الرابط المختصر :
الحب في زمن الكورونا
أ. د. ليلى محمد بلخير (عضو الاتحاد)
نحتاج اليوم أن نكتب بلغة يفهمها الإنسان، وهو المهدور، المغدور في إنسانيته، بعد عولمة الأفكار والثقافات والأخلاق، نشهد عولمة الأمراض والنفايات والأوبئة ، والقادم أعظم - لا سمح الله -إن لم نقم بواجبنا في الدعوة إلى الإيمان ، مع ضرورة تجديد خطابنا، ووسائلنا للتعبير عن محنة الوجود والمصير التي تقصف بالمعمورة، وتوطين لغة الروح والوجدان كرسالة للعالم المادي الجائع روحيا، نسعى لتقريبه من بوصلة الإحساس بحب الله بعد أن أضاعها وانطلق دونها ردحا من الزمن.
في تلك الأيام الرغدة على البشرية، كنت متوجسة من طغيان البطر والآفات، وكلما سرت في الطريق، تجلت في خيالي صورة الأرض وهي تصرخ وتستنكر وحشية الإنسان وهمجيته، كنت أرقب حيرتها وخيبتها من كثرة السائرين دون تبصر ولا بصيرة. استبد بي الحزن وأنا أسمع دويها الرهيب يجلجل بقوة: " أين تذهبون؟ ما جدوى كل هذا التدافع؟ ما جدوى التفاخر بالمكاسب والرتب؟ ما جدوى كل الأحقاد والشرور؟ ما جدوى ما تفعلون؟ "
سرت ومعي قلبي الكسير، ظلم وظلمات وفساد في كل ركن، الكل يدوس بأقدامه ويكمل السير دون رقيب ولا وازع - إلا من رحم ربي - وكـأن الإيمان نقش حروف سطحية يشوبها البطر والغلظة والبهيمية، ولكن هيهات هيهات، جاء كورونا و جاءت معه محنة عزل الإنسان عن صخب حياته المادية، ليستعيد معنى حب الله الذي فقده وهو يركض بلا هدف ولا غاية حتى وصل إلى التبطر، وكان الانحدار والسقوط، هناك فقط أعلن افتقاره لهذا الحب ووجد فيه الحل الأمثل لمعاناته وخيباته ، يرفعه من جواذب الطين، إلى نفحات الخضوع والتسليم . هو الحب الكبير الذي يسع العالم كله تطهيرا وتصفية.
وما ذا بعد أن وصل الإنسان إلى قمة الترف والبطر؟ وماذا بعد أن أضاع في الزحام إنسانيته؟ قلبه ومشاعره؟ حقق كل أحلامه المادية، وأصبح يتفنن في أساليب الشر والإبادة، انسحقت إنسانيته وماتت ألف مرة، عندما غاب الضمير، وصار الزيف والخداع ترويج لفنيات حياة جديدة، لم تعد المآثر الجماعية تلهب حماسته وتحسسه بالانتماء والهوية، ولا مبادئ الدين تردعه وتزرع فيه الرهبة من الخطايا والمعاصي، انتكس الإيمان وفرحة الروح، وذبل الحب داخل القلب، وفي كل بيت وتنامت العظمة والصولجان، من عولمة الفكر والثقافة، إلى عولمة الأوجاع والمحن.
وماذا عن الحب في زمن الكورونا؟ هل بقي حب؟ وهل بقي منه شيء لبشر؟ الأخ يفر من أخيه، والحميم من حميمه، والابن من أبيه، والميت يقبر أبترا بلا أهل أو أحباب. لم يعد من حب حقيقي على جنبات الأرض، هلك المتشدقون به من كل صنف ولون، وهذا أقوى درس تطبيقي عرفته البشرية برمتها، واختبار حقيقي من شأنه أن يمارس فعل التنقية على الأجواء، ويعم الامان والصفاء. و حتى وان رحلنا من هذه الدنيا بقدر من الله وحكمة، تبقى هذه الرسالة للأجيال الناجية تذكرهم بحب الله أكبر حب في الوجود ، يوحد الإنسان في كل زمان ومكان.
هذا المقال ضمن سلسلة مقالات حول: " رسائل الروح"