بأية حال عدت يا يوليو؟
الشيخ الدكتور عبد الرزاق قسوم (عضو مجلس الأمناء)
هو عنوان موئدنا، وهو رمز مولدنا، هو سبب كبوتنا، وهو عيد نهضتنا.
استقبلنا بوجه عابس مكفهر، فكان سقوطنا الحضاري بالاختلال، والاحتلال، واستقبلناه بوجه الضاحك المنتصر، فكان الاستقلال، والاستهلال.
ذلك هو يوم الخامس من يوليو الذي كان رمز كبوتنا ونكبتنا، حين كان ملكا للحكام الظلام الذين سلمونا بكل انهزامية واستسلام، وحين امتلكه شعبنا، صار يوم مولدنا، وموعدنا، ومنجدنا.
وتوالت الأيام، على يوليو، من عام لآخر، فعشنا الحلو، والمر، ومسنا اليأس والضر، والخير والشر، إلى أن أذن الله بالتغيير الإرادي الحر.
وإذ يقبل شهر يوليو هذه السنة، فإنه يشهد انكشاف غمة، وميلاد أمة، بعد انقشاع غيوم، وزوال هموم، وتجدد فهوم، بإرادة الله الحيّ القيوم.
فها هي جزائر 2019، وقد أخذت زخرفها وازينت، فتجدد فيها العزم والإصرار، وتوحد شعبها على السلمية، والتسامح والوحدة، والإيثار، واختفى منها –تدريجيا- القبح، والفساد، وكل ما يرمز إلى العار.
سيشهد شهر يوليو، هذه السنة بعد سنوات الاستبداد، والاضطهاد، عصر تحرر الإرادة، وتجدد القيادة، واستعادة السيادة، وتعمق الوطنية والعبادة.
لقد استيقظت -في وطني- الجماهير المخدرة من سباتها، وتوحدت الطبقة السياسية بوعي بعد شتاتها، وعادت الفئة المثقفة، بعد تيه وانسلاب، إلى ذاتها، وأدركت المنظومة العسكرية، أن قوتها، في التحام وحداتها، بجماهيرها، بكل فآتها، وطبقاتها.
لكل هذه المعاني، نستقبل، عيد يوليو هذه السنة، بسويداء القلوب، وبتعبيد المسالك والدروب، فنعطر له العقول، ونحصب له الحقول، ونزيل من طريقه بقايا العصابة، والفلول، من أمثال البوشي، وابن سلول.
إن أوجب، ما يتحتم علينا القيام به، عملية إخلاء، القلوب، والعقول، من الأحقاد والضغون، فتمد الأيدي إلى من اختلفنا معه، على الجزئيات، فنصافح، ونسامح، ومن خالفنا في بعض القناعات، فنحاور؛ ومن عاد إلينا، بعد نأى ولأى، فنشاور، ولا نكابر.
إن عيد يوليو، ينبغي أن نجعل منه الصابون الذي نغسل به الأتراح والأحزان، والأكسجين، الذي به نقضي على كل الجراثيم والأدران، والعدل الذي به نهزم الوثنية والأوثان.
عار علينا، أن يشهد يوليو، وهو عيد استقلالنا، بعد أكثر من نصف قرن، ظاهرة الإعاقة التي تستبد بألسنتنا وعقولنا، بل يجب أن نحقق الاستفاقة مما أصابنا من انسلاب فكري، وغزو عقلي، وقبح ثقافي، فضلا عن الاستبداد السياسي.
نريد، أن يرى عيد يوليو، علينا، بوادر تأصيل المخيط، ووطنية المحيط.
وفي هذا السياق، ينبغي أن ينزل يوليو، بردا وسلاما، على قلوبنا، فنمحو ونسامح، المجاهد الذي قدم النفس والنفيس في سبيل هذا الوطن، كأخينا المجاهد الأخضر بورقعة، فنمكنه من إحياء عيد يوليو وهو أحد صانعي نصره، وفخره، وعفا الله عما سلف.
كما نأخذ بأيدي، بعض الشباب المغرر بهم، فنحول طيشهم إلى صواب، ونريهم –بالتوعية والنصح- الأنجع والأنجح، بدل العزل والعقاب.
إن أبرز، مانريده أن يتحقق في شهر يوليو هذه السنة بالذات-الإنتصار على الذات، بالحوار الوطني الشامل، الذي لا يقصى أحدا.
فقبة الفندقة، بعين البنيان، التي تضم نخبة الوطن، من أجل الحوار، هي القبلة السياسية التي ستظل عقول وقلوب الجزائريين، تنبض بحبها، لأنها الأمل الذي يراود كل النفوس، والحلم الذي من شأنه أن يقضي على كل كابوس.
إن ماتريده جماهيرنا من المتحاورين، هو أن يتوحدوا، على شخص، وأن يتفقوا على نص.
فأما الشخص المطلوب، فهو التوافقي الذي يسمو بفكره، وسلوكه، إلى مستوى ما ينشده الحراك الشعبي؛ وما ينشده الحراك الشعبي، هو قائد نزيه، يصون ولا يبدد ويوحد ولا يعدد، ويحمي ولا يهدد، ويقارب ويسدد، فلا إلغاء، ولا إقصاء، ولا استعداء.
وأما النص الذي يتم الاتفاق عليه، فهو النص الذي يتخذ من الدستور مرجعا، ومن الثوابت منبعا، ومن مطالب وطموحات الشعب مرتعا.
وكلنا قناعة بأن أسلافنا الذين صنعوا نوفمبر، وصححوا يوليو، هم أحسن نموذج للإخلاف من أبنائهم كي يعلو البناء، ويعمقوا الإخاء، ويخلصوا الوفاء.
إننا نعيش -إذن على الأمل- في أن يشهد عيد 5 يوليو، هذه السنة، حدثا بالغ الأهمية، نبني به ما انهدم، ونحيي ما انعدم، ونبعث وطننا الجزائر، إلى المستوى المرتقب له بين الأمم.
فيا يوليو، أيا كانت مآخذنا عليك في جانبك السلبي، فإن ما يشفع لك هو أنك صححت المسير، وأصّلت، المصير، وقدمت الكثير، وكما يقول مفدي زكريا:
إن كان يوليو في الشهور كبابنا
فشفيع يوليو، في الشهور، نوفمبر
إن الجزائر في شهر يوليو هذا، تلقى درسها على العالم، من خلال حراكها الشعبي النموذج، ومن خلال حوارها الوطني الأمثل.. فلنكن جميعا في مستوى الدرس، ونطالب الجميع بأن يحسنوا الإصغاء لهذا الدرس.
إنه درس التحرر، والبناء، والتصحيح، والفهم والإخاء، والتسامح، والإباء وهي الدعائم، التي ستبني الجزائر الجديدة، عليها بحول الله.
وإذا رأيت من الهلال نموه
أيقنت أن سيصير بدرا كاملا.