البحث

التفاصيل

الثلج والبرد في القرآن والسنة والإعجاز في ذلك

الرابط المختصر :

الثلج والبرد في القرآن والسنة والإعجاز في ذلك

بقلم: د: أكرم كساب

 

فضيلة الشيخ: ما معنى الودق في قوله: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}، ولماذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم الماء والثلج والبرد في حديثه:" اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ "، وهل كان للنبي صلى الله عليه وسلم ذنوبا حتى يطلب من الله مغفرتها؟ ما قوبكم مشكورين مأجورين؟!

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين..

أما بعد،،،

 

فسأجيب على هذا السؤال - مستعينا بالله بما يلي:

  • الثلج والبرد في القرآن والسنة:

أما البرد فقد ورد في القرآن في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 43]، والمعنى كما قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه يسوق السحاب بقدرته أول ما ينشئها وهي ضعيفة، وهو الإزجاء ثم يؤلف بينه أي يجمعه بعد تفرقه ثم يجعله ركاما أي متراكما، أي يركب بعضه بعضا فترى الودق أي المطر يخرج من خلاله أي من خلله.. تفسير ابن كثير (6/ 66).

وأما في السنة؛ فقد جمع النبي بين الماء والثلج والبرد في موضعين:

1. في دعاء الاستفتاح: روى الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ القِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً - قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً - فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: " أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ ".

2. في دعائه للمتوفى روى مسلم غن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ، اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ - أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ -» قَالَ: (حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ).

 

  • معنى الودق:

أما الودق فقد قيل: البرق، وقيل المطر. تفسير القرطبي (12/ 288).

 

  • لماذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الماء والثلج والبرد؟

وقد ذكر العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين هذه المطهرات الثلاثة في قوله: "اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ" لأمرين:

1. أن هذا من باب المبالغة في التطهير؛ قال النووي: استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب وغيرها. (شرح النووي على مسلم (4/ 193). وقال ابن حجر: قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد تأكيد أو لأنهما ما آن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال. (فتح الباري لابن حجر (2/ 230). وقال ابن رجب: فإنها أمثال، ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنما أراد التوكيد في التطهير... فتح الباري لابن رجب (6/ 373). وقال المباركفوري: جمع بينهما مبالغة لأن ما غسل بالثلاثة أنقى مما غسل بالماء وحده فسأل بأن يطهره التطهير الأعلى الموجب لجنة المأوى والمراد طهرني بأنواع مغفرتك. (تحفة الأحوذي (9/ 328)

2. أن هذا باعتبار الأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل: قال ابن حجر: وقال الكرماني: يحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة، فالمباعدة للمستقبل، والتنقية للحال، والغسل للماضي. انتهى. وكأن تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل. (فتح الباري لابن حجر (2/ 230).

 

ويبدو والله أعلم أن الذنوب أنواع ودرجات، وكذلك الأوساخ والأقذار، وهما سواء:

  1. من الذنوب ما يمحى بقليل عمل كاستغفار وتوبة، ومن الأوساخ ما يطهر بالماء.
  2. ومن الذنوب ما يحتاج إلى كثير جهد، فمع الاستغفار والتوبة يحتاج إلى حسنات ماحية، ومن الأوساخ ما يطهر بالثلج لا بالماء.
  3. ومن الذنوب ما يحتاج إلى ما هو أكثر فهو بحاجة توبة وحسنات ماحية ومصائب مكفرة، ومن الأوساخ ما يحتاج إلى برد ولا يكتفى معه بالماء والثلج.

 

  ولابن القيم كلام طيب في تكفير الذنوب حيث يقول: والتمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء:

  1. بالتوبة.
  2. والاستغفار.
  3. وعمل الحسنات الماحية.
  4. والمصائب المكفرة.

 

وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه وتخليصه... محص في البرزخ بثلاثة أشياء:

  1. صلاة أهل الإيمان الجنازة عليه، واستغفارهم له، وشفاعتهم فيه.
  2. تمحيصه بفتنة القبر، وروعة الفتان، والعصرة والانتهار، وتوابع ذلك.
  3. ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال، من الصدقة عنه، والحج، والصيام عنه، وقراءة القرآن عنه، والصلاة.

 

فإن لم تف هذه بالتمحيص، محص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء:

1- أهوال القيامة.

2- وشدة الموقف.

3- شفاعة الشفعاء.

  1. وعفو الله عز وجل.

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. (1/ 162)

 

إعجاز نبوي:

وهنا إعجاز علمي في هذا التكرار (الماء – الثلج- البرد)، بخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في بيئته ثلج ولا برد، قال ابن عباس عن الثلج: عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الثَّلج شَيْء أَبيض ينزل من السَّمَاء مَا رَأَيْته قطّ. (تفسير السمعاني (3/ 538)).

فإذا علمنا أن الثلج إنما يكون بتجمد الماء عند دركة صفر، وأن البرد إنما يكون في درجة أقل من الصفر، وأن البرد إنما يكون في درجة أقل من الصفر المئوي، وقد ذكر المتخصصون أن بعض الأوساخ تطهر بالماء، وأن بعضها يطهر بالثلج دون الماء وذلك أن الثلج يجعل الجزيئات تتقارب مما يفتت جزيئات الأوساخ، وأن بعض الجزيئات لا تتفتت بالثلج وإنما تتفتت بالبرد، فسبحان من علّم هذا النبي العظيم هذا التدرج في التطهير.

والعجيب أن العلم الحديث أكد هذا المعنى (من جبال) فها هي الكشوفات الحديثة تظهر الشكل الهندسي للغيوم الركامية، والتي تشبه الجبال في تشكيلها.

 

هل للنبي صلى الله عليه وسلم ذنوبا حتى يطلب مغفرتها؟

وقد أثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لكونه أتى من الذنوب ما يحتاج لذلك، إذ الله جل وعلا قد عفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 2].

وفي تفسير قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3].

 

قال القرطبي: فكان صلى الله عليه وسلم يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا. ويحتمل أن يكون بمعنى: كن متعلقا به، سائلا راغبا، متضرعا على رؤية التقصير في أداء الحقوق، لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال.

وقيل: الاستغفار تعبد يجب أتيناه، لا للمغفرة، بل تعبدا. وقيل: ذلك تنبيه لأمته، لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار. وقيل: واستغفره أي استغفر لأمتك. (تفسير القرطبي (20/ 233).

 

وفي الحديث الذي معنا " اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ " ذكر ابن حجر أمرين:

  1. أن هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية.
  2. وقيل: قاله على سبيل التعليم... فتح الباري لابن حجر (2/ 230).

      واالله تعالى أعلم.


: الأوسمة



التالي
المقاصد في خدمة التطبيع
السابق
مريم عليها السلام ودورها في تاريخ الإنسانية

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع