بيــان
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بشأن الحوادث المؤسفة في سامراء وسائر أنحاء العراق
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،
فقد فوجئ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ الذي يمثل علماء الأمة بكل مذاهبها ـ بما وقع في وطننا العربي المسلم العزيز: العراق، وفي مدينة سامراء، من تفجير لقبة مرقد الإمام علي الهادي رضي الله عنه، وهو حادث غريب في نوعه، وفي وصفه، وفي توقيته، ويحمل علامات استفهام كبيرة: من الذي فعله؟ ومن المستفيد منه؟ وماذا قصد من ورائه؟
ومن المعروف: أن المرقد في منطقة سنية، وسدنته من أهل السنة، وأوقاف أهل السنة هي المسؤولة عنه، فلا يعقل أن يقوم أهل السنة في العراق بتفجير المرقد الذي حرسوه مئات السنين!
فمن ذا يكون وراء هذا التفجير؟
ومن خطط لهذه المكيدة الكبيرة ونفذها بدهاء وإحكام؟
إن الذي فعلها لا يريد خيراً بالعراق، ولا بأهل العراق، لا بأهل السنة، ولا بالشيعة، بل يريد إشعال النار، وإيقاد الفتنة التي تأكل الأخضر واليابس، ولا تصيب الذين ظلموا خاصة.
وها نحن رأينا رد الفعل الغاضب من الشارع الشيعي، عدواناً على أكثر من مائة وثمانية وستين مسجداً من مساجد السنة، ومقتل بعض الأئمة، وآخرين في أنحاء العراق، يتكاثرون ساعة بعد ساعة. ولا تزال دماء الأبرياء من أهل السنة تراق هنا وهناك بلا رحمة ولا حساب؛ رغم استنكار زعماء السنة جميعاً دينيين وسياسيين هذا التفجير. وإننا لنخشى أن يرد الشارع السني على العدوان بمثله، فيتطاير الشرر، ويتفاقم الخطر.
وهذا مسلسل خطير إذا بدأ فلن ينتهي، وهو ينذر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، لا يستفيد من ورائها سني ولا شيعي، بل المستفيد الحقيقي هو الاحتلال الأمريكي الجاثم، والعدو الصهيوني المتربص، وأعداء الإسلام في كل مكان. والخاسر هو الشعب العراقي.
لقد أنكرنا كل اعتداء على رموز الشيعة وعلى مقدساتهم، أنكرنا قتل السيد باقر الحكيم، وأنكرنا الاعتداء على العتبات المقدسة في النجف، وننكر اليوم كل الإنكار ما وقع من اعتداء على مرقد الإمام الهادي، أيا كان فاعله، ونحذر العراقيين سنة وشيعة من أن يقعوا فريسة لهذه المكايد الكبيرة. ونحن نكرر اليوم الإنكار والتحذير، ونذكر أن الاعتداءات على المساجد والمراقد والعلماء والمسلمين عامة ـ وهم معصومو الدم ـ يحرمه الإسلام بكل مذاهبه وفي الحديث: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم بغير حق».
وإن اتحاد العلماء ليثمن نداء المراجع الشيعية الكبيرة: السيد السستاني ومن معه من آيات الله، إلى الطائفة الشيعية: أن يتصفوا بالحكمة والهدوء، ولا يستجيبوا لداعي الغضب والانفعال، ولا يصبوا نقمتهم على مواطنيهم من أهل السنة.
كما يقدر الاتحاد مقولة السيد مقتدى الصدر في تحميل الاحتلال المسؤولية الأولى.
لقد عاش العراقيون قروناً طويلة، يستظلون بظل الأخوة الدينية، والرابطة الوطنية، والوشيجة العشائرية، ولم يعرفوا العصبية الحادة، ولا الحقد الأسود؛ الذي عرف لدى غيرهم. فما الذي طرأ عليهم؟ وما الذي غيّر من سلوكهم؟ إلا أن تكون هناك أيد خفية تعمل على إثارة الفتنة الطائفية، وتنتفع من ورائها.
إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: يدعو الحكماء والعقلاء من أبناء العراق ـ سنتهم وشيعتهم ـ أن يتداركوا الموقف قبل فوات الأوان، وخصوصاً كبار العلماء والمشايخ من الفريقين، وبالأخص: آيات الله في العراق وإيران ولبنان، فعليهم تقع المسؤولية الأولى أمام الله، وأمام الشعب، وأمام التاريخ. والواجب عليهم أن يلتقوا على كلمة سواء، وأن يخلصوا النية لله. ويحرصوا على إصلاح ذات البين، ويجعلوا الإسلام فوق المذهب، والوطن فوق الطائفة، والمصلحة الدائمة فوق المنفعة الطارئة، وأن يعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، وأن يقاوموا دعاة الفتنة والفرقة، وأن ينكروا كل تجاوز في الدماء والأموال والحرمات من كل طائفة لأخرى، ولاسيما من الشيعة الذين بيدهم السلطان اليوم، وأن يطالبوا جميعاً برحيل الاحتلال، فلولاه ما حدثت هذه المآسي كلها. وعلى الجميع أن يتنادوا للدعوة إلى وحدة أهل القبلة، والكف عمن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يذكروا وصية رسولهم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».
ألا هل بلغنا اللهم فاشهد.
تحريراً في: 24 من المحرم 1427 هـ
23/2/2006م
أ.د. محمد سليم العوَّا أ.د. يوسف القرضاوي
الأمين العام رئيس الاتحاد