمكن أن تأخذ الحكم إن استمر الأمر كذلك، والغريب أن بعض الرؤساء والسياسيين، ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تشجع على ذلك، واعتقد أن هذه الجريمة المروعة هنا، والجرائم الأخرى من آثار هذا التشجيع والتسويق، ولذلك فهم جميعاً يتحملون هذه المسؤولية .
3- حينما حدثت جرائم إرهابية من القاعدة وداعش، قام العالم الإسلامي بعلمائه وسياسيه مفكريه بمحاربتها، حتى سقطت فكرياً ثم سقطت عسكرياً. ونحن نريد من الغرب والشرق أن يقف هذه الوقفة القوية من خلال تجريم الفكر الإرهابي الديني المتطرف والفكر العنصري القومي من أي دين أو قوم كان.
فعلينا شرقاً وغرباً، مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وغيرهم أن نستعمل للقضاء عليهما جميع الوسائل المشروعة من الحوار والجدال ومقارعة الفكر بالفكر، ومن الحظر الرسمي عليهما، والقوانين الرادعة لكل من تسولّ له نفسه أن يرتكب جريمة باسم الدين أو العنصرية.
4- وأخيراً فإن هذه الحملة الظالمة على الإسلام تحت غطاء إسلاموفوبيا ليس لها أي مبرر عقلي أو قانوني أو تاريخي وإنما سببه العصبية العنصرية التي تعمي الأبصار والقلوب عن رؤية الحقائق، والجهل بحقائق الإسلام، فهذا قرآن المسلمين يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأن الله رب العالمين، وأن آخر كلمة في القران (والناس) ، وأن الله حصر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في الرحمة للعالمين وليست للمسلمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
5- وأن كلمة الرحمة ومرادفاتها ومشتقاتها تكررت في القران الكريم حوالي ألف مرة ، وأن المسلمين يبدأون صلواتهم ببسم الله الرحمن الرحيم، ويختمونها بالسلام والعهد بنشر السلام على كل من في يمينه ويساره.
ثم إن الإسلام وضع عشرة مبادئ إنسانية للتعايش السلمي بين البشر، منها:
1- الأصل الواحد، كلنا من آدم وحواء، ثم اصلنا جميعا التراب.
2- أن بني البشر كلهم أقارب لهم حقوق متقابلة فقال تعالى في بداية سورة النساء (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.)
3- أن الأديان السماوية كلها من منبع واحد وهو الوحي المنزل من السماء، وخصّ أهل الكتاب اي اليهود والنصارى بمزيد من الرعاية والعناية والبر والإحسان.
4- أن الله تعالى بيّن بأنه خلق الأرض والكون لجميع المخلوقات بما فيها الحيوانات، فنحن جميعاً شركاء في الأرض، فالأرض ليست للمسلمين وحدهم ولا للنصارى وحدهم، ولا للبيض أو السود، وإنما للجميع، والأرض كبيرة تسعنا جميعاً.
5- أن الأصل في الإسلام هو السلم وحل المشاكل بالحوار والجدال بالتي هي أحسن، وأن آيات القتال كلها لحالات رد العدوان فقال تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون) وهو حق مشروع في جميع الأديان والشرائع. ولكن المشكلة الكبرى أن هؤلاء الكارهين للإسلام لم يعرفوه ولم يطلعوا على حقائقه.
والدليل على ذلك أن بعض هؤلاء الكارهين للإسلاميين أسلموا عندما بحثوا عن الإسلام للهجوم عليه وهذا مخرج الفيلم المسئ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم السيد ....حيث اسلم وكذلك نائب رئيس الحزب اليميني المتطرف ... ايضا اسلم.
6- أن القران يأمر الأقلية المسلمة أن يكونوا مثل سيدنا يوسف عليه السلام حيث سجن في مصر، ومع ذلك أنقذهم بخطته العلمية بتوفيق الله تعالى.
وفي الختام اعتقد ان هذه الفاجعة قد جمعت كل انسان شريف للوقوف مع المظلومين في هذا البلد العزيز وسيكون هذا اليوم رمزا للانسانية الجامعة ولنبذ العنصرية والكراهية ونهاية اسلاموفوبيا لنعيش جميعا على هذه الأرض امنين مطمئنين
وفي الختام أكرر شكري للسيدة رئيسة الوزراء وجميع الحاضرين وأقدم عزائي لكم جميعاً وللأقلية المسلمة ، ونسأله الله تعالى أن يديم الأمن والاستقرار في هذا البلد العزيز وسائر البلاد، آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم دخلنا الجامع ، وصعد الامام جمال المنبر متأثرا فقال كنت فيه متخفيا وأشاهد سقوط القتلى واحدا تلو الآخر بسلاح المجرم الذي كان يريد قتل الجميع .
ثم بعد ذلك التقيا بالمواطنين النيوزلنديين الذي كان بينهم الحراس للمسجد ، ومنهم من أتى بالمياه ، والشاي والقهوة، والسندويتشات ، حيث كان تعاونهم وتفاعلهم مثاليا ونموذجيا ، حيث شكرناهم باسم علماء المسلمين وأمتنا الإسلامية .
ثم ذهبا الى المسجد الآخر ( جامع ليووند) بصحبة امامه الشيخ عبداللطيف ، وهناك التقينا بالبطل الأفغاني الذي تسبب – بعد توفيق الله – في انقاذ الكثيرين ، فقال الامام : كنت أصلي الركعة الثاني من صلاة الجمعة فشهدت شخصا أطلق النار على مسلم قادم الى المسجد فأرداه قتيلا، ثم قتل شخصاً آخر من خلال الشباك، فقلت للناس إنبطحوا إلى الارض فمنهم من استجاب ومنهم من بقي في صلاته ، فرشهم المجرم ، ولكن تصدى له الأخ عبدالعزيز الأفغاني ، وهنا سألته كيف استطعت ؟
فقال : في داخل نفسي اني مقتول ، فلماذا لا اكون سببا لإنقاذ الأخرين، ومن هنا نظرت الى ما هو حولي فما وجدت الا حصالة بطاقات التأمين فأخذتها ورميت بها رأس المجرم القاتل فأصابته فدوخته فسقط منه السلاح ، ففر الى سيارته ليأخذ سلاحا اخر ، ويعود كما فعل في مسجد النور فأخذته ولكن لم تبقى فيه طلقات حيث أفرغها في رؤوس وصدور المصلين ، فلحقته ، فدخل السيارة وكسرت زجاجة سيارته ، وكان جنبه ثلاثة أسلحة أخرى ولكن سبحان الله خاف ففر بسيارته ، وكان بمقداره أن يطلق النار علي ، لكن كان محصورا في سيارته خاف من أن أخذ منه سلاحه المخبأ فأنهزم بسرعة .
هذا عمل بطولي ذاتي جزاه الله خيرا ، ولولا قدر الله أولا ، ثم هذه البطولة لقتل في المسجد الثاني أكثر لأنهم كانوا في الصلاة ومجموعين في الصفوف ، في حين أن المجرم القاتل دخل الجامع النور في بداية الخطبة .
والكل بقدر الله .
ثم بعد ذلك قمنا بزيارة الى المستشفى لزيارة الجرحى وعيادتهم ، وأخذنا الورود لهم، كما قمنا بتوزيع الورود على مديرة المستشفى والطاقم الطبي المشرف عليهم .
حيث فرحوا كثياً وتألموا كثيراً، وقد صحبتنا مديرة المستشفى بنفسها في زيارتنا للجرحى الذين يمكن زيارتهم ، حيث كان عدد منهم في العناية المركزة، وقد استغرقت الزيارة ثلاث ساعات وبعد المستشفى عدنا الى الفندق ورتبنا اجتماعا لبعض الوفود القادمة من أمريكا وأوربا وغيرهما من الساعة الرابعة عصرا حيث ناقشنا كيفية مساعدة الجالية المسلمة وهي صغيرة ومستضعفة وبخاصة في هذه المدينة) وقد تم طرح عدة مشاريع مع التركيز على الاستعانة بالمحامين للوصول الى مشروع قانون يمنع العنصرية العرقية والكراهية الدينية واسلاموفوبيا، كما ناقشنا كيفية الاستفادة من هذا الحدث الجلل عالميا لصالح الإسلام والمسلمين
وأخيراً ناقشنا موضوع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وكيفية تفعيل دورها عالميا وفي تمام التاسعة والنصف انتهى الاجتماع فكان اجتماعاً ممتازاً
وفي يوم الاحد قمنا بزيارة بعض مجالس العزاء الفردية ، ومنها عزاء الشاب الفلسطيني الذي كان متميزا في الدراسة والكومبيوتر وكان حارس المرمى في المنتخب الوطني النيوزيلندي، كما ذهبنا الى احد الجبال المحيطة بالمدينة والمطلة
على المحيط الأطلسي فرأينا اغناماً حرّة، فمن شاء أن يأخذ منها فله الحق دون استعمال السلاح ولكنها جبلية قوية ليس من السهل أخذها.
وفي يوم الاثنين ركبنا الطائرة الى مدينة ميلبورن باستراليا/ واستغرقت أربع ساعات و٢٠ دقيقة وجلسنا للانتظار الى الساعة 22:30 بتوقيت استراليا وبقينا في الطائرة حوالي 15 ساعة الى ان وصلنا الى الدوحة فجراً الساعة الخامسة والنصف صباحا والله نسأل أن يتقبل منا.
انطباعي:
الشعب النيوزيلندي شعب طيب رقيق بدءاً من رئيسة الوزراء الى عامة الشعب، والأقلية الإسلامية أيضا طيبة لم يحدث منهم أي مشكلة نحوهم.
البلد جميل يجمع بين جمال الطبيعة وهدوء الشعب، فالبلد فيه البحار والمحيط، والانهار والجبال الجميلة التي تكتسى بالثلوج في الشتاء
ونيوزيلندا مساحتها 269000 كم، فاكتشفها الرحالة الهولندي ( ) ثم غزتها بريطانيا عام 1840م ولكن سكانها الأصليين الموريين لم يحاربوها بل تصالحوا معها على أن يبقوا في أرضهم ومدنهم وقراهم ، ولكن ماعداها تستغلها بريطانيا، ولذلك فأحوالهم الان أحسن من السكان الأصليين الاستراليين ثم استقلت عن بريطانيا عام1947 مع خضوعها للتاج البريطاني دستوريا.
ولها جزيرتان كبيرتان هما جزيرة أوكلاند في الشمال والجزيرة الجنوبية ، وفيها مدينة كرايست تشيرتش التي وقعت فيها لمذبحة الحالية.
وقد وصل الإسلام مع جماعة من الأفغانيين الذين أتى بهم الأنجليز إلى هنا وأستراليا ومعهم جمالهم لشق السكة الحديدة وأسس أول هيئة أسلامية في أوكلاند في عام ١٩٠٨م وهذه الهيئة الإسلامية النيوزيلندية، وأول مسجد رسمي كان في ١٣٥٠هـ في أوكلاند.
فهم في عمومهم شعب طيب مسالم ، وبلدهم آمن، ورئيسة وزرائهم الحالية تقف مع شعبها، وشجعت على احياء تقاليد السكان الأصليين، كما ان موقفها من هذه الفاجعة مشرف جداً.