ميثاق الطفل في الإسلام
بعد العديد من المؤتمرات الدولية التي تنادي بتفكيك الأسرة المسلمة وتدعو لتربية الطفل تبعاً للنموذج الغربي، ونظراً لمحاولة فرض الأمم المتحدة والدول الكبرى بنود اتفاقيات هذه المؤتمرات على الدول الإسلامية والعربية، ولما يمثله هذا من خطر يهدد كل القيم والأخلاق التي يحملها ديننا الحنيف، احتشد عدد كبير من علماء المسلمين تحت رعاية المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ووضعوا ميثاقاً للطفل وفق مبادئ الإسلام مستمد من نصوص الشريعة الإسلامية من القرآن والسنة.
حتى يكون السلاح المضاد الذي ندافع به ضد الهجمة الغربية.
ونحن نستعرض في هذا التقرير أهم المواد التي جاءت في هذا الميثاق:
ومن واضعيه الدكتور أحمد العسال نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد – باكستان، والدكتور أحمد المهدي أستاذ غير متفرغ بكلية التربية جامعتي الأزهر وحلوان، والدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، والدكتور علي جمعة أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر ومفتي الديار المصرية، والدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، والدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
الباب الأول: العناية بالطفل منذ بدء تكوين الأسرة
مادة(1)
- الطفل نعمة إلهية ومطلب إنساني فطري.
وتستند هذه الفقرة إلى قول الله تعالى (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير.)
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا)
- وترغب الشريعة الإسلامية في طلب الأولاد حفظاً للجنس البشري.
تستند هذه الفقرة إلى قوله تعالى: ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)
د. من حق الطفل أن يأتي إلى الحياة عن طريق الزواج الشرعي بين رجل وامرأة.
مادة (2)
- تشمل رعاية الشريعة الإسلامية للطفل المراحل التالية:1
- اختيار كل من الزوجين للآخر.
- فترة الحمل والولادة.
- من الولادة حتى التمييز.
- من التمييز حتى البلوغ.
- وتنشأ للطفل في كل من هذه المراحل حقوق تلائمها.
مادة(3)
الأسرة محضن الطفل وبيئته الطبيعية اللازمة لرعايته وتربيته ، وهي المدرسة الأولى التي ينشأ الطفل فيها على القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية والدينية.
وقد خصصت هذه المادة لبيان أهمية الأسرة بالنسبة للطفل ، وقد نصت الآية الأولى من سورة النساء على محورية الأسرة كنواة للمجتمع الإنساني ، يقول الله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
الباب الثاني:
مادة(5)
ب. يحرم الإجهاض إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض.
د. يحرم بوجه عام الإضرار بالجنين ويجب عقاب من يعتدي عليه.
وتتناول هذه المادة حق الحياة والبقاء والنماء ، ويبدأ هذا الحق منذ خلق الطفل جنيناً ، وتتمتع حياة الجنين في الشريعة الإسلامية بالحماية والرعاية الكاملة باعتباره إنساناً حياً خلقه الله.ويرتبط بحق الحياة ابتداء حق البقاء والنماء مما يستوجب الرعاية الصحية والتغذية الملائمة للأم الحامل، وقد أوجب الإسلام على والد الطفل الإنفاق على أمه الحامل، فقال تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى.)
وحماية لحق الجنين في الحياة حرم الإسلام الإجهاض، إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض ودليل هذا الحق هو النهي العام عن القتل: ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق).
وإباحة الإجهاض في حالة تعرض الأم لخطر محقق تستند لعدة أصول شرعية هي حالة الضرورة لقوله تعالى: "إلا ما اضطررتم إليه".
مادة (9)
للطفل حق التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه ، وله حق استخدام مؤسسات الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول ضمن حديث طويل ( إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه) ويقول: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) وكان من دعائه: ( اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في بصري ، لا إله إلا أنت)
الباب الثالث
مادة (14)
- للطفل حق الانتساب إلى أبيه وأمه الحقيقيين.
- وتحرم بناء على ذلك الممارسات التي تشكك في انتساب الطفل إلي أبويه ، كاستئجار الأرحام ونحوه.
- وتتبع في ثبوت النسب أحكام الشريعة الإسلامية.
فالله تعالى يقول: ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين، ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً)
وقد حرمت الشريعة الإسلامية الزنا ، وفرضت عدة للمطلقة والمتوفى عنها زوجها لا يجوز لها أن تتزوج بآخر إلا بعد انقضائها ، لعدم اختلاط الأنساب، واعتبر الأصوليون حفظ الأنساب من مقاصد الشريعة. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من ادعي إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)
مادة (16)
- للطفل الحق في أن يكون له من يقوم بحضانته أي ضمه والقيام على تنشئته وتربيته وقضاء حاجاته الحيوية والنفسية والأم أحق بحضانة طفلها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
- ولا تجيز الشريعة الإسلامية نظام التبني ، ولكنها تكفل حقوق الرعاية الاجتماعية للأطفال بكافة صورها.
وأوضحت هذه الفقرة أن كفالة الأيتام واللقطاء وغيرهم من الأطفال ورعايتهم الاجتماعية تمثل النظام الإسلامي الذي يغني عن نظام التبني ، الذي لا تقره الشريعة الإسلامية التي تحرص على نقاء الأنساب وحفظها من الاختلاط وتنهى عن انتساب الولد إلى غير أبيه الحقيقي.
وتستند كفالة هذه الفئات وغيرهم من سائر الأطفال ورعايتهم الاجتماعية في الإسلام إلى نصوص شرعية عديدة تعتبر هذه الكفالة والرعاية حقاً مقرراً لهم، ومن هذه النصوص: يقول الله تعالى: ( أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين) ، ويقول سبحانه وتعالى: ( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل). والرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا وكافل اليتيم هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً.
ه. الوالدان صاحبا الحضانة أساساً ولا يمكن فصل الطفل عنهما أو عن أحدهما إلا لضرورة راجحة والضرورة تقدر بقدرها.
وحق الوالدين في حضانة الطفل حق طبيعي فطري، لما جبل عليه الوالدان من الرحمة والشفقة والرفق بمولودهما، فهما أجدر الناس بحضانته باعتباره جزءاً منهما، وأيضاً من حق الطفل أن ينشأ في كنف والديه ، وقد أثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية أن حرمان الطفل من رعاية والديه لأي سبب كان يعطل ارتقاء الكثير من وظائفه الحيوية وقدراته النفسية والعقلية ويصيبه بالأمراض والاضطرابات العصبية والنفسية ومسئولية الوالدين عن رعاية الطفل بالتشاور فيما بينهما تستند إلى قوله تعالى: فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما، فإذا كان الفطام يتم بالتشاور ، فرعاية الطفل وتأديبه ومعيشته من باب أولى تكون أجدر بالتشاور والتراضي بين الطرفين. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته.)
الباب الرابع: الأهلية والمسئولية الجنائية
مادة(19)
- يتمتع الطفل منذ ولادته حياً بأهلية وجوب كاملة فيكون له بذلك حقوق في الميراث والوصية والوقف والهبة وغيرها.
- يبدأ حق الطفل في الانتفاع من الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمين الاجتماعي والإعانات وغيرها منذ ولادته.
الضمان الاجتماعي هو التساند والتعاون بين أبناء المجتمع أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين في السراء والضراء فيعيش الفرد في كفالة الجماعة، وتعمل الجماعة على تحقيق مصالح الأفراد ودفع الضرر عنهم ، وتحافظ على كيان الأفراد وإبداعاتهم ، وتعيش الجماعة بمؤازرة أفرادها ، يعرفون لها ضرورة وجودها ونفعها ، ويحافظون على هيبتها وسيطرتها ، ويتعاون الجميع لإيجاد مجتمع أفضل ، ودفع الضرر والمخاطر عن بنائه الاجتماعي.
ويقصد بالضمان الاجتماعي للطفل : تلبية حاجاته الأساسية وخاصة للفقراء والمحتاجين والعاجزين ، وهذا الضمان واجب الأفراد ومؤسسات المجتمع ومنها الدولة على السواء.
والضمان الاجتماعي بهذا المعنى يعد أصلاً من أصول الشريعة الإسلامية ونابعاً من عقيدتها الإيمانية وعلى ذلك تدل عشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والعديد من الوقائع العملية ومنها: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم.) ، ومثل: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
وقوله تعالى: ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما آمن من بات شبعان وله جار جائع)
الباب الخامس: إحسان تربية الطفل وتعليمه
مادة (23)
- للطفل الحق تجاه والديه أن يقوما بمسئوليتهما المشتركة عن إحسان تربيته تربية قويمة ومتوازنة ، وعن نموه العقلي والبدني، وينصرف هذا الحق إلى كل من يحل محل الوالدين من المسئولين عن رعايته والقيام على مصالحه ، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهما الأساسي.
وهي تنطلق من نصوص صريحة مثل قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة). ومثل( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً). كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما نحل والد نحلاً أفضل من أدب حسن) وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( حق الولد على والده أن يعلمه كتاب الله عز وجل والسباحة والرمي. وقال: ( أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار)
- ومن أولويات التربية الأساسية تعليمه قواعد الإيمان ، وتدريبه على عبادة الله وطاعته وتأديبه بآداب الإسلام ومكارم الأخلاق ، وتعويده على اجتناب المحرمات ، وسائر السلوكيات والعادات السيئة والضارة والبعد عن قرناء السوء وتوجيهه إلى الرياضة المفيدة والقراءة النافعة ، وأن يكون الوالدان أو المسئولون عن رعايته قدوة عملية صالحة له في كل ذلك.
فنجد وصايا لقمان لابنه في القرآن: ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم، ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن ، وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ، يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير، يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ، ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير.)
- من الضروري حماية الطفل وخاصة في سن المراهقة من استثارة الغرائز الجنسية، والانفعال العاطفي عند التوعية الجنسية، ويجب في جميع الأحوال:
- استخدام الأسلوب الأمثل في التعبير، والملائم لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل العقلي والوجداني.
- إدماج المعلومات الجنسية بصورة ملائمة في مواد العلوم المناسبة لها كعلم الأحياء والعلوم الصحية والعبادات والأحوال الشخصية والتربية الدينية.
- اقتران عرض مواد التوعية الجنسية، بتعميق الآداب السلوكية الإسلامية المتصلة بهذه الناحية، وبيان الحلال من الحرام، ومخاطر انحراف السلوك الجنسي عن التعاليم الإسلامية السامية.
ه. وفي جميع الأحوال ينبغي العمل على وقاية المراهقين من الممارسات التي تشجع على الانحراف أو على إثارة الغرائز الدنيا المخالفة للتعاليم الدينية ولقيم المجتمع، وذلك بمنع الاختلاط في المدارس الإعدادية والثانوية ، والنوادي الرياضية ، وتعيين مدربات للفتيات بها ، ومنع ارتياد المراهقين من الجنسين لأماكن الفساد واللهو العابث ، وتقرير عقوبات رادعة للمسئولين عن تلك الأماكن في حالة مخالفة ذلك.
الباب السادس: الحماية المتكاملة
مادة (27)
- للطفل الحق في حمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو أي تعسف ومن إساءة معاملته بدنياً أو عقلياً أو نفسياً ومن الإهمال أو أية معاملة ماسة بالكرامة سواء أكان ذلك من الوالدين ، أو من أي شخص آخر، يتعهد الطفل أو يقوم برعايته.
- ولا يخل هذا الحق بمقتضيات التأديب والتهذيب اللازم للطفل وما يتطلبه ذلك من جزاءات مطلوبة ومقبولة تربوياً تجمع بحكمة وتوازن بين وسائل الإفهام والإقناع والترغيب والتشجيع، ووسائل الترهيب والعقاب بضوابطه الشرعية والقانونية والنفسية.
مادة (28)
- للطفل الحق في الحماية من جميع أشكال الاستغلال أو الانتهاك الجنسي أو أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.
- وله حق الحماية من استخدام المواد المخدرة والمواد المؤثرة على العقل والمشروبات الكحولية والتدخين ونحوها.