الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
مؤتمر سمات الخطاب الإسلامي
القاهرة 28: 29 يوليه 2011م
البيان الختامي والتوصيات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ..."
أما بعد،،،
فقد عقد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة فضيلة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وتحت رعاية الأزهر الشريف مؤتمر "سمات الخطاب الإسلامي" بفندق جراند تاور بالقاهرة في الفترة من 27: 28 شعبان 1432 الموافق 28: 29 يوليو 2011م
وكان من أهداف المؤتمر الوصول إلى مشروع متوازن موحد للخطاب الإسلامي، وذلك عن طريق تفعيله وإجلاء مقاصده ومعالمه وبيان وسائله لتوجيه الأمة الإسلامية لأداء دورها الحضاري والتنموي، وأداء رسالتها القائمة على الرحمة للعالمين في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها.
وقد حضر المؤتمر كوكبة من علماء الأمة يتقدمهم الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والأستاذ الدكتور حسن شافعي رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر، ممثلا عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، والشيخ الأستاذ راشد الغنوشي الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفضيلة الأستاذ الدكتور عصام البشير الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأمين المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، والأستاذ الدكتور نصر فريد واصل رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مصر ومفتي الديار المصرية الأسبق، والأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية، والأستاذ الدكتور علي شلبي نائيا عن فضيلة مفتي الديار المصرية، بالإضافة إلى ممثلي الحركات والجماعات الإسلامية.
وقد ألقى كل من هؤلاء الأعلام كلمات ترحيب مقدما فيها رؤيته للمؤتمر في رسم ملامح الخطاب الإسلامي في المرحلة الراهنة.
ففي كلمته نقل فضيلة الأستاذ الدكتور علي القره داغي تحيات العلامة الإمام "شيخ الثائرين" الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مشيدا بالربيع العربي عموما وبالثورة المصرية خصوصا ودور مصر الرائد في المنطقة والعالم، وبخاصة في قضية القدس الشريف والتي يستبشر الجميع خيرا لها بعد الثورة المصرية.
ثم أكد على طبيعة الخطاب الإسلامي السلمية، وعلى أهمية "عصرنته" مع الحفاظ على ثوابته مشددا على ضرورة أن تتحقق فيه شروط منها البصيرة والحكمة والموعظة الحسنة والترحيب بالحوار، وأهمية فقه الأولويات في هذه المرحلة وفقه التجديد والإصلاح موضحا أن على الدعاة والحركات الإسلامية بيان ما هو من أولويات هذه المرحلة، ولاسيما في مجال التنمية وتحقيق مطالب الشباب في التقدم والرفاه، ومؤكدا على أن أهم أهداف هذا المؤتمر هو نشر الوعي بالتحديات المعاصرة حتى لا تسرق الثورة المصرية من أصحابها، مسلمين ومسيحيين.
وأكد فضيلته على عشر ضوابط أساسية ذكرها شيخنا القرضاوي وهي:
أن ينتقل الخطاب :
- من الشكل والمنظر إلى الحقيقة والجوهر
- من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل
- من العاطفة والغوغائية إلى العقلانية والعلمية
- من الفروع والذيول إلى الرؤوس والأصول
- من التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير
- من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد
- من التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق
- من الغلو والانحلال إلى الوسطية والاعتدال
- من العنف والنقمة إلى الرفق والرحمة
- من الاختلاف والتشاحن إلى الائتلاف والتضامن
ثم رحب فضيلة الأستاذ الدكتور حسن شافعي بالحاضرين ناقلا لهم تحيات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، مؤكدا على دور الأزهر والعلماء في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الشعوب العربية والإسلامية، وذلك من حيث الحفاظ على نبع العلم الشرعي الصافي والالتفاف حول مظلة الأزهر الجامعة التي تركز على مبادئ الإسلام وتعلو على التفاصيل السياسية والحزبية، ناصحا شباب العلماء بأخذ العلم الشرعي من أهله لا من الكتب وحدها.
أما فضيلة الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل فقد أكد على الدور الجديد الذي يؤديه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الساحة المصرية، مشددا على حاجة المصريين لكل الجهود المخلصة في هذه المرحلة الحساسة من حياة المصريين.
ثم ألقى الأستاذ الدكتور عصام البشير كلمة ذكر فيها أنه من الخطأ في ميزان الإسلام انشغال التيارات الإسلامية بالتنافس السياسي بعد الثورات على حساب الدور الدعوي والخيري، مؤكدا على أهمية التعريف الدقيق للمصطلحات ومراعاة الظروف التي تتعلق بالشريعة وتطبيقها في واقع الناس مشددا على ضرورة الإعداد التربوي والفكري للمجتمع، وفقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي اهتم ببناء الساجد قبل بناء المساجد.
وقد وضع المؤتمر أهدافا تغيا تحقيقها من خلال محاوره المختلفة التي قدم فيها عدد من الباحثين أوراقا بحثية طبعها الاتحاد في مجلد تم توزيعه ومناقشته في المؤتمر، هذا بالإضافة إلى جلسة خاصة لمختلف التيارات الإسلامية العاملة في الساحة المصرية حيث توزعت محاور المؤتمر الرئيسة وتوصياتها وفق الآتي:
أولا: محور الخطاب الإسلامي والمرأة
وقد استهدف هذا المحور بيان دور المرأة والأسرة في الإسلام وإزالة الشبهات حول هذا الدور في المجال الفكري والتشريعي، وتلخصت أهم توصياته فيما يلي:
- يؤكد المؤتمر على أن نظرة الإسلام للمرأة نظرة إنسانية سامية تقوم على أساس التوازن الكامل وتوزيع الأدوار بدقة بين ركني المجتمع "الرجل والمرأة"، وأن الإسلام قد سبق كل القوانين والنظم في منح المرأة كل حقوقها وفق هذا المنهج المتوازن.
- يطالب المؤتمر الدول الإسلامية بإعادة النظر في اتفاقيتي "السيداو" و "حقوق الطفل" وفقا للمادة 26 في كل من الميثاقين سالفي الذكر.
- يطالب المؤتمر الدول الإسلامية بتنقيح قوانين الأسر فيها من كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
- يطالب المؤتمر المجتمعات الإسلامية بضرورة الحفاظ على الأسرة وتماسكها وحمايتها من التفكك مؤكدا على ضرورة وجود "صندوق إسلامي" لتحقيق هذا الهدف.
- يوصي المؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتبني ميثاق الأسرة في الإسلام وكذلك ميثاق الطفل في الإسلام الذين صدرا عن اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، لتأخذ طابعا عالميا وتتم ترجمتهما إلى اللغات العالمية ونشرهما.
- يوصي بضرورة تنقية التراث ومراجعة بعض الخطابات المعاصرة التي تهضم حقوق المرأة الشرعية، مع مراعاة أن سلف الأمة كان لهم اجتهاداتهم وفق سياقاتهم الاجتماعية والتاريخية.
ثانيا: محور الإسلام والآخر
وقد استهدف المؤتمر من خلال هذا المحور توضيح رؤية الإسلام السمحة للتعامل مع الآخر أيا كان مذهبيا أو عرقيا أو دينيا أو سياسيا، وتلخصت أهم توصياته فيما يلي:
- يؤكد المؤتمر على أن الإسلام يتضمن منظومة متكاملة من المبادئ والقواعد الكلية في تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم بحيث تحقق لغير المسلمين حقوق المواطنة بالكامل كما يؤكد على أن الحوار بالأحسن هو الطريق الوحيد لإزالة الخلافات إن وجدت
- يشدد المؤتمر على أن وحدة المسلمين وخاصة الحركات والجماعات الإسلامية هي الطريق الوحيد للانطلاق نحو الآخر والحوار معه حوارا مجديا ومحققا للنتائج المطلوبة، مؤكدا على أن وحدة المسلمين فريضة شرعية وضرورة واقعية، ومن هنا يندد المؤتمر بكل محاولات زعزعة هذه الوحدة، وإثارة الفتنة بين المسلمين.
- يوصي المؤتمر بضرورة التفرقة بين ما يطلق عليه "حوار الأديان" الذي قد يحمل في طياته نوايا وأجندات استعمارية، وبين "حوار أهل الأديان" الذي يبحث عن أسس مشتركة للتعايش والتعاون.
- يوصى المؤتمر المسلمين بأهمية الإقرار بالاختلافات القومية والعرقية والدينية كسنة من سنن الله في خلقه، والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالفين.
- يوصي المؤتمر بعدم تعميم الأحكام على الآخرين، وتعزيز سبل الحوار والتعايش معهم في حدود الحرية الدينية والبعد عن الصراع والتناحر.
- يوصي المؤتمر بتعميق فقه المواطنة في دوائر البحث الإسلامية على أساس أن "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وعلى التساوي في الحقوق والواجبات
- يوصي المؤتمر الإسلاميين المشتغلين بالسياسة بضرورة فتح آفاق الحوار مع الآخر السياسي من كل الأطراف والوصول إلى قناعات مشتركة انطلاقا من أرضية وطنية يتفق عليها الجميع.
ثالثا: محور الخطاب الإسلامي الدعوي
وفي هذا المحور استهدف المؤتمر محاولة توجيه الخطاب الدعوي إلى قواسم مشتركة مع توظيف الوسائل المعاصرة لتفعيله، وقد تلخصت أهم توصياته فيما يلي:
- يوجه المؤتمر إلى أهمية التأصيل الشرعي للخطاب الدعوي الإسلامي ومراعاة الأولويات فيه، ومدارسة سير الأئمة والسلف الصالح.
- يوصي المؤتمر بتوظيف مستجدات التكنولوجيا المعاصرة في تطوير وسائل الاتصال الاجتماعي والجماهيري بأنماطها المختلفة.
- يوصي المؤتمر الدعاة بضرورة الوعي بأنهم ليسوا قضاة ولا ولاة على الناس، والوعي كذلك بنسبية مجال العمل الدعوي والاجتهاد الفقهي والفكري، على الرغم من شمولية الإسلام نفسه.
- يحذر المؤتمر الدعاة من أمراض تصيب بعضهم كالنشوة والاستعلاء والعناد والغرور بالكثرة والتقليل من شأن الآخرين، وبخاصة من ذوي الفضل من أهل العلم والدعوة.
رابعا: المحور الفقهي والسياسي والتنموي
وفي هذا المحور استهدف المؤتمر الدعوة إلى ضرورة العناية بمقاصد الشريعة الإسلامية في توجيه الخطاب الإسلامي من حيث ربطه بالتنمية الشاملة وتجديد الخطاب الإسلامي السياسي، وقد تلخصت أهم توصياته فيما يلي:
- يؤكد المؤتمر على أن الإسلام دين شامل للحياة كلها بما فيها السياسة والاقتصاد، موضحا أن هذا الشمول لا يعني منع العقل من أداء دوره الاجتهادي في مجالات النصوص الظنية، ومنطقة العفو الواسعة جدا، وهكذا يجمع الفقه الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة ويرحب بكل قديم صالح وبكل جديد نافع
- يوصي المؤتمر بضرورة تحديد المفاهيم والمصطلحات والضوابط في الخطاب الفقهي المعاصر خاصة فيما يتعلق بالفقه السياسي وقضايا الأقليات الإسلامية.
- يوصي المؤتمر بالتوسط في قضية التمذهب الفقهي بين من يغالي فيجعله واجبا شرعيا، وبين من يهمله أو يرفضه، مؤكدا على القاعدة الفقهية والدعوية القاضية بأنه لا إنكار في المختلف فيه، ولا حكم بالبدعة لرأي قال به عالم ثبت.
- يوصي المؤتمر بتوجيه الخطاب الإسلامي إلى قضايا التنمية المستدامة، وإعطاء الأولوية في مصر للقضايا الزراعية والصناعية والحرص على التفوق التجاري وفي مجال التنمية البشرية مؤكدا على أن الإسلام يتضمن منظومة متكاملة في مجال الاقتصاد والسياسة وغيرها، تحقق التنمية الشاملة والرقي والازدهار.
- يوصي المؤتمر بالاهتمام بعلم مقاصد الشريعة، والبحث في أثره على القضايا الفقهية المعاصرة وضوابط إعماله في الاجتهاد الفقهي والأصولي والفكري.
- يوصي المؤتمر بإبراز منظومة القيم الإسلامية في الفقه السياسي تدعيما لممارسة سياسية راشدة، تواكب تطلعات الجماهير وآمالها نحو حياة سياسية جديدة مطالبا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتقديم وثيقة "دستور" تمثل المبادئ والقيم الإسلامية في علاقة الراعي بالرعية ومعالم الحكم الرشيد.
جلسة خاصة للتيارات الإسلامية المصرية
وأما الجلسة الخاصة بالتيارات الإسلامية المصرية فقد عقدها الاتحاد انطلاقا من اهتمامه بمركزية مصر الإسلامية، وأهمية دورها على مستوى العالم الإسلامي بل والعالم أجمع، وحضر فيها ممثلون عن تيارات إسلامية رئيسية في مصر، وهي: الأزهر الشريف، وجماعة الإخوان المسلمين، والدعوة السلفية، والجماعة الإسلامية، والجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة، والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
وقد استهدفت الجلسة الوصول إلى قناعات مشتركة وميثاق شرف للتعاون وفق أهداف تنطلق من السقف الذي يحتمله الوطن وليس بالضرورة الذي يريده المتحمسون للفكرة الإسلامية،
وقد عرض ممثلو تلك التيارات لوجهات نظرهم حول المبادئ المشتركة التي يمكن أن يجتمع عليها العاملون في الحقل الإسلامي، ورؤيتهم لطبيعة دورهم في الساحة والمجالات التي يتخصصون فيها، وشاركهم عدد كبير من علماء الأمة ومفكريها بمداخلاتهم البناءة.
وقد سادت الجلسة روح من الأخوة والحرص على مصالح الأمة العليا، ثم أقر المجتمعون مجموعة من التوصيات أهمها ما يلي:
- تكوين لجنة مؤقتة (أو مجلس) لمتابعة سبل التناصح والتعاون بين العاملين في الحقل الإسلامي، وتم الاتفاق على أن أعضاءها هم الأخوة الحاضرون الممثلون للتيارات المختلفة إضافة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ممثلا بأمينه العام بصفته راعيا لتلك المبادرة، وكذلك الأزهر الشريف باعتباره مرجعية علمية عامة لكل المسلمين غير منتمية لفصيل سياسي بعينه.
- الاتفاق على ميثاق شرف يقوم على ما يأتي:
- الحرص الشديد على كل ما يحقق وحدة الدين ووحدة الأمة، وترك كل ما يؤدي إلى الاختلاف الذي يضر بها.
- العهد مع الله في إقامة الإخلاص والعدل.
- الالتزام بالموضوعية وعدم التجريح للمخالفين أفرادا ومؤسسات.
- الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي الوطني.
- الالتزام بالمنهج السلمي فكرا وممارسة.
- توحيد المواقف إزاء القضايا الكبرى والمصيرية للأمة
- ضرورة توعية الأعضاء والأتباع في كل جماعة بأدب الخلاف والتعامل مع الآخرين
- تجنب التراشق على مستوى الإعلام، أو الانجرار إلى معارك يفتعلها الآخرون
- مراعاة الأولويات الشرعية في الخطاب والتطبيق.
وفي الختام يجدد المؤتمر تهانيه بنجاح الثورة المصرية، داعيا لها بأن يحقق الله تعالى مقاصدها وأهدافها... كما يتقدم المؤتمر بجزيل الشكر والتقدير لمصر شعبا وحكومة على تسهيل انعقاد المؤتمر، وكذلك للأزهر الشريف على رعايته الكريمة، ولكل من ساهم في إعداده، ولجميع وسائل الإعلام التي شاركت في نقل فعاليات المؤتمر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين