تأملات في آيات القتال(الجزء الأول)
د.سيدأحمد هاشمي- عضوالاتحاد
منذ وقت طويل كان بالي منشغلاً بآيات القتال وخاصةً ما اشتهرت بآيات السيف، ومن هذه الآيات قوله تعالی:) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( [التوبة:5]
وقوله تعالی:)وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ( [البقرة:193]
وقوله تعالی:)وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( [الأنفال:39]. [طبعاً لفظة (كان) هنا ليست ناسخة، بل هي تامة، والتقدير:«وقاتلوهم حتى لا تُوجَدَ فِتنَةٌ»]
حيث وجدتُ أن بعضاً من العلماء استدلوا بهذه الآيات أن غاية الجهاد القتالي مع المشركين هي إزالة الكفر والشرك، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو الجزية، مستدلين بقوله تعالی:) قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ([التوبة:29]
وكان سبب انشغالي بهذه الآيات أنه لو كانت الغاية من القتال؛ إمحاء الكفر والشرك بقتل الكفار أو إسلامهم، تلزم من ذلك مشروعية إكراه الناس علی الدين، وهذا ما يتصادم مع كثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الحريَّة الدينيَّة وعدم الإكراه في الدين، من ذلك:
قوله تعالی:)لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( [البقرة:256].
وقوله تعالی:)وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكواْ وَمَا جَعَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكيلٍ([الأنعام:107].
وقوله تعالی:)وَلَوْ شَاء رَبُّك لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكونُواْ مُؤْمِنِينَ( [يونس:99].
وقوله تعالی:)قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكم بِوَكيلٍ( [يونس:108].
وقوله تعالی:)وَلَوْ شَاءَ اللّه لَجَعَلَكمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كنتُمْ تَعْمَلُونَ( [النحل:93].
وقوله تعالی:)وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّكمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكفُرْ...([الكهف:29].
وقوله تعالی:)إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْكتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكيْلٍ( [الزمر:41].
وقوله تعالی:)نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ( [ق:45] .
وقوله تعالی:)إِنَّ هَذِهِ تَذْكرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً( [المزّمِّل:19][الإنسان:29].
كنت علي يقين بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يحتوي علی تعارض أو تناقض إذ )لَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كثِيراً([النساء:82] والتناقض والتعارض يأتيان في كلام البشر.
علة القتال
هناك سؤال جوهري يطرح نفسه وهو: لماذا نقاتل الكفار؟ أهو لمجرد كفرهم؟ أو لعدوانهم علی المسلمين بصورة وأخری؟ وبعبارة أخری؛ هل العلاقة بين المسلمين و غيرهم مبني علی السلم أم مبني علی الحرب؟
عندما رجعت إلی كتب الفقه لأستقي منا آراء الفقهاء رحمهم الله، وجدت أن الفقهاء قديماً اختلفوا في علة الجهاد القتالي علی قولين:
القول الأول: العلة هي الحرابة، وهو قول جمهور العلماء من الحنفيه والحنابله والمالكيه وقولٌ عند الشافعية.
أي نحن نحارب الكفار، لأنهم يحاربوننا، من باب المقابلة بالمثل، وبناء علی هذا فنحن لانحارب الكفار المسالمين، كما قال الإمام ابن القيِّم:«فلمّا بعث الله رسوله r استجاب له ولخلفائه بعده أكثر أهل الأديان طوعاً واختياراً، ولم يكره أحداً قطُّ على الدِّين، وإنما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله، وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله، ولم يكرهه على الدخول في دينه، امتثالاً لأمر ربِّه سبحانه وتعالى حيث يقول: )لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( وهذا نفي في معنى النهي، أي لا تكرهوا أحداً على الدِّين».[1]
القول الثاني: العلة هي الكفر و هو القول الأظهر عند الشافعية وهو أيضاً قول ابن حزم الظاهري.
أي نحن نحارب الكفار من أجل كفرهم وليس من أجل محاربتهم إيّانا، وبناء علی هذا فنحن نحارب الكفار المسالمين حتی يسلموا أو يعطوا الجزية. بعبارة أخری: «الجهاد فرض كفاية ابتداء وإن لم يبدأنا الكفار بالقتال»([2]).
أدلة الجمهور:
أ: من القرآن الكريم:
- )وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( [البقرة:190]
- )أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ...( [التوبة:13]
- )لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ([الممتحنة:9-8]
- )وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ([التوبة:36]
- )وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ([الأنفال:61]
- )فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً([النساء:90]
ب: من السنة:
- عن جابر بن عبد الله، قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُك مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ يَمْنَعُك مِنِّي؟» قَالَ: كنْ كخَيْرِ آخِذٍ، قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، قَالَ: لا، وَلَكنِّي أُعَاهِدُك أَنْ لَا أُقَاتِلَك، وَلَا أَكونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَك، فَخَلَّى سَبِيلَهُ...الحديث([3]
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»[4]وجاء في رواية ابن ماجه:«مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ»
- عن أنس بن مالك، أن رسولَ الله r قال:«انطلِقُوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتُلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمَكم، وأصلِحُوا)وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( [البقرة: 195]»[5]
- عن ابن عباس، قال: كان رسول الله r إذا بعث جيوشه قال:«اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ»[6]
ومناط الاستشهاد في هذه الأحاديث أن رسول الله r نهی عن مقاتلة من لايواجهون المسلمين بالعدوان والقتل، و إن كانوا كافرين([7])، ولذلك خلی رسول الله r سبيل من عاهده أن لايقاتله، ولا يكون مع قوم يقاتلونه، كما استثنی عليه الصلاة والسلام المرأة والطفل والشيخ الفاني وأصحاب الصوامع من مقاتلتنا إياهم.
ولو استثنينا الطفل لعدم بلوغه سن التكليف، فما بالُ الرسول r ينهی عن قتل النساء والشيخ الفاني وأصحاب الصوامع وقتالهم؟ أليسوا كفاراً؟
لو كنّا مأمورين بقتل الكفار لمجرد كفرهم، ولوكان التخلي عن الكفر علة النهي عن قتل هؤلاء، فهم عاكفون علی كفرهم وشركهم، لم ينفكوا عنهما قيد أنملة، فما الذي تَغيَّر؟
الشيء الذي تغير أنهم تخلوا عن الحرابة، فالتخلي عن الكفر لايمكن أن يكون علة الكفِّ عن القتال، وإنما العلة هي التخلي عن الحرابة، ألا تری قوله r عن المرأة التي وجدت مقتولة: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ»؟ وقول من قال: «وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ»؟
أدلة الفريق الثاني:
أ: من الكتاب
- )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ( [البقرة:193]
- )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( [الأنفال:39]
- )فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( [التوبة: 5]
- )قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ( [التوبة: 29]
من السنة:
- قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»
- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ»[8]أي: صغارهم
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ «اقْتُلُوهُ»[9]
قال أصحاب هذا المذهب: إن كلّاً من الآيات المذكورة دلَّ علی أن مناط وجوب قتل الكافرين وقتالهم هو الكفر لا الحرابة، بدليل أنه جعل غاية هذا الحكم إزالة الفتنة، والمقصود من الفتنة: الكفر والشرك، كما دلت الآية الأولی والثانية، كما جعل غاية الحكم الإيمان والتوبة، كما دلت الآية الثالثة، أو الخضوغ للجزية، كما دلت الآية الرابعة.
وقد أجابوا عن التعارض القائم بين دلالة هذه الآيات، والآيات الأخری التي استدل بها الجمهور، بأن هذه الآيات من أواخر ما نزل من القرآن، فهي ناسخة لكل ما عارضها من قبل.
وقالو: وقد أمر رسول الله r بقتل الشيوخ من المشركين، ولو كانت علة القتل الحرابة، لما أمر r بذلك، إذ الشيوخ لا يتأتی منهم المبادرة بالعدوان، ومثل ذلك أمره r بقتل عبدالله بن خطل و أمثاله من الذين أهدر رسول الله r دمهم.[10]
[1] - ابن قيم الجوزية؛ محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين، هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، (ت751ﻫ)، تحقيق:محمد أحمد الحاج، جدة، السعودية دار القلم- دار الشامية، ، ط/1، 1416ﻫ - 1996م، 1/237
[2]- انظر تفصيل الخلاف في ذلك في بداية المجتهد لابن رشد،(1/369-372) والمغني لابن قدامة (9/301) وفتح القدير لابن همام(5/452)، والشرح الصغير علی أقرب المسالك(2/275)، ومغني المحتاج للشربينی(4/234)، والتحفة لابن حجر(9/241)
[3]- رواه ابن حبان في صحيحه و احمد في مسنده، حديث رقم:14929 و 15190، مسند جابر بن عبدالله t، ج 23 ص 193، وقال محققه: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، وآخرون: «حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان بن قيس اليشكري»
[4] - متفق عليه
[5] - رواه أبوداود
[6] - رواه أحمد في مسنده، وقال محققه شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف.
[7] - انظر: البوطي؛ سعيد رمضان، الجهاد في الإسلام كيف نفهمه وكيف نمارسه؟، بيروت لبنان، دار الفكر المعاصر،ط/1، 1414=1993م، صص 94-95
[8]- رواه أبوداود في سننه، وقال شعَيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف. الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من سمرة. وهو مدلس.
[9] - رواه البخاري،
[10] - انظر: البوطي؛ سعيد رمضان، المصدر نفسه، صص 96-97