من آيات الإعجاز العلمي في بدء الكون ومصيره
د. علي الصلابي
قال تعالى:”قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً للسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” (فصلت ، آية 9 : 12).
في الآيات الكريمة إشارة إلى ثلاث حقائق كونية:
ــ خلق الأرض وتقدير الأقوات فيها في أربعة أيام قبل السماء.
ــ أصل الكون المادي من الدخان.
ــ الدورات التكوينية للأرض والسماء ومجموعها ستة أيام.
إن العلوم الفضائية، والعلوم الطبيعية لا زالت تحبو للتعرف على أصل الكون ونشأته والمادة الأولية التي تتكون منها الأجرام السماوية وطريقة تشكيلها، ولقد درسوا ملياً ما يقع على الكرة الأرضية من خارج مجالها من النيازك والأتربة الكونية وما حصلوا عليه أخيراً من قطع من سطح القمر، كل ذلك يؤكد وحدة أصل الكون المادي، وأصبح ذلك حقيقة علمية عندهم، ولكنهم لم يستطيعوا تحديد الحالة الأولية لهذه المواد التي كانت عليها قبل تجمعها في مجموعات من النجوم والكواكب المجرات، ولن يستطيعوا ذلك إلا ظناً وتخميناً، قال تعالى: “مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا” (الكهف ، آية : 51).
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأصل الموحد وساق حقائق كونية في غاية الوضوح، قال تعالى: “أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ” (الأنبياء ، آية : 30 ـ 32)
ويفصل في آيات أخرى مراحل الخلق والتكوين، فيقول جل جلاله: ” ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ” (فصلت، آية : 11).
لم يصل العلم الحديث للآن إلى معرفة أصل الوجود المادي للكون على الرغم من توصل العلم إلى نجاحات كبيرة في مسائل التطبيقية والاستفادة من دراسة خصائص المادة واستخدام الطاقات الكونية المختلفة، فنحن نعرف طرقاً شتى لاستخدام الكهرباء في التدفئة والعلاج والإنارة وإدارة الآلات وتسيير القاطرات والسيارات وغير ذلك من الاستخدامات، إلا أننا لا نعرف تماماً ما هي الكهرباء، وقل مثل ذلك في الضوء والحرارة، فنطلق على كل ذلك لفظاً مبهماً هو الطاقة التي أودعت بين ثنايا الكون وأرجائه المختلفة.(مصطفى مسلم، مباحث في إعجاز القرآن، ص: 178، 179)
وعلى الرغم من محاولة العلم الحديث التعرف على اللبنات الأولى التي ينبني عليها الكون المادي ومحاولة التعرف على الذرة إلا أنه لم يخرج بطائل من دراسته هذه، يقول العلم الحديث: قوام الذرات جسيمات متناهية في الصغر تتشابه في جميع ذرات العناصر داخل كل ذرة ـ بالاضافة إلى النواة ـ نوع المادة أو العنصر، خلقت منه الأجرام السماوية وتطورت عنه داخل الشموس والنجوم سائر المواد المعروفة، قد كان المعتقد إلى عهد ليس ببعيد بين جمهرة العلماء أن الذرة غير قابلة للتجزئة إلى جسيماتها أو طاقاتها الأولية.. ولكن لما عرفت وسائل تحطيم الذرة في هذا العصر أمكن الجزم بإمكان تقسيم الذرة وإنطلاق طاقات عظمى مما يدخر بين ثناياها أساسها الطاقة التي استخدمت في الأصل في ربط جسيماتها الأولية، فهل هذا الغاز الكوني هو الدخان الذي شكل أصل التكوين المادي؟ أو أن المراد بالدخان هي تلك السدم الغازية الملتهبة التي تتجمع في ساحات هائلة من الكون تشكل نجوماً أو مجموعات منها؟
لقد استطاع علماء الذرة في السنوات الأخيرة من تجزئة الذرة وتقسيمها، وقد وجدوا أنها تحتوي على البروتون والنيترون والاليكترون بواسطة التجزئة اخترعوا القنبلة الذرية والهايدروجينية، قال تعالى: ” وَمَايَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” (يونس ، آية : 61).
فكلمة ” أَصْغَرَ” من الذرة في الآية الكريمة تصريح جلي بإمكان تجزئتها، وفي قوله: “وَلاَ فِي السَّمَاء” بيان بأن خواص الذرات في الأرض هي نفس ذرات العناصر الموجودة في الشمس والنجوم والكواكب الأخرى، فمن لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهو الأمي بعلم الذرة أن يعرف هذا، وهذا دليل واضح على أن القرآن وحي من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.(عمر غوش، الاكتشافات العلمية الحديثة ودلالتها في القرآن الكريم، ص 115)
والأمر الآخر في آيات “فُصلت” هو خلق الأرض، ووضع البركة فيها وتقدير الأقوات في أربعة أيام، كل ذلك قبل تشكيل السماء وجعلها سبع سموات وهذه الحقيقة لا يستطيع العلم البشري أن يصل إليها إلا من طريق الوحي من خالق السماوات والأرض، لأن وسائل البشر محدودة فلا يستطيع أن يخترق بوسائله المادية حجب غيب الماضي ليعرف تكوين الأجرام الكونية السابق منها عن اللاحق.
وهنا لابد من الإشارة إلى آيات سورة “النازعات” فقد يفهم بعضهم أنها تتعارض مع آيات سورة “فصلت” وقد ثار هذا الإشكال في عصر الصحابة رضوان الله عليهم.(مصطفى مسلم، مباحث في إعجاز القرآن، ص: 180)
إن خلق الأرض قبل السماء بالنص وإنما دُحيت بعد خلق السماء، بمعنى: أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل وعن ابن عباس “دَحَاهَا” ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام.(بن العدوي، صحيح تفسير ابن كثير 4 / 591)
وأما الحقيقة الثالثة في آيات سورة “فُصلت” فهي الدورات التكوينية للأرض والسماء ومجموعها في ستة أيام وقد اختلف المفسرون قديماً في مقدار اليوم المقصود في الآيات الكريمة، فاليوم الاصطلاحي الذي ترتبط به الأحكام التكليفية من الصوم والصلاة والعدة وغير ذلك هو من مطلع الفجر أو الشمس إلى غروبها، إلا أن هذه المدة الزمنية المعينة لا تقدر بهذا المقدار إلا بعد وجود الأرض والشمس ووجود دوراتهما في أفلاكهما. والحديث هنا عن خلق الأرض والسماء، فكيف نقدر قبل وجودهما؟
هذا ما دفع بعض المفسرين للذهاب إلى تقدير تلك الأيام بفترة زمنية تتناسب مع أدوار التكوين، فعن مجاهد: يوم من الستة أيام كألف سنة مما تعدون وهو يشير إلى قوله تعالى:” وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ” (الحج، آية : 47).
وجاء في سورة المعارج قوله تعالى: ” تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ” (المعارج ، آية : 4).
وفي سورة السجدة: ” يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إلى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ” (السجدة ، آية ” 5).
ويذهب علماء الفلك المعاصرون إلى ما يطلقون عليه “النسبية الزمنية” وأن لكل كوكب وحدته الزمنية الخاصة به وذلك يقدر بالنسبة لسبحها في الفضاء ودورانها في أفلاكها.(مصطفى مسلم، مباحث في إعجاز القرآن، ص: 182)