الرابط المختصر :
مجالس مع العلامة الطاهر بن عاشور(1)
بقلم: الدكتور أحمد مختار لوح - عضو الاتحاد
يصنف الإمام الأعظم الطاهر بن عاشور على قائمة آخر العمالقة الذين عرفتهم المؤسسة التعليمية الجامعية الأولى في الحضارة الإسلامية ، جامعة الزيتونة العريقة قبل أن تطالها يد التلاعب والتخريب تحت مسميات التحديث والتطوير ؛ فهو بلا شك أحد عباقرة الأصول والحديث والبلاغة والتفسير؛ يقدم إليك القرآن الكريم على طبق شهي من فنون العلم ودرره ونكته ، تتجلى فيه كلياته التشريعية ومقاصده العامة ، وما احتوت دفتاه من متممات مكارم الأخلاق التي أجمعت عليها الشرائع والنظم، فضلا عن سائر العلوم التي تكون مجتمعة الحلقة الذهبية في المسطرة الإسلامية.
وقد حدد شيخنا معالم هذا المنهج في مقدمة تفسيره بأسلوب متأدب ممتع مؤنس ينسيك جمال ألفاظه ورعة أسلوبه دقه معانيه ومغزى إيحاءاته "فجعلت حقا علي أن أبدي في تفسير القرآن الكريم نكتا لم أر من سبقني إليها وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها ، فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ماله من نفاد.." "وقد لاحظ ابن عاشور ما وقع فيه عدد من المشتغلين بتفسير معاني كلام الله من زلات منهجية يؤاخذون عليها ، وهي ناجمة في الأساس عن إفراط في تقديس الموجود ، أو تفريط في حقه، وفي كليهما ضر كبير يعمي صاحبه عن نشدان الحق ، والتسليم بنتائجه دون مكابرة أو جحود.
"ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون ، وفي كلتا الحالتين ضر كثير".
ها هوذا العملاق المجدد مولانا ابن عاشور في تفسيره الجامع الذي اشتهر على الألسنة بالتحرير والتنوير اختصارا لعنوانه الطويل: تحرير المعنى السديد ، وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد .. نحس – نحن صغار طلاب العلم وأزجاهم بضاعة في ميدان التحرير والتحقيق – أننا نقف مشدوهين أمام هذا السفر الجليل ، نقدم رجلا ونؤخر أخرى حين تسول لنا النفس الإقدام على إنتاج دراسة تكشف لزملائنا طلاب العلم وطالباته القيمة العلمية والمنهجية لهذه الموسوعة القرآنية الشامة ، وضرورة إنجاز العديد من الدراسات الجادة التي تكشف المغطى من كنوزها ودررها ككشف صاحبنا –رحمه الله – المغطى من ألفاظ الموطأ.
وإلى الحلقة القادمة.