البحث

التفاصيل

أهم الصفات التي برزت في حوار إبراهيم عليه السلام مع الملك الظالم

الرابط المختصر :

أهم الصفات التي برزت في حوار إبراهيم عليه السلام مع الملك الظالم

د. علي محمد الصلابي

لما ذكر الحقّ عزّ وجل في سورة البقرة أنه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، ساق شواهد على ذلك في الآيات التي بعدها، ومنها هذا الشاهد الذي اشتمل على ضلال الكافر، وهدى المؤمن، واستقلاله بأمر عجيب حقيق بأن يصدر به الكلام وهو: اجتراؤه على المحاجة في الله عزّ وجل، وما أتى في أثنائها من العظمة المنادية بكمال حماقته.

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ]البقرة:258[.

وما أروع ما ختمت به الآية الكريمة، وقد ختم الله عزّ وجل الآية بهذه الجملة السامية، وهي تدل على أمور منها:

- أولها: إنّ الذين يعاندون الحق ظالمون دائماً يظلمون أنفسهم؛ لأنّهم يسدون منافذ النور فلا يصل إلى قلوبهم، ويظلمون أقوامهم؛ لأنّهم يحملونهم على الضلال، ويظلمون الحق لأنهم يحاربونه.

- ثانيها: إنَّ ظلمهم يسبق كامل ضلالهم؛ ذلك لأن الشهوات تتحكم فيهم فتدفعهم إلى طلب ما ليس لهم، ثم يستهويهم الشيطان بالطمع بعد المطمع، فيتجاوزون الحدود ويطغون، ثم يكون الضلال الكامل الذي تطمس به البصيرة فتغلق القلوب عن الحق وتقسو فلا تلين.

- ثالثها: إنَّ الظلم إذا استحكم في النفس أصبحت كل البراهين لا تجدي، بل تزيده عناداً وإصراراً، ولذلك لم يكتب الله الهداية لمن استمرأ الظلم آحاداً أو جماعات والله ولي المتقين. (زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، 2/959)

- رابعها: في ختام هذه القصة، جاء التعقيب مناسباً لما بنيت عليه القصة، فقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}: تذييل مقرر لمضمون ما قبله. (التناسب القرآني في آية قصة إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، مريم نافل الدويلة، ص53)

هذا ومن دلالة دقة المعنى: توكيد الخبر بإسمية الجملة والنفي، (دليل البلاغة القرآنية، ص345)

وإظهار لفظ الجلالة لتربية المهابة، وهكذا نجد نهاية الآية مناسب لصدر ومضمون الآية.

ومن الهدايات التربوية في هذا الموضع: أنه كلما كان الإنسان أظلم كان عن الهداية أبعد؛ لأنَّ الله عزّ وجل علق نفي الهداية بالظلم وتعليق الحكم بالظلم يدل على علّته، وكلما قويت العلة قوي الحكم المعلق عليها. (تفسير القرآن الكريم، محمد بن صالح العثيمين، 3/285)

وهكذا جاءت القصة بأوجز لفظ وأبلغه، فهي كما نلحظ امتازت بالتركيز والتكثيف البلاغي، ودقّة الوصول إلى المعنى عبر القول الموجز والإشارة الدّالة التي تشيع بالإيحاءات المصورة التي أسهمت في تجسيم المعاني، وجعلت هذه القصة حية تنبض بالحياة والحركة.

ويقول ابن قيّم الجوزية: فإن من تأمل موقع الحجاج وقطع المجادل فيما تضمنته هذه الآية، وقف على أعظم برهان بأوجز عبارة.

ومن أهم السمات والصفات التي أظهرها الحوار ما بين إبراهيم - عليه السّلام - والملك الطاغية:

‌أ- دوام الاتصال بالإله الحق:

لقد كان إبراهيم - عليه السّلام - وثيق الاتصال بالله عزّ وجل، عظيم الشعور بأن الله معه في كل شيء، في سرِّه وعلانيته وقوته وضعفه وحياته وموته لا سيّما عندما يتحرك في الأعمال الرسالية التي تحتاج إلى بذل وجهد وتضحية واستشهاد، ويظهر أن تعبّد إبراهيم - عليه السّلام - وتعلّقه بربّه، وتوكله عليه أوصله إلى مقام رفيع، ومنزلة عالية، فأصبح مثالاً في موالاة الله له ونصره أمام أعدائه.

فهذه المحاورة، جاءت كمثال تطبيقي يجسد صور ولاية الله لعباده المؤمنين، فإنّ هذا القرب من الخالق عزّ وجل منح شخص إبراهيم - عليه السّلام - هذا البذل المدهش، والتفاني العجيب في نشر دعوته وقضيته الكبرى؛ دلالة الخلق على توحيد الله والإيمان به، ونبذ الشرك بكل صوره وتطبيقاته، ونلمس ذلك في حماسته في أول لقاء يجمعه بالملك المتجبر المشتهر بكفره وطغيانه، كما حكى عنه القرآن الكريم: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}.

لقد كانت العقيدة تملأ مشاعره وتشغل تفكيره، تنتقل معه حيث ارتحل، وتحل معه حيث نزل، لا يداهن فيها عظيماً ولا يجامل فيها قريباً ولا يستبقي من أجلها ولداً ولا وطناً، ومما يدهش أننا إذا تأملنا الآيات الثلاثة التي سبقت هذه المحاورة، تجد أن العقيدة التي أتى بها إبراهيم - عليه السّلام - والقضية التي جادل عنها، وخاطر بنفسه من أجلها هي مضمون آية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن الكريم؛ فالدعوة إلى التوحيد عنده تتصدر سلّم الأولويات، والبدء بالإصلاح العقدي يشكل منصة البداية الصحيحة التي تنشد إصلاحاً حقيقياً وشاملاً. (صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص118)

‌ب- سعة العلم:

لقد أعطى الله إبراهيم - عليه السّلام - من العلم واليقين ما لم يُعطَ أحد من المرسلين، سوى محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذه السمة تظهر في كل محاوراته تقريباً، لكنها هنا برزت في دقّة اختياره الحجج، وانتقائه الأدلة القاطعة.

إنَّ اختيار إبراهيم - عليه السّلام - قضية الإحياء والإماتة؛ لتكون محوراً للتحدي يدل على علم راسخ وفهم دقيق، إذ لا تزال هذه القضية غير محسومة من قبل العلم البشري رغم النقلات العلمية الكبرى التي تشهدها البشرية اليوم، فلا تزال قضية مجهولة مفتوحة للتحدي، والمناظرة بأكملها شاهدة على سعة العلم، وقوة اليقين، ولعلَّ السمة التالية تكشف مزيداً من هذا الجانب في حياة إبراهيم عليه السّلام.

‌ج- المُناظر الخبير:

انتدب الله إبراهيم الخليل - عليه السّلام - لمقاومة هذا الملك الظالم الذي طغى وادّعى الربوبية، فناظره وأفحمه، وألجمته الحجج وأذهلته قدرة إبراهيم - عليه السّلام - في المناظرة.

وإنَّ المتأمل في هذه المحاورة يتملكه العجب من خبرة إبراهيم - عليه السّلام - في الحجاج وملَكَته في إلزام الخصم بالبينة والبرهان بثقة نفس وهدوء أعصاب، رغم صلافة الطرف الآخر، ومراوغته وخداعه وكبره وخُيلائه، وأسلوبه محل اقتداء واتباع للمدافعين عن الحقّ والسائرين على نهج دعاة الأنبياء والمرسلين والمُصلحين.(صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص120)


: الأوسمة



التالي
دعوات هندوسية لإبادة جماعية للمسلمين لتحويل الهند "أمة هندوسية خالصة"!
السابق
هل الثراء دليل القبول؟

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع