الرابط المختصر :
الحُمّى
بقلم: د. زغلول النجار (عضو الاتحاد)
قال رسول الله ﷺ: "إن الحُمّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء" (البخاري)، وقوله عندما ذكرت الحُمّى فسبها رجل: "لا تسبها، فإنها تنقي الذنوب كما تنقي النار خبث الحديد" (مسلم).
لقد تبين أنه عند الإصابة بالحُمّى ذات الحرارة الشديدة التي قد تصل إلى 41 درجة مئوية والتي وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها من فيح جهنم، وقد يؤدي ذلك إلى هياج شديد ثم هبوط عام وغيبوبة تكون سبباً في الوفاة، ولذا كان لزاماً تخفيض هذه الحرارة المشتعلة بالجسم فوراً حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ، وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماء أو عمل كمادات من الماء البارد والثلج، حيث إنه إذا انخفضت شدة هذه الحرارة عاد الجسم كحالته الطبيعية بعد أن ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ ويقلل هذه الحرارة بوسائله المختلفة من تبخير وإشعاع وغيرهما، ولذا كان الرسول ﷺ إذا حُمَّ دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأسه فاغتسل.
ولما كانت الحمّى يستلزمها حمية عن الأغذية الردئية وتناول الأغذية والأدوية النافعة، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن وتصفيته من مواده الردئية التي تفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفي خبثه وتصفية جوهره كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفي جوهر الحديد.
وقد ثبت علمياً أنه عند الإصابة بالحمّى تزيد نسبة مادة (الأنترفيرون) لدرجة كبيرة، كما ثبت أن هذه المادة التي تفرزها خلايا الدم البيضاء تستطيع القضاء على الفيروسات التي هاجمت الجسم وتكون أكثر قدرة على تكوين الأجسام المضادة الواقية، فضلاً عن ذلك فقد ثبت أن مادة (الأنترفيرون) التي تفرز بغزارة أثناء الإصابة بالحمّى لا تخلص الجسم من الفيروسات والبكتريا فحسب، ولكنها تزيد مقاومة الجسم ضد الأمراض وقدرتها على القضاء على الخلايا السرطانية منذ بدء تكوينها، وبالتالي حماية الجسم من ظهور أي خلايا سرطانية يمكن أن تؤدى إلى إصابة الجسم بمرض السرطان، ولذا قال بعض الأطباء إن كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحمّى كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحمّى فيها أنفع من شرب الدواء بكثير، مثل مرض الرماتيزم المفصلي الذي تتصلب فيه المفاصل وتصبح غير قادرة على التحرك، ولذلك فإن من ضمن طرق العلاج الطبي في مثل هذه الحالات الحمّى الصناعيّة؛ أي إيجاد حالة حُمّى في المريض بحقنه بمواد معينة.
ومن هنا ندرك حكمة رسول الله ﷺ في رفض سبّ الحمّى بل والإشادة بها بوصفها تنقي الذنوب كما تنقي النار خبث الحديد كما أشار الحديث الشريف الذي نحن بصدده.