البحث

التفاصيل

مشروع ميثاق التعامل عند الإساءة إلى المقدسات

 

مشروع ميثاق التعامل عند الإساءة إلى المقدسات

 

تمهيد:

 

قام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بندوتين حول ميثاق جامع لما هو المطلوب من المسلمين داخل الدول الإسلامية وخارجها، معتمداً في ذلك على المبادئ العامة في الإسلام والمقاصد العامة ومقتضيات الواقع المعاصر، وفي ضوء فقه الميزان والموازنة بين ممارسة حرية التعبير بحدودها وضوابطها، واحترام المقدس، ومراعاة ميزاني الأقلية والأكثرية، والنظرة الواقعية إلى حالة التوتر والقلق التي تعيشها أوروبا بخصوص الحضور الإسلامي في أوروبا لأسباب داخلية نفسية وتاريخية، واقتصادية، وأسباب خارجية مرتبطة بأحوال المسلمين، والإرهاب المنسوب إليهم .

وكذلك تمت الاستفادة الكاملة من البحوث المقدمة في الندوات المشابهة، وبخاصة الندوة التي قام بها المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس، وذلك تحت عنوان " ندوة فقه التعامل مع الإساءة إلى المقدس " ومن البيان الختامي لها، وذلك في 16 جمادى الآخرة 1436ه الموافق 5-4-2015م، بباريس.

وبناء على ذلك يقدم الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مشروع وثيقة عامة للمناقشة الجادة للوصول إلى إقرار  ما يتم التوافق عليه.

المبادئ العامة في الإسلام:

المادة الأولى: البشر كلهم متساوون في أصل الخلقة ومتشاركون في جميع الخصائص الإنسانية وكرامة الإنسان وحقوقه فقال تعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) سورة الإسراء/الآية 70، وقال صلى الله عليه وسلم " كلكم بنو آدم وآدم من تراب " <صحيح الجامع 4568>، وقال في خطبة الوداع: " يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى " <السلسة الصحيحة 2700>.

 المادة الثانية: أن المشتركات بين بني البشر التي بينها  الإسلام لو طبقت  لاستطاعوا أن يعيشوا في أمن وأمان، ورغد عيش في كل مكان.

المادة الثالثة: إن أهم مقصد من مقاصد خلق الإنسان هو الاستخلاف في الأرض وتعميرها، واستخراج خيراتها لصالح البشرية، فلو أن البشر انشغلوا بتحقيق هذه الرسالة والهدف لأغنتهم عن الحروب والصراعات، ولتحققت لهم السعادة والرفاهية.

المادة الرابعة: إن مبدا الحريات قد أقره الإسلام من خلال نصوص كثيرة مكية ومدنية، فقال تعالى: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) سورة الكهف/الآية 29، وقال تعالى: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) سورة الكافرون/الآية 6، وقال تعالى: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) سورة البقرة/الآية 256.

وهذا المبدأ يجعل الجميع ملتزماً – أيضاً - باحترام حرية الآخر ومقدساته دون ازدراء ولا استهزاء، ولا سب ولا عدوان فقال تعالى: ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) سورة الأنعام/الآية 108.

المادة الخامسة: أن ميزان الكتاب والسنة يقتضي أن تكون العلاقات بين البشر قائمة على أساس السلم والتعايش، وعلى أساس العدل والقسط، والبر والإحسان إلا في حالة الحرب التي لها ميزانها الخاص، فقال تعالى: ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) سورة الممتحنة/الآية 8، 9

المادة السادسة: أن فقه الميزان يقتضي أن يكون للأقلية المسلمة ميزانها الذي يمتاز برعايتها لحقوق المواطنة، والقوانين السائدة، والسعي الجاد لعلاج كل ما يخالف ثوابت دينهم من خلال اللجوء إلى القوانين والمؤسسات المدنية، والتعاون مع كل ما يمكن التعاون معه لتحقيق أهدافها المنشودة، مع حق المظاهرات والاعتصامات  السلمية، وأما ميزان المسلمين قادة وعامة الشعب فيقوم على دائرة أوسع في حدودها بما لا يعود بضرر أكبر عليهم، أو على الأقلية من مثل المقاطعة الاقتصادية، وتقديم الشكوى إلى الحكومات، والأمم المتحدة.

المواقف والحلول:

المادة السابعة: على الأقلية المسلمة مواجهة هذه التحديات والابتلاءات بالصبر الجميل والتحمل الواعي، واللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه، واليقين أن الله تعالى يدافع عن دينه، والتصرف وفق البصيرة النافذة، والحكمة البالغة، وهذا يتطلب ما يأتي:

7/1- بذل كل ما في وسعهم للتعريف بحقائق دينهم، ورسوله المبعوث رحمة للعالمين.

7/2- الاستمرار في تعميق معاني الانتماء والاندماج الإيجابي والحرص على الصالح، وتوطيد عوامل الاستقرار والعيش المشترك.

7/3- الحرص الشديد على بناء المؤسسات العلمية والاقتصادية المتطورة والإعلام المؤثر، وبذل كل ما في الوسع لصناعة نجوم وكواكب مؤثرة، ولنا في سيدنا يوسف - عليه السلام - قدوة عظيمة حيث خدم وطنه الذي سجنه، بل أنقذه من مجاعة مميتة، وبذلك استحق أن يكون عزيز مصر.

7/4- دوام الانفتاح والتعاون والتواصل مع قادة الرأي من المفكرين والسياسيين والاعلاميين، وممثلي المسيحية ونحوها لتوطيد عوامل العيش المشترك، وإزالة الخوف من المسلمين، ولذلك يجب على الأقلية تجنب الحكم العام فقال تعالى: ( لَيْسُوا سَوَاءً ) سورة آل عمران/الآية 113، وكذلك يجب الابتعاد عن المواقف السلبية، قال تعالى: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ) سورة المائدة/الآية 8.

7/5- توسيع دائرة الحوار والمشاركة الاجتماعية للمسلمين مع الجميع، والتركيز على تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين.

7/6- الإنخراط في العمل الخيري والإنساني والاجتماعي الموجه للمجتمع وبخاصة للفئات الضعيفة من كبار السن والمحرومين، والعناية بهم.

7/7- العناية بالأسرة، وبخاصة الشباب وتوجيههم نحو المنهج الوسط المعتدل، ونحو ماينفع البلاد والعباد.

المادة الثامنة: أن الأصل في العلاقات هو السلم، والتعاون، والتكامل، وأن المشاكل والنزاعات يجب أن تحل بالحكمة وبالحوار بالتي هي أحسن.

المادة التاسعة: أن الوفاء بالعقود والمواثيق والعهود واجب شرعي كما أنه التزام انساني فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) سورة المائدة/الآية 1، وقال تعالى: ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) سورة الإسراء/الآية 34.

المادة العاشرة: أن الإزدراء والإستهزاء باي دين أمر مرفوض ومعيب شرعاً وعقلاً لذلك يجب السعي لوضع قانون يمنع ذلك وميثاق شرف يلتزم به الجميع.

المادة الحادية عشر:  أن مقام ذات الله تعالى وصفاته وكتابه المقدس ( القرآن الكريم ) وكذلك مقام الأنبياء والرسل جميعا(عليهم السلام )في عقيدة المسلمين عظيم جدًّا، وأنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم، ومن هنا فإن أي إساءة لله تعالى، أولكتبه، أو لرسله( صلى الله عليهم وسلم )فهي إساءة للمسلمين جميعًا.

وبناء على ذلك فإن قيام المسلمين بالاعتصامات والمظاهرات السلمية أمر مشروع؛ بل مطلوب شرعا وعقلاً وطبعا، مع التأكيد على ما يأتي:

1/ 10- أن مظاهرات المسلمين يجب أن تكون سلمية، ولا يجوز أن تكون وسيلة  للاعتداء على الأنفس والأموال الخاصة، والعامة للدولة، والأفراد ، قال تعالى: ( أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) سورة المائدة /الآية 32 وقد حرّم الإسلام الاعتداء على النفس والمال والعرض في أي مكان وزمان، كحرمة الاعتداء في الحرم المكي وفي الشهر الحرام.

  2/10- أن الجريمة – كجريمة الإساءة – لا تقابل بجريمة أخرى- وهي جريمة الاعتداء على الأفراد، أو الأموال ..

3/10- الجريمة في الإسلام شخصية لا يجوز أن تتجاوز عقوبتها الجاني إلى  غيره أبدًا – كما هو الحال في القوانين الدولية -  ولذلك أكد القرآن الكريم في أكثر من آية: ( أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) سورة النجم  / الآية 38.

4/10- أن الحرية - وإن كانت مصونة في الدساتير – ولكن لا يجوز أن تتجاوز حدودها لتصل إلى إهانة الآخر، وإيذائه في مقدساته وفي مشاعره، ولذلك فإيذاء المسلمين والازدراء بهم، والاستهزاء بنبيهم أو رموزهم غير مقبول.

5/10- أن المطالبة بوضع قانون دولي لمنع الازدراء بالأديان السماوية ورموزها ومقدساتها، أمر مطلوب شرعاً، وعقلاً ومصلحة حتى لاتكون هناك أسباب للإضرار بالأمن والأمان والتعايش السلمي القائم على الاحترام، وله مثيل لصالح بعض الفئات، فالأولى عدم ازدواجية المعايير.

6/10- لا يجوز الاعتداء على غير المسلمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية ، في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، فقدقال النبي صلى الله عليهوسلم : "من قتل مُعاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" رواه البخاري (3166)

المادة الثانية عشرة: إنّ واقع البشر في تنوّعهم وتعدّد مشاربهم في الأديان والأفكار والآراء، علاوة على التطوّر الهائل في التواصل عبر العالم، والتحدِّيات المتزايدة في المجتمعات الإنسانية، يستدعي العناية بمقومات السلم الاجتماعي والتفاهم المتبادل وقطع الطريق على شتى صور الاستفزاز والتحريض وإشاعة الكراهية ونشر الأحقاد واقتراف الاعتداءات.

المادة الثالثة عشرة:  أنّ حرية الرأي والتعبير محترمة ومكفولة في الإسلام، كما دلّ على ذلك صريح القرآن الكريم وصحيح السنّة النبوية المطهرة والسيرة العملية لرسول الله صلى الله وعليه وسلم، ولا يُعقل أن تمارَس هذه الحرية بمعزل عن المسؤولية والأخلاق العامة أو بما يوقع الضرر والأذى على الأفراد والمجتمعات الإنسانية.

المادة الرابعة عشرة: أنّ ما يقع من إساءات للأديان والمعتقدات، بما في ذلك ازدراء المقدسات الإسلامية أو محاولة الإساءة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هي سلوكيات شائنة وإلحاق للأذى بالمجتمعات، وهي تمثل تعدياً على القيم المشتركة وتمسّ بالسلم الاجتماعي والتعايش الإنساني.

المادة الخامسة عشرة: أنّ تعامل المسلمين مع الإساءات إلى المقدسات الإسلامية ينبغي أن يخضع لمنهجية شرعية، تقوم على فهم النصوص الجزئية في ضوء مقاصدها الكلية، وتعتمد الجدال بالتي هي أحسن، وعدم مقابلة الإساءة بمثلها، وتعمل على تصحيح الصور المغلوطة بالدليل والبرهان، والتعريف بسموّ الرسالة ورحمتها بالعالمين.

المادة السادسة عشرة: أنّ ضعف المعرفة بالعلم الشرعي الإسلامي، وقراءة النصوص بمعزل عن سياقاتها وملابساتها، وشيوع سوء الفهم أو الاجتزاء من كتب التراث على نحو مخلّ، مما قد يقود بعض الأفراد إلى سوء فهم وتقدير للمسائل الشرعية، وقد ينعكس ذلك على الفكر والممارسة بما يفضي إلى أخطاء تتعارض مع تعاليم الإسلام ومقاصده ولا تحقق مناط الحكم.

المادة السابعة عشرة: أنّ من مسؤولية الأئمة والخطباء والدعاة والمربين بذل مزيد من الجهود في تناول المفاهيم الإسلامية العامّة كمفهوم الحوار والاختلاف والتعدد والجهاد والتعايش، في إطار رؤية تأصيلية شاملة تقوم على حسن فقهٍ للنصوص، واعتبارٍ للمقاصد الشرعية والظروف الواقعية، وذلك بما يحقق الوسطية والاعتدال في فهم الدين وتطبيقه، وتكريس التواصل بين أفراد المجتمع الواحد والإنسانية جمعاء.

المادة الثامنة عشر: ضرورة إبراز حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، ومواقف من عفوه وصفحه وحلمه وعدله وإنصافه ووفائه بالوعد ورحمته بالعالمين.

المادة التاسعة عشرة: ضرورة تطوير جهود التعريف بالإسلام في مضامينها ووسائلها، والسعي إلى الوصول إلى عموم الجمهور في أوروبا بالخطاب القويم، ويمكن في هذا المسعى الاستفادة من شتى وسائل الإعلام والتواصل المستحدثة، علاوة على تطوير الجهود المبذولة في هذا الشأن في مجالات العمل العلمي والثقافي والفني.

المادة العشرون: ضرورة مبادرة الأئمة والمربين والموجِّهين إلى عقد اجتماعات تخصصية، ومدارسة ما من شأنه أن يعين على تحصين المسلمين من الزلل أو الوقوع في براثن التطرف أو العنف.

المادة والواحدة والعشرون: ضرورة تطوير قدرة الآليات القانونية على التعامل مع ظواهر الإساءة إلى المقدسات واستفزاز البشر في معتقداتهم ونشر الأحقاد والكراهية والإضرار بالسلم الاجتماعي وشقّ صفوف المجتمعات.

المادة الثانية والعشرون: ان على الدول الإسلامية ومنظماتها ومؤسساتها الإعلامية وغيرها ان تقف  مع الأقليات المسلمة في كل مكان بما يحقق لهآ مصالحها من خلال التواصل مع الحكومات المعنية والأمم المتحدة لإصدار قانون بمنع ازدراء الأديان والمقدسات .

 

مشروع قدمه الأمين العام للمناقشة في الندوة التي يعقدها الاتحاد في 14ربيع الثاني 1442ه الموافق 29-11-2020م.





التالي
رسالة توجيهية إلى المسلمين في أوروبا في منهجية التعامل مع الأزمات
السابق
ندوة حول موقف الاتحاد من الإساءة إلى المقدسات

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع