إطلالات على سيرة أبو بكر الصديق قبل الإسلام
اسمه، وصفته، وأخلاقه...
الدكتور علي محمد الصلابي
أولاً: اسمه، ونسبه
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشيُّ التيميُّ ، (السيد، 1996، ص27) ويلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في النَّسب في الجدِّ السَّادس مرَّة بن كعب، ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر، وهو الفَتيُّ من الإِبل، والجمع بكارة، وأبكر، وقد سمَّتِ العرب بكراً، وهو أبو قبيلة عظيمة، ولُقِّب أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بألقابٍ عديدة، كلُّها تدلُّ على سموِّ المكانة، وعلوِّ المنزلةِ وشرف الحسبِ.
ثانياً: مولده، وصفته الخَلْقيَّة:
لم يختلف العلماء في أنَّه ولد بعد عام الفيل، وإنَّما اختلفوا في المدَّة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال: بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنَّه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، واخرون قالوا: بسنتين وأشهر، ولم يحدِّدوا عدد الأشهر، وقد نشأ نشأةً كريمةً طيِّبةً في حضن أبوين لهما الكرامة، والعزُّ في قومهما، ممّا جعل أبا بكر ينشأ كريمَ النَّفْس، عزيز المكانة في قومه.(هاني، 1997، ص30)
وأمَّا صفته الخَلْقيّة، فقد كان يوصف بالبياض في اللَّون، والنَّحافة في البدن، وفي هذا يقول قيس بن أبي حزم: دخلت على أبي بكرٍ، وكان رجلاً نحيفاً، خفيف اللَّحم، أبيض، وقد وصفه أصحاب السِّير من أفواه الرُّواة، فقالوا: إن أبا بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ اتَّصف بأنَّه: كان أبيضَ، تخالطه صُفْرةٌ، حسن القامة، نحيفاً، خفيف العارضين، أجنا، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه رقيقاً، معروق الوجه، غائر العينينأقنى، حمش السَّاقين، ممحو الفخذين، وكان ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، ويخضب لحيته وشيبه بالحنَّاء، والكَتم.
ثالثا: الرَّصيد الخُلقي للصِّدِّيق في المجتمع الجاهلي:
لقد كان الصِّدِّيق في المجتمع الجاهلي شريفاً مِنْ أشراف قريشٍ، وكان مِنْ خيارهم، ويستعينون به فيما نابهم، وكانت له بمكَّة ضيافات لا يفعلها أحدٌ.
وقد اشتهر بعدَّة أمورٍ، منها:
1ـ موضع الألفة بين قومه وميل القلوب إليه:
فقد ذكر ابن إسحاق في «السيرة» أنهم كانوا يحبُّونه ويألفونه، ويعترفون له بالفضل العظيم، والخلق الكريم، وكانوا يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر: لعلمه، وتجارته،
وحسن مجالسته،(ابن هشام، 1997، ج1، ص371) وقد قال له ابن الضغنة حين لقيه مهاجراً: إنك لتزين العشيرة، وتعين على النَّوائب، وتكسب المعدوم، وتفعل المعروف.
وقد علَّق ابن حجر على قول ابن الضغنة فقال: ومن أعظم مناقبه أن ابن الضغنة سيِّد القارة لما رد عليه جواره بمكة، وصفه بنظير ما وصفت به خديجة النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا بعث، فتوارد فيها نعتٌ واحدٌ من غير أن يتواطأ على ذلك، وهذه غايةٌ في مدحه؛ لأنَّ صفات النبيِّ صلى الله عليه وسلم منذ نشأ كانت أكمل الصِّفات.
2ـ لم يشرب الخمر في الجاهلية:
فقد كان أعفَّ الناسِ في الجاهلية؛ (السيوطي، 1997، ص 48) حتّى إنَّه حرَّم على نفسه الخمر قبل الإسلام، فقد قالت السيِّدَةُ عائشة ـ رضي الله عنها ـ: حرَّم أبو بكرٍ الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهليةٍ ولا في إسلامٍ، وذلك: أنَّه مرَّ برجلٍ سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه . فقال أبو بكرٍ: إنَّ هذا لا يدري ما يصنع، وهو يجد ريحها، فحماها،(السيد، 1996،ص34) وفي روايةٍ لعائشة . . . ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهليَّة.
وقد أجاب الصدِّيق من سأله: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ بقوله: أعوذ بالله! فقيل: ولم ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيِّعاً لعرضه، ومروءته.(السيوطي، 1996، ص49)
3ـ ولم يسجد لصنمٍ:
ولم يسجد الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ لصنم قطُّ، قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ في مجمعٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سجدتُ لصنمٍ قطُّ، وذلك أنِّي لمّا ناهزتُ الحلم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدعٍ فيه الأصنام، فقال لي: هذه الهتك الشُّمُّ العوالي، وخلاَّني، وذهب، فدنوتُ من الصَّنمِ، وقلتُ: إنِّي جائعٌ فأطعمني، فلم يُجبني، فقلتُ: إنِّي عارٍ فاكسني، فلم يُجبني، فألقيت عليه صخرةً، فخرَّ لوجهه. وهكذا حمله خُلُقه الحميد، وعقله النَّيِّر، وفطرته السَّليمة على الترفُّع عن كلِّ شيءٍ يخدش المروءة، وينقص الكرامة من أفعال الجاهليِّين، وأخلاقهم التي تجانب الفطرة السَّليمة، وتتنافى مع العقل الرَّاجح، والرُّجولة الصَّادقة،(شاكر، 1990، ص 31) فلا عجب على من كانت هذه أخلاقه أن ينضمَّ لموكب دعوة الحقِّ، ويحتلَّ فيها الصَّدارة، ويكون بعد إسلامه أفضل رجلٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ».
وقد علَّق الأستاذ رفيق العظم عن حياة الصِّدِّيق في الجاهلية، فقال: الّلهمَّ إن امرأً نشأ بين الأوثان حيث لا دين زاجرٌ، ولا شرع للنفوس قائدٌ، وهذا مكانه من الفضيلة، واستمساك بعرا العفَّة، والمروءة . . . لجديرٌ بأن يتلقَّى الإسلام بملء الفؤاد، ويكون أوَّل مؤمنٍ بهادي العباد، مبادرٍ بإسلامه لإرغام أنوف أهل الكبر، والعناد، ممهِّدٍ سبيل الاهتداء بدين الله القويم؛ الذي يجتث أصول الرذائل من نفوس المهتدين بهديه، المستمسكين بمتين سببه.(المصري، 1999،ح1،ص12)
لله دَرُّ الصِّدِّيق رضي الله عنه فقد كان يحمل رصيداً ضخماً من القيم الرَّفيعة، والأخلاق الحميدة، والسَّجايا الكريمة في المجتمع القرشيِّ قبل الإسلام، وقد شهد له أهلُ مكَّة بتقدُّمه على غيره في عالم الأخلاق، والقيم، والمثل، ولم يُعلم أحدٌ من قريشٍ عابَ أبا بكرٍ بعيبٍ، ولا نقصه، ولا استذله، كما كانوا يفعلون بضعفاء المؤمنين، ولم يكن له عندهم عيبٌ إلا الإيمان بالله، ورسوله.
مراجع البخث
علي محمد الصلابي، الإنشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق، شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه-2003م صص16-28
ابن هشام، السِّيرة النَّبوية دار إِحياء التراث، الطَّبعة الثَّانية 1417هـ 1997م.
جلال الدِّين السُّيوطي، تاريخ الخلفاء عُني بتحقيقه إِبراهيم صالح، دار صادر، بيروت، الطَّبعة الأولى 1417هـ 1997م.
مجدي فتحي السَّيِّد، سيرة وحياة الصِّدِّيق، دار الصَّحابة للتُّراث، بطنطا، الطَّبعة الأولى 1417هـ 1996م.
يسري محمَّد هاني، تاريخ الدَّعوة إِلى الإِسلام في عهد الخلفاء الرَّاشدين، الطَّبعة الأولى، جامعة أمِّ القرى، معهد البحوث العلميَّة، وإِحياء التراث.1418هـ-1996
مجدي فتحي السَّيِّد، سيرة وحياة الصِّدِّيق، دار الصَّحابة للتُّراث، بطنطا، الطَّبعة الأولى 1417هـ 1996م.
محمود المصري، أصحاب الرَّسول، مكتبة أبي حذيفة السَّلفي، الطَّبعة الأولى 1420هـ 1999م.
محمود شاكر، التَّاريخ الإِسلاميُّ، الخلفاء الرَّاشدون، المكتب الإِسلاميُّ، الطَّبعة الخامسة 1411هـ 1990م.