فَهِمْت فلا تُعرض وتنسلخ بل بادر!
بقلم: م. أحمد المحمدي المغاوري (عضو الاتحاد)
هناك رسائل تأتي إلينا من لدُنِ الله توقفنا مع أنفسنا في لحظة صدق مع الله وتلك نعمة، علينا أن ننتهزها.
قال أحدهم لي سيسأل الله من فهم ماذا فعلت بما فهمت وتلك نعمة؟
وقفت مع هذا الطرح.. فأقشعر بدني، لقد فهمت الكثير وعقلت الكثير فماذا فعلت؟!! نظرت إلى حالي مع الله ومع ما تمر به أمتي، لقد أوشكت أن أنصرف عما فهمته وتحركت من أجله خلال فترة حياتي بل وانسلخ منه. يا رب سلم سلم فبادرت أن أكتب مخاطبا نفسي وإياكم.. لعلها بداية عمل حقيقي في لحظة صدق، فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا.. وتلك رسالتي..
(لا تنصرف أخي وتنسلخ) بل سد الثغر، أي ثغر في استطاعتك ان تسده، أن كنت في المقدمة أو في الساقة، بادر وعلى قدر وسعك، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ابذل الوسع والجهد لكن (لا تنصرف) ولنا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة، أحدهم آوى إلى الله فآواه الله وآخر استحيا من الله فاستحيا الله منه والأخير أعرض فأعرض الله عنه، فعن أبي واقد الليثي بينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ إذ أقبلَ ثلاثةُ نفَرٍ ، فأمَّا أحدُهُما فوجدَ فُرجةً في الحلقةِ فدخلَ فيها ، وأمَّا الآخرُ فجلسَ وراءَ النَّاسِ ، وأدبر الثَّالث ذاهبا ، فقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألا أنَبِّئكُم بخبرِ الثَّلاثةِ؟ أمَّا الأولُ فآوَى إلى اللهِ فآواهُ اللهُ ، وأمَّا الثَّاني فاستحيَا فاستحيَا اللهُ منه ، وأمَّا الثَّالثُ فأعرضَ فأعرضَ اللهُ عنه) رواه البخاري.
فإياك أن تنصرف عن ثغرك وتُعرض، وحذار من قول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) سورة طه 124- 126.
فمن رزقه الله الفهم فليتحرك وليعمل بما فهم، فقه الصحابة رضوان الله عليهم ذلك حين وقفوا مع قول الله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) الرعد 29. مباشرة لم يفكروا لحظه فعملوا ، إنه العمل الذي يحتاج إليه واقعنا المرير.
ومشكلتنا أنه كَثُر الحُفَاظ والعلماء وقل العمل.. لم تأت آية في القرآن فيها الإيمان إلا وكانت معها العمل، فالعمل العمل لا تنصرف أخي، فالأمة كثرت ثغورها وأعداؤها الأكلة متكالبون عليها فلا تتولى وتنصرف وتيأس، فحينئذ انت الخاسر قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) فلا تمل ولا تقل انتهى كل شيء، لا بل بادر، فلن يسألنا الله على النتائج ولكنه يسألنا ماذا عملنا بما علمنا وما فهمنا وتلك مسؤولية،
فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: (بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر) فأعمل وسُد الثغر، ونحن على هذا الحال نسأل الله الإخلاص والقبول،
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله (قف على الباب واطرق ولا تمل الطرق يوشك أن يفتح لك).
فلا تنصرف وتنسلخ تكبرا أو يأسا أو ضعفا أو كسلا أخي فالحق له رجاله قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175 الأعراف،
وقال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الاعراف 146.
ركز وفكر في ثغر هو بين يديك ولا تراه فسل الله ان يوفقك له ويريك إياه والحق بالركب ولنا في قول نوح عليه السلام مناديا ابنه (يا بني اركب معنا) فالركب الركب مع قوافل العاملين المخلصين.. فقط ركز وبادر قبل ان تُبادر وابشر فسننال الوُد والرحمة من لدن الله. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا) مريم 96.
(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين) امين..
فحيهلا أُحبكم في الله.