البحث

التفاصيل

الاتحاد يندد بعمليات التطهير العرقي بالصبغة الطائفية التي تقتل الناس على الهوية

بيـان

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد،

يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ويقول: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]، ويقول تبارك وتعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، ويقول: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» متفق عليهما، ويقول في حجة الوداع أمام الجموع الحاشدة: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» رواه مسلم.

كل هذه النصوص القرآنية والنبوية المحكمة: تقرر وتؤكد حرمة دماء المسلمين بعضهم على بعض، وأن من تورط في هذا فقد تورط في ذنب عظيم، كما جاء في الصحيح: «لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يهرق دمًا حرامًا». رواه أبو نعيم عن عبد الله بن مسعود.

إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليذكر بهذه الحقائق الدينية الثابتة التي أجمعت عليها الأمة، ويعرب عن القلق العميق والدهشة البالغة إزاء المعلومات المتواترة التي خرجت من العراق، متحدثة عن عمليات واسعة للتطهير العرقي بالصبغة الطائفية التي تقتل الناس على الهوية! شملت العديد من الأقاليم والمدن والقرى والأحياء، واستخدمت فيها مختلف أساليب العنف والترويع، والتي لا تتورع عن هتك الأعراض وإحراق الناس أحياء وتعذيبهم قبل قتلهم.

وقد تمت تحت رعاية ـ وأحياناً بمشاركة ـ قوات الأمن النظامية في الشرطة والجيش، وفي حالات عدة في ظل حماية الطائرات الأمريكية.

هذه المعلومات إذا صحت فإنها تضرب وحدة العراق والعلاقات التاريخية الوثيقة التي تربط بين أبنائه، كما أنها تصرف الانتباه عن الخطر الحقيقي الذي يهدد العراق، متمثلا في الاحتلال الأمريكي، فضلا عن أنها تطلق بذور الشقاق والفتنة في العالم العربي والإسلامي كله.

ولأن المعلومات المتداولة في هذا الصدد تثير قدرًا واسعًا من البلبلة والشكوك، فضلا عن أنها تعبئ النفوس بمرارات وضغائن، لا تؤثر فقط على استقرار العراق ووحدته، وإنما من شأنها أن تحدث شروخًا لا ينبغي أن يستهان بها في أنحاء العالم العربي والإسلامي، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو إلى التحقيق في مدى صحتها، قبل اتخاذ موقف منها، ويدعو أن يتم ذلك بسرعة، والأمر لا يحتمل التسويف.

إن الاتحاد وهو يلحظ اهتمامًا دوليًا واسع النطاق بما يشاع عن تطهير عرقي في دارفور عبئت لأجله الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والدول الكبرى، ليرى أن ما يجري في العراق جدير بأن يلقى اهتمامًا مماثلا بل أكثر، ويعتبر أن الصمت على ما يجري يعد تسترًا وتواطؤًا على جريمة تمثل انتهاكا صريحًا وصارخًا للمواثيق والأعراف الدولية.

إن الاتحاد يدعو كل الجهات المعنية بالشأن الإنساني، فضلاً عن الشأن العربي والإسلامي: إلى التحرك الفوري للتحقيق في الأمر قبل استفحاله، واحتواء الفتنة قبل أن يتسع نطاقها، وتحدث تأثيرها المدمر في العالم العربي والإسلامي.

وإذا تقاعست المنظمات الدولية عن النهوض بواجبها في هذا الصدد، فلا أقل من أن تتحرك منظمة المؤتمر الإسلامي، أو الجامعة العربية، بتولي تقصي حقائق تلك الكارثة المحدقة، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي ولأمينها العام جهد مشكور في محاولة رأب الصدع في العراق، من خلال جمع علماء السنة والشيعة على وثيقة مكة المكرمة، كما أن الأمين العام لجامعة الدول العربية بذل جهدًا طيبًا باتجاه تحقيق الوفاق المنشود في العراق.

إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وهو يلح على ضرورة تقصي الحقائق بالسرعة الممكنة، ويحذر من اتساع نطاق الفتنة: يتطلع إلى تشكيل لجنة تتولى هذه المهمة، سواء من قبل المؤتمر الإسلامي أو من الجامعة العربية، وحبذا لو كانت لجنة مشتركة تمثل الجهتين معًا، لكي تمثل الثقل العربي والإسلامي، لأن الأمر يهم هاتين الدائرتين بالدرجة الأولى.

ويود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: أن ينبه بوضوح، إلى أنه إذا ثبت صدق هذه المعلومات، فإن الأمر سيكون جد خطير ولا يسع الاتحاد في هذه الحالة إلا أن يتحمل مسؤوليته بشجاعة، ويعلن للأمة عن موقفه بصراحة، لمواجهة هذا العدوان الأثيم بالحزم الواجب، وتحميل مشعلي الفتنة تبعة أعمالهم كاملة أمام الله وأمام الأمة وأمام التاريخ، وصدق الله إذ يقول: {وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى: 41-42].

ويومئذ سيعلم الذين أثاروا الفتنة أنهم أخطأوا الحساب وسقطوا في مأزق يتحملون وحدهم تبعاته { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227].

 

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

4 من ذي الحجة 1427هـ

                24/12/2006م

 

 

الأمين العام                                                                            رئيس الاتحاد

 

أ.د. محمد سليم العوَّا                                                             أ.د. يوسف القرضاوي





التالي
بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول الأحداث الدامية في الصومال      
السابق
بيان حول ما أذيع عن إصدار مذكرة توقيف ضد فضيلة الشيخ الدكتور حارث الضاري

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع