الرابط المختصر :
الفاشنيستات... وطالبات كلية الآداب!
الدكتور محمد العوضي
بدعوة كريمة من طالبات قسم الإعلام في كلية الآداب ألقيت محاضرة بعنوان (هوس الشهرة... الفاشنيستات نموذجاً)، تحدثت فيها عن الدفين النفسي والآثار التربوية والأبعاد الاقتصادية ودور الإعلام الجديد.
لن أذكر محتوى المحاضرة بقدر ما أريد إشراككم في الاهتمام بهذه الإشكالية القيمية، وتشعب روافدها وتسلل آثارها في نفوس وعقول المتلقين.
إن معالجة أي مظهر سلبي في حياتنا الاجتماعية يستوجب أولاً الاعتراف به، ولن يتحقق هذا الاعتراف ما لم يقف الإنسان على المطمور من العلاقات الكثيرة والمترابطة لهذه الآفة أو غيرها من الآفات الاجتماعية المتداخلة في أسبابها ودوافعها.
ظاهرة مشاهير السوشيال ميديا أو هوس البحث عن الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت عامة الناس للتساؤل عن الذي حصل للبشر من الأبناء والبنات الشباب والشابات، وحتى الأطفال وصغار السن الذين وجدوا أنفسهم - دون إرادة حرة منهم - ليكونوا من نجوم التواصل الاجتماعي، كي يحقق ذووهم ما يصبون إليه من مال أو شهرة أو غيرهما في اعتداء صارخ على هذه الطفولة؟
بعض المقاطع المعلنة أشبه بالجنون!
محتوى سخيف تافه على سناب شات أو الانستغرام أو تويتر أو فيسبوك، مقاطع ومشاركات بلا أي قيمة ولا فائدة ولا معنى! وغيرها من طوام، أخطرها اجتماعيا وأسريا وتربويا الحديث المفصل عن الخصوصيات الشخصية، التي قد تتسبب في تفكك أسر وانهيار البيوت وفضح ما أمر الله بستره، ثم الثرثرة الأقرب إلى الاستهبال.
والسؤال الذي طرحته على طالبات الإعلام:
لماذا يستميت بعض الناس خصوصاً شباب الجيل الجديد لتحقيق الشهرة بهذه الطريقة غير السوية؟!
قطعاً الأسباب عديدة، ولكني عندما أربط الجوانب النفسية بالجوانب الإعلامية، تبرز عندي ثلاثة أسباب رئيسية:1 - ارتباط الشهرة بالإعجاب والحب، 2- ارتباط الشهرة بالتأثير والجاذبية، 3 - ارتباط الشهرة بالثراء.
ومعلوم أن الاكتفاء المادي حاجة فطرية وضرورة حياتية، والثراء الحلال مشروع بل ممدوح. لكن الإشكال الحقيقي يوم التصقت في الأذهان صورة النجم أو النجمة بالسفر حول العالم، والسيارات الفارهة واليخوت الفخمة والمجوهرات والأزياء والماركات والبذخ ومباهج الحياة ولقاء عِلية القوم وفتح أبواب مغلقة وغيرها من ملذات دنيوية.
كل هذا يغذي حلم الشباب بالثراء السريع ليدغدغ طموحات هذا الجيل، في ظل واقع اقتصادي تنموي (عربي) أقل ما يمكن وصفه أنه مزرٍ وكسيف:
* مشاريع حكومية وخطط خمسية وعشرية وخمسينية فقط على الورق.
* كلام عن تطوير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وإسكان، وكلها إلى تراجع وتأخر وتقهقر!
* تعثر خطط التوظيف وبرامج خفض البطالة ومعالجة معدلات الفقر!
* ارتفاع غير مسبوق في نسب البطالة في أوساط حملة المؤهلات الجامعية والعليا، ما أفقد الجيل الحالي الإحساس بأهمية الدراسة والتعليم!
* انخفاض الرواتب والأجور ورفع الدعم عن سلع استراتيجية بالتوازي، مع ارتفاع في أسعار الخدمات والضرائب وغلاء فاحش يقصم ميزانيات وظهور معظم البيوت والأسر .
ثم يقابل ذلك كله:
* مقطع على (سناب شات)، فيديو مثير خادش للحياء (وحتى فاضح).
* لقطة فكاهية على (انستغرام) لمقلب سخيف أو تقليد سمج.
* وصلة تغريدات على (تويتر) من الشتائم والقذف في أحد الكرام أو بإحدى العفيفات، قد يتطور لينال شعباً عربياً أو خليجياً شقيقاً، ثم تتطور التفاهة حتى نصل إلى مرحلة مؤلمة من السقوط الأخلاقي فنسمع أنه لا بأس حتى من (التحرش) بثوابت الدين والأخلاق!
كل هذا الهوس يقذف بصاحبنا أو بصاحباتنا إلى مصاف النجوم! وللحديث محاور وتفاصيل وبقية لا يتسع لها مساحة المقال اليوم نكتبها لاحقاً.
المصدر: صحيفة الرأي