الرابط المختصر :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد في الأولين والآخرين، إمام المتقين، وخاتم النبيئين والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلسلة إضاءات إيمانية
عبد الكامل أوزال – عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
1. موضوع التربية في القرآن الكريم
إن تنزيل القرآن الكريم بشارة تربوية من رب العالمين للناس كافة. به يهتدي العباد للنور الذي أرشدهم إليه الحق جل وعلا. وبه يستبينون الطريق الصحيح، يقول تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا﴾ الإسراء: 09. ويقول عز وجل: ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا﴾ الشورى: 49. كما جعل الله رسوله صلى لله عليه وسلم هاديا إلى صراطه المستقيم، فقال تبارك وتعالى: ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور﴾ الشورى: 50. لذلك يرتبط جانب الهداية بالتربية ارتباطا وثيقا، لأن بالتربية يستقيم أمر الهداية على الطريق المستقيم الذي رسمه الله تعالى للعباد، وأمر نبيه المصطفى ﷺ بتبيان علاماته ومسالكه المؤدية إليه، وتوضيح الأسباب والعوامل التي تساعد الإنسان المسلم على الاستمرار في السير فيه، والوسائل الميسرة للنجاة من الزيغ أو الانحراف عنه إلى طرق الضلال المهلكة، خاصة وأننا نعيش اليوم زمن الفتن المتنوعة، والمتعددة التي جعلت عامة المسلمين في هذا الوقت العصيب يبتعدون عن أصول الدين الحنيف كما جاءت في القرآن الكريم وسنة نبينا محمد ﷺ. بل إن الله تعالى يبين لنا ذلك ويحذرنا أن نقع فيه، يقول تعالى: ﴿ولئن اتيت الذين أوتوا الكتب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين﴾ البقرة: 144. ويقول جل وعلا في سياق آخر: ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير﴾ البقرة: 119. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن. وفي سنن أبي داود عن ثوبان، قال رسول الله ﷺ: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حبّ الدنيا وكراهية الموت).
من خلال هذه النصوص النقلية الشرعية يتبين بوضوح أن التربية مدخل أساسي للثبات على طريق الله القويم ومسلك للنجاة في الدنيا من المهلكات التي كثرت أنواعها، وتعددت أساليبها ولم تعد تتضح معالمها للناس، لبعدهم عن الأصول الحقة التي أثبت الله دعائمها في كتابه العزيز، وفصّلها النبيﷺ في سنته المطهرة. من هاهنا يكون الإنسان فردا وجماعات موضوعا رئيسيا لهذا المدخل الذي هو التربية، على كافة المستويات والأبعاد التي تشكل بنية هذا الإنسان العقلية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والروحية والجسمية والفكرية. فبالتربية يهتدي الإنسان ويصلح حاله على المستويين الخاص والعام، وتطيب نفسه فلا يصاب بالعاهات والعقد النفسية، ويستقيم على صراط الله العزيز، وينضبط وفق منهاجه القويم. يقول الرسول ﷺ في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض» ).
في ضوء هذا المنظور، فإن القرآن الكريم يربي هذا الإنسان على أن يكون حبله موصولا دائما بحبل الله تعالى في سائر الأحوال التي يوجد عليها. كما يربي القرآن هذا الإنسان ذاته على الاعتبار بالأمم السابقة التي مرت على وجه الأرض، ثم انتهت إلى ما سوف تنتهي إليه الخلائق كلها. يقول تعالى: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب البقرة: 214. ويقول جل وعلا: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾ آل عمران:142.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفتح بصائرنا على ما في كتاب الله من هدى وتقى وصلاح، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة. وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
يُتْبــــــــع
[1]- صحيح مسلم بشرح النووي: مسلم بن الحجاج، ج.8، تحقيق وتخريج: عصام الصّبابطي وحازم محمد وعماد عامر، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم الحديث: 2669، دار الحديث، ط.4، القاهرة، 1422ه – 2001م، ص.472
[2] - سنن أبي داود: للإمام أبي داود سليمان السجستاني، ج.6، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد كامل قرْبللي، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم الحديث: 4297، دار الرسالة العالمية، دمشق، 1430ه – 2009م، ص. 354.
[3]- صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام مسلم بن الحجاج، ج.7، المصدر السابق، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، رقم 1920، ص. 74.
[4]- المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج. 1، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ، كتاب العلم، رقم الحديث: 319، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1422ه – 2002، ص. 172.