بيان بشأن موقف بابا الفاتيكان من الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
فقد تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين متابعة مستمرة المواقف التي صدرت عن بابا الفاتيكان منذ ألقى محاضرته في إحدى الجامعات الألمانية بتاريخ 19 من شعبان 1427هـ = 12/9/2006م.
ولاحظ الاتحاد أنه على الرغم من إتاحته الفرصة للبابا لحذف الكلام الباطل المسيء للمسلمين ولدينهم، ولكتابهم، ولنبيهم صلى الله عليه وسلم، وإعلان الاتحاد على لسان رئيسه فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي وأمينه العام الأستاذ الدكتور محمد سليم العوَّا عدة مرات عدم الحاجة إلى اعتذار البابا، لأن الاعتذار بعد الإساءة لا يقدم ولا يؤخر، والاكتفاء بحذف الكلام المذكور من النص الرسمي للمحاضرة، فإن هذه الدعوة لم تجد أذنًا صاغية.
واكتفى البابا في كل مرة تكلم فيها بالإشارة إلى أسفه لسوء فهم كلامه أي إنه يتهم المسلمين، الذين غضبوا لدينهم ولكتابهم ولنبيهم صلى الله عليه وسلم، بعدم الفهم. وكرر غير مرة أن النص المنقول عن إمبراطور بيزنطي أرثوذكسي (يعتبره البابا غير مسيحي) لا يعبر عن وجهة نظره، مع أن المحاضرة كلها مبنية من أولها إلى آخرها على كلام هذا الإمبراطور؛ الأمر الذي يقطع بأن البابا يقصد تبني ما نقله عنه والبناء عليه وتأكيد معانيه الفاسدة في أذهان سامعيه وهم العالم الكاثوليكي كله.
وقد لاحظ الاتحاد أن جميع أحاديث البابا التي تناولت موضوع محاضرته وما جاء فيها من إساءة للإسلام أشار فيها إلى الأديان، وأشار إلى المسلمين، ولم يذكر ولو مرة واحدة دين الإسلام. وإذا كان الاتحاد يفهم موقف الكاثوليكية من سائر الأديان والمعتقدات فإنه لا يمكن أن يتقبل إخراج الإسلام وحده من زمرة ديانات العالم الكبرى (التي لا تؤمن الكاثوليكية بأنها أديان) ثم ذكر هذه الأديان على سبيل الجمع وذكر المسلمين كجماعات وشعوب لا كأصحاب دين ولو أنكره الفاتيكان.
وقد فوجئ الاتحاد بأن البابا، عندما التقى أمس الاثنين 2 من رمضان 1427هـ = 25/9/2006م بسفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى الفاتيكان، لم يذكر محاضرته بكلمة، واكتفى بالدعوة إلى الحوار باعتباره ـ كما يزعم ـ ضرورة للمستقبل.
والاتحاد يعلن، في ضوء ما سلف كله، أن الحوار الذي يدعو إليه البابا غير ممكن ولا معقول، إذ إن القرآن الكريم يقول: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46]. ونحن ظُلمنا على لسان البابا ظلماً شديداً لا يرفعه ما قاله في لقائه مع السفراء.
بل إن القرآن الكريم ينهى المسلمين عن الجلوس مع من يسخر من كتابهم فيقول:﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾ [النساء:140].
لذلك قرر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عدم إجراء أي اتصال من أي نوع مع الفاتيكان، أو المؤسسات الممثلة له، أو مندوبيه لدى الدول العربية والإسلامية، وفي سائر أنحاء العالم، إلى أن يصدر من البابا موقف جديد يجعل احتمال الحوار البناء المجدي قائمًا، والاتحاد يعلن هذا القرار للعالم الإسلامي داعيًا المسئولين الدينين والسياسيين إلى اتخاذ الموقف الذي يمليه عليهم دينهم وضميرهم وكرامة أمتهم واعتزازهم بالانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه. وهذه المقاطعة الثقافية هي أقل ما يجب على المسلمين عمله إزاء الإصرار المستمر على عدم الرجوع إلى الحق، والاستكبار الواضح عن حذف العبارات الباطلة المسيئة للمسلمين من محاضرة البابا.
ويهم الاتحاد أن يذكِّر البابا، والمسيحيين كافة، بما وصف به القرآن الكريم أحبار النصارى وعوامَّهم في قوله تعالى ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 82-83].
إن أقل ما يتوقعه المسلمون من المسيحيين هو مثل هذا الإنصاف الذي بغيره لا يمكن أن تقوم علاقة صحيحة بين الفريقين، ولا أن يؤدي أي حوار إلى ثمرة صالحة.
والحمد لله رب العالمين،
الأمين العام
أ.د. محمد سليم العوَّا رئيس الاتحاد
أ.د. يوسف القرضاوي