الحلقة (7) : مقاصد الدعوة عند الصحابة رضي الله عنهم
بقلم الدكتور نجوغو امباكي صمب (عضو الاتحاد)
في هذه الحلقة سيتم إيراد نماذج من أقوال الصحابة الكرام رضي الله عنهم عن مقاصد الدعوة وتحديثهم بها وانطلاقهم منهما في دعوتهم إلى الإسلام ونصرة الدين.
إن الصحابة رضي الله عنهم أعرف الناس بمقاصد دعوة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، إذ كانوا يفهمونها فيما يتلونه من قصص الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في القرآن الكريم، ويتلقفونها فيما يحدثهم به النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك، أو يتلقونه ويروونه من أهل الكتاب.
وكان المجاهدون والدعاة من الصحابة رضي الله عنهم إلى جانب علمهم بالمقاصد العامة لدعوة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، عالمين أيضا بالمقاصد الخاصة برسالة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، والتي كانوا يخرجون إلى الأمصار والبلدان للتبشير بمكارمها، والدعوة إلى مآثرها.
- جعفر ابن أبي طالب يبين للنجاشي مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما هاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة سألهم النجاشي[1] عن دينهم وعن خصائصه وفضائله ، فقال له أميرهم جعفر بن أبي طالب [2] معرفا لدين الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وما يميزه عما عليه قريش من الوثنية، وعما عليه أهل الحبشة من الدين النصراني المحرف، فقال له رضي الله عنه (( أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام، قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك))[3].
ولا شك أن هذا التقديم الأمين والوصف الدقيق لدعوة الإسلام من أحد سفرائه العظام قد كشف الشبهات ورد على التهم التي ألصقها رسل قريش بالدين الإسلامي وبنبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه، كما أزال الشكوك والريب التي كانت تساور النجاشي ومن حوله من الأحبار والرهبان.
قال العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله معلقا على كلمات جعفر بن أبي طالب وخطبته العصماء: ((فقد فضّل جعفر أن يكون جوابه حكاية حال لما كان عليه أهل الجاهلية في الجزيرة العربية، ولما آل إليه أمرهم بعد ما أرسل الله رسوله فيهم، ودعا إلى الله وإلى الدين الحنيفي السمح، ومكارم الأخلاق، وآمنوا به واتّبعوه، وحكاية الحال- خصوصا إذا لم يجانب فيه صاحبها الصواب- أبعد شيء عن المناقشة والمناظرة، وأقدر شيء على غرس المعاني المقصودة، وتحقيق الأهداف المنشودة، والتهيّؤ للتأمّل والإنصاف وحسن الاستماع))[4].
- عمرو بن العاص يشرح مقاصد الدعوة لعظماء الإسكندرية.
وها هو ذا الفاتح العظيم عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ [5] رضي الله عنه يشرح رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام لعظماء الإسكندرية، ويبين لهم غاياتها العظمى ومقاصدها العليا، قال رضي الله عنه : (( خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَا أَمِيرُهُمْ، حَتَّى نَزَلْنَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَقَالَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمُ: اخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلًا يُكَلِّمُنِي وَأُكَلِّمُهُ، فَقُلْتُ: لَا يَخْرُجُ إِلَيْهِ غَيْرِي، فَخَرَجْتُ وَمَعِي تُرْجُمَانِي وَمَعَهُ تُرْجُمَانَهُ حَتَّى وُضِعَ لَنَا مِنْبَرٌ ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقُلْتُ: ((إِنَّا نَحْنُ الْعَرَبُ، وَنَحْنُ أَهْلُ الشَّوْكِ وَالْقَرَظِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اللَّهِ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضًا، وَأَشَدَّهُمْ عَيْشًا، نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَيَغِيرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ بِأَشَدِّ عَيْشٍ عَاشَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى خَرَجَ فِينَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا - يَوْمَئِذٍ - شَرَفًا، وَلَا أَكْثَرَنَا مَالًا)) وَقَالَ: (( أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ )) ، يَأْمُرُنَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا، فَكَذَّبْنَاهُ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ مَقَالَتَهُ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا، فَقَالُوا: (( نَحْنُ نُصَدِّقُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَتَّبِعُكَ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، فَقَاتَلْنَاهُ، فَقَتَلْنَا، وَظَهَرَ عَلَيْنَا، وَغَلَبَنَا، وَتَنَاوَلَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ يَعْلَمُ مَنْ وَرَائِي مِنَ الْعَرَبِ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا جَاءَكُمْ حَتَّى يُشْرِكَكُمْ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَكُمْ قَدْ صَدَقَ، قَدْ جَاءَتْنَا رُسُلُنَا بِمِثْلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُكُمْ، فَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِينَا مُلُوكٌ، فَجَعَلُوا يَعْمَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ، وَيَتْرُكُونَ أَمْرَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبْتُمُوهُ، وَلَمْ يُشَارِكْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ظَهَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، وَتَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ وَعَمِلْتُمْ مِثْلَ الَّذِي عَمِلُوا بِأَهْوَائِهِمْ فَخَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَمْ تَكُونُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَّا، وَلَا أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: ((فَمَا كَلَّمْتُ رَجُلًا قَطُّ أَمْكَرَ مِنْهُ)) [6].
وهذه شهادة من أحد دهاة العرب وحكمائهم، من الذين تأخر إسلامهم وقناعتهم برسالته، ثم أصبح بعد ذلك من أعظم المجاهدين الفاتحين، حيث فتح بذكائه ودهائه وحججه وبراهينه مغاليق عقول الدهاقنة، قبل أن يفتح بلادهم بسيفه ورحمه.
- رسالة الإسلام العالمية وفلسفة الجهاد على لسان الربعي بن عامر.
ونجد في جواب الصحابي الجليل ربعي بن عامر [7] رضي الله عنه لرستم في معركة القادسية تصريحا برسالة الإسلام العالمية وفلسفته في الجهاد ، حيث قال رحمه الله تعالى ((قَالَ: اللَّهُ ابْتَعَثَنَا، وَاللَّهُ جَاءَ بِنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسْلامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ مِنَّا ذَلِكَ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَتَرَكْنَاهُ وَأَرْضَهُ يَلِيهَا دُونَنَا، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا، حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ قَالَ ( رستم ) : وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفْرِ لِمَنْ بَقِيَ))[8].
المقال السابق: http://iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=12786
[1] هو ملك الحبشة أصحمة النجاشي أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات قبل فتح مكة صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبر عليه أربعا، روى عنه جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما . انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم ، 1/ 354 .
[2] هو جعفر بن أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسلم قبل أن يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ويدعو فيها ، كان على رأس المهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية استشهد في مؤتة رضي الله عنه سنة سبع ، انظر : الطبقات الكبرى ، 4/ 24 .
[3] مسند أحمد ، 3/ 266 ، برقم ( 1740 ) ، وقال محققوه ((إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسحاق ...))
[4] السيرة لنبوية ، تأليف أبو الحسن علي الندوي ، ص200، ط دار ابن كثير –دمشق 1425هـ
[5] عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم. ويكنى أبا عبد الله. أسلم بأرض الحبشة عند النجاشي ثم قدم المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -مهاجرا في هلال صفر سنة ثمان من الهجرة. وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفي سنة ثلاث وأربعين في خلافة معاوية . انظر : الطبقات الكبرى ، 7/342
[6] صحيح ابن حبان ، 14/522 برقم (6564 ) ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت 1420هـ ، وقال محققه الشيخ شعيب رحمه الله ((إسناده حسن، محمد بن عمرو: هو ابن علقمة بن وقاص الليثي، وهو حسن الحديث، وأبوه عمرو بن علقمة، صَحَّحَ حديثه الترمذي وابن خزيمة))
[7] هو ربعي بن عامر (1) أدرك النبي (صلى الله عليه وسلم) وشهد فتح دمشق ثم خرج إلى القادسية مع هاشم بن عتبة وشهد فتوح خراسان. انظر: تاريخ دمشق ، لابن عساكر ، 18/49 ، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1415 ه،
[8] تاريخ الطبري ، تأليف محمد بن جرير الطبري ، 3/520 ، ط دار التراث –بيرت 1387هـ