اتحاد العلماء يرحب بتمسك البابا بالحوار
رحب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فى ختام الاجتماع الثالث للمجلس بإعلان البابا بنديكت السادس عشر التزامه بمواصلة الحوار بين الأديان الذي بدأه أسلافه السابقون. واعتبر الاتحاد البيان الذي أذيع السبت 14-5-2005 أن مثل هذه الدعوات تمثل إسهاما في استتباب السلام في أوربا والعالم الإسلامي.
وفيما يلي نص البيان:
البيان الختامي للاجتماع الثالث لمجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
4 – 5 ربيع الثاني 1426هـ /12- 13 أيار/مايو 2005
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبيّنا محمد، وعلى سائر إخوانه من النبيّين والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين. وبعد..
فإنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بمناسبة اجتماع مجلس أمنائه في العاصمة اللبنانية بيروت قد رأى من واجبه في هذه الظروف التي يمرُّ بها العالم بأسره والمسلمون خاصّة، واستحضارا لمسؤولية العلماء في إسداء النصح للأمّة حكّاما ومحكومين أن يبيِّن الأمور التالية:
أولا: إنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينبِّه الأُمّة إلى الخطر الداهم الذي يواجهه المسجد الأقصى المبارك، بتهديد العصابات الصهيونية المتطرِّفة بمهاجمته واحتلاله بحجّة الصلاة فيه، تمهيدا لما يبيِّتونه من نوايا خبيثة، تنتهي بهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه. ويؤكّد الاتحاد ما دعت إليه المؤسسات العاملة للقدس في بيانها حول هذا الموضوع، من ضرورة حماية المسجد الأقصى الشريف من هذه المؤامرة الصهيونية الجديدة، ويُعلن أنّ هذه الحماية واجب الحكومات والشعوب والجمعيّات والمؤسسات الإسلامية والإنسانية كافّة؛ بحيث يصبح فرضَ عينٍ على كلّ مسلم أن يهبَّ ليبذل النفس والنفيس فداءً للمسجد الأقصى ودفاعا عنه. ويطالب الاتحاد علماء الأمّة ودُعاتها ومفكِّريها ومثقَّفيها في كل مكان أن يقوموا بواجبهم في تنبيه الأمّة إلى هذا الخطر المُحدِق بالمسجد الأقصى، وهذه المحاولات الدائبة للعدوان عليه، وأن يعملوا على تعبئة قوى الأمّة لتقف صفا واحدا كالبنيان المرصوص في مواجهة هذه المؤامرة الصهيونية الشرِّيرة.
ويهيب الاتحاد بالدول والهيئات المعنية أن لا تساند العدوان على حقوق المسلمين ومقدّساتهم، وذلك إحقاقا للحقّ وحرصا على مصالحها وعلاقاتها بالعالم الإسلامي.
ثانيا: إنّ الانتفاضة المباركة والمقاومة الفلسطينية الباسلة تمثِّل واحدةً من أنبل مواقف هذه الأمَّة في القديم والحديث، وهي ممارسة مشروعة لحقّ مقاومة الاحتلال الذي يقرّره الإسلام وسائر الشرائع الدينية، كما تنصّ عليه كذلك هيئة الأمم المتحدة في قراراتها المتوالية. ومن الواجب على كلّ مسلم أن يقدِّم لها ما يستطيع من دعم. وهي تستحقُّ التهنئة والثناء على ما أبدته ولا تزال تبديه من وعي عميق، واتِّزانٍ في التعامل مع الآخر، وحرصٍ على تجنُّب أي خلاف يفرِّق الصفّ الفلسطيني من الداخل أو الخارج. ويشدُّ الاتحاد على أيدي المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها، في تحريمها الدمّ الفلسطيني بعضها على بعض، وفي تمسِّكها بالثوابت الإسلامية والوطنية في الشأن الفلسطيني، ويدعوها إلى الثبات على هذا الموقف حتّى يتحقّق النصر والتحرير بإذن الله.
ثالثا: يدعو الاتِّحاد أبناء الأمّة الإسلامية إلى رفع درجة استعدادهم إلى حدِّها الأقصى، لمواجهة التحدِّيات التي تتعرّض لها من كلِّ جانب، التزاما بقول الله عزّ وجلّ: )يا أيها الذين آمنوا خُذوا حِذْرَكُم( [النساء: 71]. فأعداء الإسلام لا يكفُّون عن محاربته بشتّى السُّبُل، وإهانة رموزه وشعائره ومقدّساته بمناسبة وبلا مناسبة. وإنّ ما نقلته وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية من انتهاكٍ لحرمة المصحف الشريف في غوانتانامو يمثّل إهانة بالغة لأقدس مقدّسات الأمة الإسلامية، وإثارةً لمشاعر الغضب بين المسلمين في شتّى أنحاء العالم، ومخالفةً للقيمِ الأخلاقية التي لا يختلف عليها عاقلان.
البابا بنديكت السادس عشر
والاتحاد يطالب المسؤولين الأمريكيين بسرعة إنجاز التحقيق في هذا الأمر، وإعلان نتيجة هذا التحقيق في أقرب وقت، وإنزال العقوبة الرادعة بكلّ من ارتكب هذه الجريمة النكراء، والاعتذار للمسلمين عن هذه الحادثة المؤسفة. ويحيي الاتحاد كلّ حركات الإدانة الرسمية والشعبية في هذا الصدد في شتّى بلدان العالم الإسلامي. كما يدين الاتحاد ما قامت به القوات الأمريكية من تعذيب للمعتقلين وانتهاكٍ لحقوقهم وحرمتهم الإنسانية، في سجون غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما، ويطالب بمعاقبة مرتكبيه.
رابعا: يرحِّب الاتحاد بالقرار التاريخي الذي أصدرته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بضرورة مكافحة عمليّات تشويه السمعة التي يتعرّض لها الدين الإسلامي، وكذلك بتنديد اللجنة بالاضطهاد العنصري الذي تعرّض له المسلمون -وما يزالون يتعرّضون- خلال الحرب التي تشنُّها الدول الغربية بحجّة محاربة الإرهاب. ويثني الاتحاد على الموقف المشرِّف لمنظّمة المؤتمر الإسلامي التي أثارت هذا الموضوع، وعلى الموقف الذي وقفه ممثّلو عددٍ من الدول الإسلامية، ويؤيّد ما صرّح به هؤلاء الممثّلون من أنّ نشر صورة نمطية عن الدين والترويج لفكرة اعتماده على العنف ورَبْطه في أذهان الناس بالإرهاب يمثِّل تشويها لسمعة الدين، ويغذِّي ثقافة الكراهية، ويسفر عن انتشار الاضطهاد، مشيرا إلى تعرض أماكن العبادة والأماكن ذات القدسية لدى المسلمين إلى هجمات متكررة طوال الحقبة الأخيرة. ويأسف الاتحاد لموقف الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوربي الرافض للقرار بحجة أنه لا يتعرّض إلى الديانات والمجموعات الدينية الأخرى غير الإسلام، متناسين أنهم هم الذين وقفوا -وما يزالون- مثل هذا الموقف المتحيّز، في شأن "معاداة السامية"، مواصلين بذلك الموقف المتحيّز الذي تقفه هذه الدول وكيلها بمكيالين.
خامسا: لاحظ الاتحاد باهتمام تصريحات البابا بنديكت السادس عشر حول تمسُّكه بالحوار بين أهل الأديان، ويمدُّ الاتحاد يده إلى كلّ شخصية تؤمن بالحوار وتدعو إليه وتحارب البغضاء والكراهية بين أفراد المجتمع الإنساني بكل وسيلة ممكنة. كما يرحِّب الاتحاد بدعوة بعض كرادلة الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا إلى جعل المسلمين حلفاء المستقبل في مواجهة التحدّيات التي تجابه كلا من الإسلام والمسيحية، ومنها الحياة العصرية المُغْرِقة في المادية والمتحلِّلة من الضوابط الأخلاقية التي تدعو إليها الأديان جميعا، ويشيد برؤية هؤلاء الكرادلة المحترمين من أن العمل مع الإسلام يمثل إسهاما في استتباب السلام في أوروبا والعالم الإسلامي على حدّ سواء.
سادسا: يرحّب الاتحاد بالبيان الختامي للمؤتمر الدولي الثامن عشر للوحدة الإسلامية الذي عُقِد مؤخرا في طهران بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا سيّما دعوته إلى تقوية التعاون والتواصل بين المفكرين المسلمين على الصعيد الدولي لخدمة قضايا الأمة، والعمل على تقوية وتوجيه وسائل الإعلام الإسلامية، والارتفاع بمستواها لمواكبة التطوّر المعلوماتي، والقيام بالتوعية المطلوبة، وفضح وسائل الإعلام المعادية للإسلام. كما يرحِّب بدعوة المؤتمر إلى دعم المقاومة الإسلامية للاحتلال في كل مكان من العالم الإسلامي، ودعوته جميع المخلصين الواعين إلى العمل على استئصال الأعراض السلبية التي قد يُبتلى بها العمل الحركي الإسلامي، بما في ذلك التطرّف فكرا وممارسةً والتحرّك العشوائي بشكل لا يرتضيه الإسلام.
سابعا: يستنكر الاتحاد ما ترتكبه قوات الاحتلال في العراق وفلسطين من فظائع لم يسبق لها مثيل، ومن خرقٍ فاضحٍ لاتفاقية جنيف وسائر الاتفاقيّات المتعلّقة بالمدنيين في أثناء الحروب، وبالعاملين في الخدمات الصحّية، وبأسرى الحرب، ومن استخدام لأنواع الأسلحة المحرَّم استعمالها دوليا، ومن تخريب للبيوت والمباني والمساجد والكنائس وسائر دُور العبادة، وللبنية الأساسية، ومن إهلاك للحَرْث والنسل، ومن قتل للجرحى في المساجد، ومنع الإمدادات الإغاثية عن المنكوبين، وقصف المستشفيات، ومنع الفِرَق الطبيّة من أداء واجبها الإنساني نحو الجرحى والمصابين.
ثامنا: يدعو الاتحاد الشعب العراقي بجميع فئاته إلى رصّ صفوفه وتوحيد جهوده لتفادي فتن تمزيقه ومحاولة شقّ صفه، حتّى تتحد الجهود لمقاومة الاحتلال على أرضه بالوسائل المناسبة.. هذه المقاومة التي هي واجبٌ ديني وحقّ مشروع للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، وهو حقّ أقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وعلى الشعب العراقي عامّة وعلى علمائه ومثقفيه خاصة أن ينتبهوا إلى وجود طوابير متعددة ممن يريدون سوءا بالإسلام وأهله ويشوّهون صورة المقاومة. وعلى المقاومة الوطنية أن تستنكر أعمالهم، وتفضح عمالتهم واختراقهم. ويهيب الاتحاد بجميع المسلمين أن يساعدوا الشعب العراقي ماديا ومعنويا، وأن يدعموه بكلّ ما يؤكّد وحدة أراضيه ومواطنيه، ويكفلُ الإسراع في إنهاء احتلاله.
تاسعا: يدعو الاتحاد إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة كافةً، الرسمية والشعبية، العلماء والدعاة، الهيئات والمنظمات، على أساس من كفالة الحقوق، وتعزيز مناخ الحريات، وتوسيع قاعدة المشاركة، والتزام النهج السلمي قولا وعملا، وتأكيد دور العلماء في إصلاح الأمة، والدعوة إلى الله والالتزام بثوابت الأمة الدينية والوطنية والدفاع عنها، تعزيزا لدورها الذي أُخرجت من أجله إلى الناس، وقطعا للطريق على المتربصين بها الدوائر.
عاشرا: يؤكّد الاتحاد على ضرورة قيام الدول الإسلامية بإصلاح نُظُمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومناهجها التربوية، بصورة تنبع من ثوابت الأمة الشرعية، وخصوصيَّتها الحضارية، وهويَّتها الثقافية، بما يحفظ عليها مقوّماتها التاريخية، ولا يُخلّ بِقيمها الدينية والوطنية، ولا يكون استجابة لإملاء خارجي.
حادي عشر: يدعو الاتحاد إلى وقوف الأمة، شعوبا وحكومات، الموقف الذي تستوجبه مشاعر الجسد الواحد، في الضغط على حكومات الدول التي تضطهد المواطنين المسلمين فيها، وتستهين بشعائرهم ومشاعرهم، ولا سيّما في الشيشان وكشمير وبورما وتايلند والفليبين وغيرها.. لضمان حصول هؤلاء المواطنين على حقوقهم الكاملة بما في ذلك حقّ التعبير وممارسة الشعائر الدينية، وكذلك حق تقرير المصير في المناطق التي يؤلف فيها المسلمون أكثرية مطلقة.
ثاني عشر: يتوجه الاتحاد بالتعزية إلى الشعب اللبناني الكريم بجميع فئاته وطوائفه في استشهاد دولة الرئيس الشيخ رفيق الحريري، ويستنكر الحادث الغادر الذي أودى بحياته وحياة عدد من رفاقه، ويسأل الله عزّ وجلّ أن يتغمّدهم جميعا برحمته.
ويدعو الاتحاد الشعب اللبناني إلى الوقوف صفا واحدا في مواجهة المؤامرات الخارجية والداخلية التي ترمي إلى تمزيق وحدته وتوهين قوّته، كما يدعوه إلى الالتفاف بقوة حول المقاومة اللبنانية الباسلة التي دحرت العدو الصهيوني وحررت الجزء الأكبر من الأرض اللبنانية. إن اللبنانيين جميعا مطالبون بالوقوف بحزم في وجه جميع محاولات الفرقة الطائفية وإحياء الفتنة الداخلية حتى يبقى لبنان وطنا حرا كريما للبنانيين وحصنا للعرب أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.