أسرار يوم عرفة وما يجب فيه من الأعمال
بقلم: د. حسن يشو –لطف الله به-
تمهيد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلكل مقام مقال، ولكل حادث حديث، والمناسبة شرط، ما حملني في هذه العشر الأوائل من ذي الحجة على أن أتناول أعظم يوم فيها؛ ألا وهو "يوم عرفة"؛ لأبين ممزياته وخصائصه، ومقاصده وأفضاله، معرجا على طبيعة الأعمال التي يجب الالتزام بها في غضون هذه الأيام المباركات؛ معتمدا على أدلة صحيحة، ومستكشفا لأسرار منيفة؛ لأنه أفضل يوم في السنة بل أعظم يوم طلعت فيه الشمس، كما أن ليلة القدر هي أفضل ليلة في السنة؛ فلزم أن يحظى يوم عرفة بعناية خاصة نعد له عدته، فنلزم فيه بيوتنا، ونلقن أولادنا فيه دروسا بالغة الأهمية، ونجأر إلى الله بالدعاء وما ادّخرناه من حاجاتنا وشجوننا لهذا اليوم، ونتقرب فيه إلى الله بأعظم القربات؛ وذلك وفق المباحث الآتية:
ما الأشهر الحرم؟
الأشهر الحُرم هي: الأشهر التي جعلها الله مُحرّمةً؛ لقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة: 36] وهي الأشهر التي كتب الله فيها العهد والأمان على المشركين، قال الله سبحانه: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم وَخُذوهُم وَاحصُروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم إِنَّ اللَّـهَ غَفورٌ رَحيمٌ)،[التوبة: 5].
وهذه الأشهر هي:
- شهر محرم:
وهو أوّل شهور السنة الهجريّة، وقد وصفه النبيّ صلى الله عليه وسلّم بأنّه شهر الله المحرّم، فهو الشهر الوحيد الذي أُضيف إلى الله سبحانه، علاوة على تخصيصه فإن للصيام فيه فضلًا عظيمًا بعد صيام شهر رمضان، لحديث: "أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ" [رواه مسلم].
- ذو القعدة:
وذلك لأنّ العرب كانت تقعد فيه عن الأمور التي تقوم بها في غيره من الشُّهور.
- ذو الحجة:
وهو آخر شهور السنة الهجريّة، حيث يلي شهر ذي القعدة، وقد سُميّ بذلك؛ لأداء فريضة الحجّ فيه.
- ورجب:
حيث يأتي رجب بعد جمادى الثانية، وقبل شهر شعبان، وهو سابع شهور السنة الهجريّة.
ملحوظة:
ينفرد شهر رجب فقط من بين الأشهر الحُرم؛ وذلك في كونه يأتي منفرّدًا عن باقيها، بينما تأتي الأشهر الحُرم الأخرى متتاليةً، تعقب بعضها بعضا.
ثم إن حديثنا ينصب على شهر ذي الحجة في عشر أوائله؛ فما حقيقتها وأسرارها؟
أسامي أيام ذي الحجة الأوائل:
لقد اشتهرت بعض أيام العشر الأوائل بأسماء خاصة؛ للدلالة على ما يجري فيها، وهي وفق الآتي:
اليوم السابع: يوم الزينة:
وذلك لأن الحجاج كانوا يزينون محاملهم وهوادجهم للخروج إلى منى استعدادا لعرفة، فأقول: زين الله أيامنا وأيامكم بالهدى والتقى والعفاف والغنى.
اليوم الثامن: يوم التروية:
لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء تزودا للخروج إلى منى وعرفة، كما كانت تروى المناسك وتعلم حتى تكون على جدارة واستحقاق. فأقول: روانا الله وإياكم من حوض النبي صلى الله عليه وسلم من يده الشريفة لا نظمأ بعدها أبدا.
اليوم التاسع: يوم عرفة:
لأنه محل بحثنا علاوة على أن الوقوف بعرفة يكون فيه؛ فأقول: عرفنا الله وإياكم الطريق إلى جنات النعيم.
اليوم العاشر: يوم النحر أو يوم العيد:
أعاده الله علينا وعليكم بالخيرات والصحة والمسرات والبركات.
اليوم الحادي عشر: يوم القر:
وهو أول أيام التشريق؛ سمي يوم القر؛ نسبة إلى القرار والاستقرار للحجاج بمنى، جعلنا الله وإياكم في مستقر رحمته.
اليوم الثاني عشر: يوم النفر:
وهو ثاني أيام التشريق؛ وهو اليوم الذي ينفر فيه الناس من منى، ويسمى يوم النفر الأول، ويسمى كذلك يوم الرؤوس؛ لأن الناس عادة ما يأكلون فيه رؤوس الأضاحي؛ جعلني الله وإياكم رأسا في الخير والعمل الصالح.
اليوم الثالث عشر: يوم الصدر:
ويسمى يوم النفر الثاني؛ والصدر هو نقيض الورد، صدرني الله وإياكم في أبواب الخير وأوردنا موارد الجنة.
أيام التشريق:
وهي أيا القر والنفر والصدر بمجموعها؛ سميت بالتشريق؛ لتشريق الناس لحوم الأضاحي وتقطيعها.
ما حقيقة عرفة؟
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة؛ وهو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بجبل عرفات؛ والوقوف بعرفة من أركان الحج لا يجبر بدم؛ وقد سمي يوم عرفة نسبة لوقوف الحجاج بجبل عرفات، وعرفات كلها موقف. علما أن (عرفات) مفرد على صيغة جمع؛ حيث يطلق على جبل عرفات أسماء متعددة، منها: القرين، وجبل الرحمة، وجبل الآل، والنابت.. إلخ؟
ما وقت الوقوف بعرفة؟
يبدأ وقت الوقوف بعرفة في الوقت التي تزول فيه شمس التاسع من ذي الحجة، إلى فجر يوم النحر وهو أوّل أيام عيد الأضحى، بحيث يكمل الحاج باقي مناسك الحج المفروضة عليه.
لماذا سمّي جبل عرفات بهذا الاسم؟
لقد اختلف العلماء في سبب تسمية جبل عرفات بهذا الاسم؛ لعدة أسرار منها:
- أن آدم وحواء حينما أنزلهما الله من الجنة إلى الأرض، أنزلهما في مكانين مختلفين، فكان موقع جبل عرفات هو المكان الذي التقيا فيه، وتعارفا على بعضهما فيه.
- كما ورد أن جبريل كان يطوف إبراهيم عليه السلام ويعلمه المناسك والمشاهد، وكان يطوف به في الجبل، ويردد له قوله "أعرفت، أعرفت"، وكان يرد عليه بقوله "عرفت، عرفت".
- وقيل إنّ الناس يجتمعون في يوم عرفة على صعيد الجبل، ويتعارفون على بعضهم البعض، ويتعرفون على ربهم وواسع عفوه وكرمه ورحمته، فهو يوم تتنزل فيه الرحمات، وتعتق فيه الرقاب.
- وقيل سمي بذلك لأن الناس يعترفون فيه بذنوبهم، ويطلبون من الله أن يغفرها لهم، وأن يعفو عنهم.
- وقيل إنه مأخوذ من العُرف والذي يعني الرائحة الزكية، لأنّ رائحته تبقى معطرة زكية بالرغم من انتشار رائحة الدم والذبائح في منى يوم النحر، أو لأنه واقع في وادٍ مقدّس أي مطهر.
ما مقاصد يوم عرفة وأسراره؟
- إن يوم عرفة من أيام الله المعلومات المشمولة في قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) [البقرة: 197].
- وهو أحد أيام الأشهر الحرم (شهر ذي الحجة) الذي أقسم به في قوله تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [البروج: 3] فالشاهد يوم الجمع والمشهود يوم عرفة.
- وقال سبحانه: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2]. وهي العشر الأوائل من ذي الحجة أقسم بها الله تعالى لأهميتها ومكانتها على سائر الأيام، حتى قال كثير من أهل العلم: إنها أفضل حتى من العشر الأواخر من رمضان!
- وقد بيّن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضل العمل الصالح في هذه الأيّام؛ فقال: "ما مِن أيَّامٍ العمَلُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن هذهِ الأيَّامِ العَشر فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ" [صحيح الترمذي].
- وهو يوم العتق من النار؛ عتق فيه رقاب العباد من النار، ويغفر لهم، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "ما مِن يومٍ أَكْثرَ من أن يُعْتِقَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فيهِ، عبدًا أو أمةً منَ النَّارِ، مِن يومِ عرفةَ، وأنَّهُ ليَدنو، ثمَّ يُباهي بِهِمُ الملائِكَةَ" [صحيح النسائي].
- وهو يوم المباهاة بعباد الله المتقربين إليه زلفى بالطاعات والدعوات؛ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ"؛ [رواه مسلم]. يباهي الله بأهل عرفة ملائكة السماء، ويقول لهم بكل حب وفخر: "انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي".
- كيف لا وفي هذا اليوم أنزلت آخر آية من القرآن الكريم وهو واقف على جبل عرفة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا!! قال: أي آية؟ قال (اليوم أكملت لكم دينكم) قال عمر الفاروق: "والله إني لأعلم في أي يوم أنزلت وفي أي ساعة أنزلت وأين أنزلت وأين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت: أنزلت ورسول الله فينا يخطب ونحن وقوف بعرفة" [متفق عليه].
- وهو يومٌ خطب فيه النبيُّ خطبة الوداع: وهي الخطبة التي خطبها نبيُّ الله في الحجيج، وثبّت فيها قواعد الإسلام الكبرى في حقوق الإنسان وحقوق الله وتعاملات الإنسان مع الله ومع غيره ومع نفسه وهي جديرة بالدراسة واستلهام الدروس والعظات.
- من خصائص هذا اليوم الشعور بالوحدة بين المسلمين وأن الجميع أمام الله سواء، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، لا باللون ولا باللغة ولا بالجاه والسلطان ولا غير ذلك. وحصول الألفة والتعارف والمحبة بين المسلمين حينما يلتقون على طاعة الله في مظهر واحد.
- وهو يوم نتذكر فيه الوقوف الأكبر بين يدي الله تعالى وما قدمنا وما أخرنا والله المستعان!
- وقد صار بلا خلاف اليوم الذي يعاني فيه إبليس ويخشى من صحوة المسلمين لأهميته فيذل وينكسر؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: "مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ". [مالك والبيهقي].
- قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "صيامُ يومِ عرفةَ إنِّي أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه والسَّنةَ الَّتي بعدَه" [رواه ابن حبان]. وهو يوم يباهي الله فيه بأهل عرفة؛ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ تعالى يُباهِي ملائِكتَهُ عشِيَّةَ عرَفةَ بأهلِ عرَفةَ، يقولُ: انظُروا إلى عبادِي، أتوْنِي شُعْثًا غُبْرًا" [صحيح الجامع].
- وفيه أعظم ركن من أركان الحج فقال صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة".
ما أفضل الأعمال في هذا اليوم؟
إن أفضل الأعمال في هذا اليوم هي:
- التوبة الصادقة يقول تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النــور: 31]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8]، علما أن التوبة واجبة في كل وقت إلا أنها في الأوقات الفاضلة آكد وأوجب؛ لأن الإصرار على المعاصي في الأيام الفاضلة لا يليق!
- أشرك والديك وأهلك وأولادك في هذا الخير؛ ولا تبخل به عنهم وتستأثر بالفضل وحدك، وشارك جيرتك وعائلتك وعشيرتك، وزملاءك وأصدقاءك في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الأزرق؛ لأنه يوم يستحق هذه العناية؛ لأنه خير يوم طلعت فيه الشمس في السنة!
- أن يحافظ على كافة الصلوات في اليوم والليلة المفروضة بأركانها وسننها في أوقاتها وفي جماعة، ويحافظ على الرواتب معها القبلية والبعدية، وعلى صلاة الضحى، وجلسة الشروق؛ لحديث: "من صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ، ثم صلى ركعتينِ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ" [صحيح الجامع].
- استشعار فضل هذا اليوم وشكر الله على إكمال الدين الحنيف فيه.
- استغلال هذا اليوم؛ لما غمره سبحانه من أفضال، ونفحات، ورحمات، وعتق من النار.
- صيام هذا اليوم لغير الحاج؛ لأنّ صيامه يكّفر سنتين، سنةً ماضيةً، وسنةً آتيةً.
- قراءة القرآن الكريم؛ وطوبى لمن شرع فيه مع أول ذي الحجة ليختمه يوم عرفة!
- أوراد الصباح والمساء كاملتين.
- الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة فيه.
- الإكثار من الأذكار ولا سيما التكبير والتهليل والتحميد؛ ومنها قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "خيرُ الدُّعاءِ يومُ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنَّبيون من قبلي: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ" [صحيح الجامع].
- الإكثار من التكبير وقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. والتكبير المقيد فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق -بالإضافة إلى التكبير المطلق- فإذا سَلَّم من الفريضة واستغفر ثلاثًا وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" بدأ بالتكبير.
- التضرع إلى الله واللجأ إليه بالدعاء؛ وكأنه يوم الدعاء لأنه خص بالدعاء فاسألوا الله من فضله، واكشفوا لله أسراركم ومصائبكم وهمومكم وشجونكم وحاجاتكم؛ وقال كثير من السلف: كنا ندخر حاجاتنا ليوم عرفة فإذا حل عرفة تضرعوا وجأروا وبكوا؛ لحديث: "خيرُ الدُّعاءِ يومُ عرفةَ" وذلك أن يكون العبد على طهارة مستقبلا القبلة مخلصا فيما يدعو، وموقنا بالإجابة وملحا على الله متوسلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، مستحضرا القلب غير لاه ولا مشغول عنه، مستعملا جوامع الدعاء من غير تكلف ولا تقعر مع الصلاة والسلام على النبي الهمام. وكان أبو عبيدة الخواص قد غلب عليه الشوق والقلق ويقول: "واشوقاه إلى من يراني ولا أراه"، وكان بعد ما كَبُرَ يأخذ بلحيته ويقول: "يا رب! قد كَبرت فأعتقني"[1]. وقد دعا بعض العارفين بعرفة فقال: "اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني"[2].
- تغليب الرجاء في عفو الله ورحمته؛ لأن العتق من النار شامل الواقفين بعرفة وغيره الواقفين من المتضامنين معهم وهم المسلمون المستشعرون لفضل يوم عرفة.
- البذل في سبيل الله والصدقة في هذا اليوم؛ وقد كان السلف الصالح يوزعون فيه الأضاحي على المستحقين. وهذا -على سبيل المثال لا الحصر- حكيم بن حزام يقف بعرفة ومعه مئة بدنة مقلدة، ومئة رقبة، فيعتق رقيقه، فيضج الناس بالبكاء والدعاء يقولون: "ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده، ونحن عبيدك فأعتقنا"[3].
- استثمار هذا اليوم وغيره في الطاعات والأعمال الصالحة وعدم إهدار الوقت فيما لا يعني ومجالس اللغو واللهو.. والحرص على ما بين العصر وغروب الشمس؛ فهناك تقال العثرات وتسكب العبرات وتغفر الزلات!
- ومن أجمل ما اطلعت عليه عن السلف قولهم: "من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه .. ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه .. ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى .. ومن لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد".
اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا وغدنا خيرا من يومنا وخير أيامنا يوم نلقاك.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
وكتبه: أبو نوفل حسن يشو
دوحة الخير/ دولة قطر المحروسة
7، ذو الحجة، 1441هـ.
الموافق لـــ 29/ 07/ 2020م.
[1] صفة الصفوة: 4/276.
[2] لطائف المعارف 1/310.
[3] لطائف المعارف: 1/299.