البيان الختامي
لمجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المنعقد في الدوحة بتاريخ 14-15 شوال 1429 هـ الموافق 14-15 تشرين الأول 2008م
الحـمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد
فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بهيئة رئاسته وأمانته العامة ومكتبه التنفيذي ومجلس أمنائه، المجتمع حاليا في العاصمة القطرية الدوحة، وبقاعدته العريضة من علماء الأمّة، الذين يمثلون المدارس والمذاهب الفقهية على اختلافها، قد رأى من واجبه، في هذه الظروف التي يمرُّ بها العالم عامة والمسلمون خاصة، واستحضاراً لمسؤولية العلماء في إسداء النصح للأمة (حكاما ومحكومين) لا سيما إذا أصابها ما يهدد سيادتها ومصلحتها العليا، أو سلامة ديارها، أو وحدة أراضيها، أو استقرارها، رأى أن يبيّـن الأمور التالية:
أولاً: اطّلع المجلس على التصريح الصحفي المنسوب لسماحة العلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي والتوضيح الذي أصدره في بيانه المنشور، كما تدارس الردود المختلفة، وما تلاها من تداعيات، وقد أوضح سماحته أنّ تصريحاته قد جاءت انطلاقاً من مسؤوليته الشرعية في تنبيه الأمّة إلى ما يحدث من مساع تؤدي إلى إحياء الفتن المذهبية، متمثّلة في التبشير المنظّم بالمذهب غير السائد، وما يترتّب على ذلك من تمزيق الوحدة الإسلامية، وزرع بذور الصراع، وزعزعة الاستقرار في العالم الإسلامي. وأنه قد أشار إلى هذه المعاني في مناسبات سابقة تأكيداً على ما توافقت عليه مؤتمرات التقريب المتعددة، والتي كان آخرها إعلان الدوحة. وبعد مناقشات مستفيضة سادتها أجواء الصراحة والأخوّة قرّر المجلس بالإجماع ما يلي:
- التأكيد على وحدة الأمّة الإسلامية بشتى مذاهبها، وإجماعها على المرجعية العليا للقرآن، وأنّ كتاب الله تعالى موجود بكامله بين دفّتي المصحف وأنّ الله قد تولى حفظه من أي تحريف أو إضافة أو نقصان: (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر:6). وكذلك إجماعها على السنّة النبويّة المطهّرة. وتتأكّد فرضية هذه الوحدة باعتبار ما تواجهه الأمّة الإسلامية من تحديات داخلية وخارجية.
- يؤكّد المجلس على ما توصّل إليه علماء ومرجعيات، من جميع المذاهب الإسلامية من السنّة والشيعة وغيرهما في ملتقيات عديدة وأهمّها:
- وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه آله وسلّم، وأزواجه أمّهات المؤمنين، وآل بيته الطاهرين، وتحريم الطعن فيهم والإساءة إليهم، وضرورة تعميم الفتاوى المتعلّقة بذلك.
- الكفّ عن أي محاولة منظّمة أو مدعومة للتبشير بالمذهب غير السائد في المناطق التي يسود فيها المذهب الآخر، وعلى ضرورة الاحترام المتبادل بين المذاهب.
- التأكيد على حرمة دم المسلم وعدم جواز الاقتتال على أساس مذهبي أو طائفي.
- احترام حقوق الأقليات المذهبية، وتمكينها من ممارسة تعاليم مذهبها في العبادة والقضاء والفتوى وغيرها.
- يدين المجلس أشدّ الإدانة الإساءة إلى رمز كبير من رموز الأمّة، سماحة العلامة الإمام يوسف القرضاوي، بالافتراء عليه، ومحاولة تشويه تاريخه المشرّف، وإمامته العلمية، وجهاده المتّصل في دعم القضايا الإسلامية والدفاع عن وحدة الأمّة، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، ومناصرة مقاومة الاحتلال في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وغيرها، والدعوة إلى الوسطية التي أصبح سماحته رمزاً لها، كما يدين الاتحاد الإساءة إلى أيّ من علماء الأمّة ورموزها.
- يطالب المجلس الجمهورية الإسلامية في إيران بتحمّل مسؤوليتها الشرعية في وأد الفتنة المذهبية وإطفاء نارها، وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة وكالة الأنباء (مهر)، بسبب مقالتها التي جاءت بمجموعة من الأكاذيب والاتهامات الباطلة، وبأسلوب السباب والشتائم الذي لا ينسجم مع الأخلاق الإنسانية فضلاً عن القيم الإسلامية. هذا وقد بلغ المجلس نبأ فصل الكاتب المسؤول عن الإساءة من قبل منظّمة الإعلام الإسلامي، وهو إذ يقدّر ذلك يطالب بالاعتذار إلى سماحة الشيخ القرضاوي تقديراً لمكانته العالية.
- يقرّر المجلس تشكيل لجنة متخصصة، تقوم بالرصد الميداني حول جميع النشاطات والأعمال المذهبية في البلاد الإسلامية الضارّة بوحدة الأمّة، وتضع بناءً على ذلك خطّة عملية تعالج الواقع القائم على الأرض، باتجاه المحافظة على وحدة الأمّة وتعميقها، وبنائها على أسس راسخة متينة، تداوي نقاط الخلاف التي يستغلها الأعداء من أجل إحباط مساعي الوحدة.
- ينوّه المجلس بحرية الإعلام المسؤول، ويناشد وسائل الإعلام المختلفة أن تلتزم بالأطر الشرعية والمهنية والأخلاقية في أداء رسالتها، بعيداً عن أساليب الإثارة التي تُسهم في تعكير الأجواء وسوء الفهم والتأويل، كما يستنكر الدور التي تقوم به بعض الفضائيات ومواقع الانترنت في إذكاء نار الطائفية.
ثانياً: في الشأن الفلسطيني:
-
- يؤكّد الاتحاد على واجب أهل فلسطين بوجه خاص، والأمّة الإسلامية بوجه عام، في العمل لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وأنّ هذا الواجب لا يجوز القعود عن أدائه لأي قادر عليه بالنفس أو بالمال أو بالفكر وبجميع الوسائل المتاحة. كما يؤكّد على واجب المقاومة المشروعة ضدّ كلّ أنواع الاحتلال والظلم.
- يناشد الاتحاد الأمّة الإسلامية شعوباً وحكومات، أفراداً وجماعات، أن تقوم بواجب حماية المسجد الأقصى المبارك من الخطر الصهيوني المحدق به، والذي تجسّد الأن في مشروع تقسيم الأقصى وحفر الأنفاق تحته، وفي إنشاء كنيس ملاصق له، انتهاكاً لحقوق المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس، وتمرداً على القرارات الدولية في هذا الشأن. ويثمّن الاتحاد دور مؤسسة القدس الدولية، وسائر الهيئات العاملة للحفاظ على هوية القدس واستمرار مقاومتها للمشروع الصهيوني. ويستنكر الاتحاد قرار السلطات الصهيونية إغلاق مؤسسة الأقصى لإعمار المقدّسات.
- يدين الاتحاد استمرار الحصار على الشعب الفلسطيني، وخاصّة حصار غزّة الذي يستهدف تجويع شعبها وإذلاله، هذا الحصار لا يجوز السكوت عليه بحال، ويجب على كلّ قادر وعلى جميع الدول العربية والإسلامية الوقوف إلى جوار إخواننا في غزّة، ومناصرتهم ودعم صمودهم، والعمل على فكّ الحصار الظالم عنهم بجميع الوسائل المتاحة. ويطالب السلطات المصرية المبادرة إلى فتح معبر رفح التزاماً بالواجب القومي والإسلامي والإنساني.
- يدعو الاتحاد الفصائل الفلسطينية جميعاً إلى الوحدة، ويثمّن جميع الجهود التي بذلت وتبذل في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية على قاعدة المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني، مع التأكيد على عدم التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني في ممارسة سيادته الكاملة على أرضه التاريخية، وخاصّة حقّ اللاجئين في العودة إلى وطنهم، فهو واجب شرعي وحقّ إنساني لا يجووز لأحد التنازل عنه ولا المساومة عليه، ويدعو دولة قطر وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى الانضمام إلى هذه الجهود وتقويتها بما يؤدي إلى نجاحها بإعادة اللحمة بين الفلسطينيين.
- يدعو الاتحاد أعضاءه، وعلماء الأمّة جميعاً إلى أداء دورهم في نصرة القضية الفلسطينية على قاعدة الثوابت الوطنية والحقوق الأساسية أياً ما كان موقف الجهات الأخرى في هذا الشأن.
ثالثاً: في شأن الأزمة الاقتصادية العالمية
تدارس مجلس الأمناء مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها الخطيرة على التنمية والبطالة، ورأى ضرورة المساهمة في تقديم الرؤية الاقتصادية الإسلامية الصالحة لإنقاذ العالم من تكرار هذه الأزمات، وهو يرى أنّ السبب الرئيسي للأزمة الحالية هو إبعاد الضوابط الأخلاقية والدينية عن أوجه النشاط الاقتصادي وتشجيع التشريعات الاقتصادية لكل أنواع الجشع والتعامل الربوي، وشيوع الفساد. وسيسعى الاتحاد لعقد مؤتمر علمي لدراسة هذا الموضوع بالتنسيق مع منظّمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية. وبهذه المناسبة يدعو الاتحاد المستثمرين ورجال الأعمال والدول الإسلامية كافّة إلى الاستثمار في بلدان العالم الإسلامي فهي أحقّ بأموال أبنائها من أي دولة أخرى.
رابعاً: في شأن تنامي ظاهرة الخوف من الإسلام عالمياً
يؤكّد الاتحاد أنّ ظاهرة كراهية الإسلام والخوف منه التي تنتشر الآن في الولايات المتّحدة الأمريكية وأوروبا هي نتيجة لنشاط اليمين المتطرّف، وليس لها أي أساس واقعي من حقائق الإسلام أو سلوك المسلمين. وقد تابع الاتحاد بتقدير الخطوات الدالّة على التخلّص من تأثير هذه الظاهرة، في كلّ من هولندا وبريطانيا والنمسا وألمانيا، مثمناً جهود منظمة المؤتمر الإسلامي في مراقبة هذه الظاهرة، وإصدار تقرير شهري عنها ينبّه إلى ما يجري من سلبيات وإيجابيات في هذا الشأن.
خامساً: في الشأن السوداني
يؤكّد الاتحاد وقوفه والمسلمين كافة مع السودان ضدّ المؤامرات التي تستهدف وحدته وسلامة أراضيه والسلام بين أهله. ويدين الاتحاد محاولة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تقديم الرئيس عمر البشير إلى المحاكمة بتهم مزعومة لا دليل عليها، وأمام محكمة لا اختصاص لها بمحاكمته، وبالمخالفة لنظامها الأساسي نفسه. ويدعو الاتحاد الدول الإسلامية إلى مؤازرة السودان في وجه ما يحاك ضدّه من مؤامرات تستهدف ثرواته ووحدة شعبه.
سادساً: في شأن العراق
يرفض الاتحاد ما يتعرّض له الشعب العراقي من ضغوط، لفرض اتفاقية أمنية جائرة عليه، تمسّ سيادته وتعرّض مصالحه العليا للخطر، وتؤبّد استمراره إلى آماد غير محدودة.
سابعاً: في شأن باكستان
يندد الاتحاد بالقصف العشوائي المتكرّر للمناطق الباكستانية الذي تقوم به القوات الأمريكية، منتهكة بذلك سيادة دولة إسلامية مستقلّة، ومزهقة لأرواح الآلاف من الأبرياء.
ثامناً: الأقليات
إنّ الاتحاد وهو يتابع أحوال الأقليات الإسلامية في العالم، وما يقع على بعضها من ظلم واضطهاد، أو سجن أو تعذيب، أو إهانة من بعض الحكومات، وما يثار ضدّها من اتهامات كلّما حدثت حادثة إرهابية في بلدانها، ليؤكّد شجبه وتنديده بكلّ الحوادث الإرهابية التي تستهدف المدنيين من أي بلد كان، وبخاصّة ما حدث في جمهورية الهند. والاتحاد يحذّر من استغلال هذه الحوادث الإرهابية للنيل من حقوق الأقلية الإسلامية تحت أي ستار. كما ينبّه إلى استغلال بعض العنصريين لها من أجل تحقيق أغراض سياسية والحصول على أصوات المتطرّفين.
ويطالب الاتحاد الأقليات الإسلامية بمزيد من الحذر والوعي الكامل، حتى لا يتمّ استدراجهم لأي عمل يضرّ بمصالحهم، كما يطالبهم بمزيد من التعاون والتماسك والوحدة والقدوة الحسنة.
كما يطالب حكومات هذه الدول باتخاذات الإجراءات المطلوبة لتحقيق العدل والمساواة، ولوقف الاضطرابات الطائفية والعنصرية، وإيقاف الأذى والعدوان على الأقلية المسلمة حتى يعمّ الأمن والإستقرار للجميع. ويوصي الدول الإسلامية والعربية مدّ يد العون إلى المسلمين في صربيا والجبل الأسود وكوسوفا، ولاسيما بالاعتراف باستقلال كوسوفا.
ويشيد الاتحاد بكلّ انفتاح إيجابي من جانب بعض الدول الغربية نحو الأقليّات المسلمة، وتمكينها من حقوقها الدينية، فذلك من مستلزمات العيش المشترك، ويساعد على الاندماج الإيجابي للمسلمين في المجتمعات الغربية. ويشيد الاتحاد بصفة خاصة بسماح الحكومة البريطانية بقيام محاكم إسلامية تعالج ما يتعلّق بالأحوال الشخصية للمسلمين وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ويسرّ مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يتوجّه بالشكر الجزيل إلى دولة قطر أميراً وحكومة وشعباً على استقبالها لهذا الاجتماع المبارك في أرضها الطيبة، ويدعو الله تعالى أن يجمع شمل هذه الأمّة على كلمة ترضيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رئيس الاتحاد الأمين العام
أ.د يوسف القرضاوي أ.د محمد سليم العوا