المرأة الصالحة
أ.د مجدى شلش
الجمال: امرأة تعيش في وجدانك وإحساسك وشعورك، وقلبك ونبضك وعقلك وفكرك، الحياة بلا نساء كريمات عفيفات صالحات كابوس طويل لا آخر له إلا باليقظة في عالم الآخرة.
كانت ومازالت المرأة جنة البيت الصالح، إذا رقت مشاعرها، وحسن لفظها، وأكملت هيئتها، وقويت عزيمتها، ووضحت فكرتها، وعظمت ثقافتها، صلاح المرأة يكمن في حسن تبعل، ومسرة منظر، واستجابة طاعة، وحركة روح، وخفة ظل، النساء كوامل بالتقوى والورع، والحب والحنان، والرحمة والرأفة.
صلاح المرأة نابع من عشق التلاوة، ورونق الحديث، ومكابدة الليل، ومتعة السيرة، وفقه الصراع، ولذة الخدمة، ويسر الدنيا، وسهولة المعشر، وخبرة المأكل والمخبز، ونعومة الملبس والمكلم، لربها ساجدة، ولزوجها طائعة، ولسمعتها حافظة، ولأولادها مربية.
المرأة الصالحة كريمة النفس، قليلة الأخذ، كثيرة الحمد، عظيمة الشكر، تأكل بالمعروف، تتكلم قليلا، وتصمت كثيرا، قريبة العطاء، نسيبة الذكر، كثيرة الفكر، رائحتها المسك، وعطرها الثناء على الأهل.
المرأة ريحانة البيت وزهرته، وعبيره ونوره، وشمسه وقمره، ونهاره بكده، وليله بسكونه ولباسه، إنها النسمة التي تذهب كل ألم، وتشفي بسلسبيلها من كل سقم، ضاحك فمها، ومتبسم وجهها، وثاقب نظرها، وواسع قلبها، وراشد عقلها، تقوم وهي تضحك، وتنام وهي مسرورة، وتستيقظ وهي نشيطة.
المرأة الصالحة: الحياة عندها من أجل الطاعة والأجر محبوبة، والبلاء في نظرها نعمة من الله من أجله مرغوبة، وتربية الأبناء رغم صعوبتها قائمة ومكفولة، والصبر على لأواء الغربة وفقد الديار رغم المرار فيه عذوبة، إنها اليد التي تصون وتحفظ، وترعى وتقي وتفي وتعصم، عصماء من الزلل، وفيحاء دائما بروح الأمل، صناعتها المودة، وخدمتها الرحمة.
صفاتها في القرآن معلومة، مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات سواء كن ثيبات أو أبكارا، وفي سورة الأحزاب أحلى وأروع الصفات، إسلام وإيمان، وقنوت وصدق وصبر، وخشوع وصدقة وصيام، وحفظ عفة وذكر كثير يورث المغفرة والأجر في الحياة وبعد الممات.
وفي السنة بيان لصلاحها وسمتها، فهي مسرة عند النظر، وحافظة عند الغيبة، وطائعة عند الأمر، كل أوامر القرآن والسنة مخاطبة بها إلا ما خص به الذكور من الرجال، جاهدت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنفسها ومالها بكل رضى وحب رغم عدم الفرض، أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة لجمال عطائها، وحسن صبرها، وعظم تربيتها لبناتها، إنها الصورة الأمثل للصلاح والكمال، منها تأخذ العبرة، ومن حياتها نعيش جمال العظة والذكرى.
المعيار في الصلاح مأخوذ من ميدان الإسلام، لا من خراب المناهج وتصورات الأقزام، الإسلام رفع من قدرها، وأعلى من شأنها، ضرب بها المثل لقمة الإيمان لما استسلمت لربها، وضرب بها المثل لقاع الكفر لما عاندت أزواج كانوا أنبياء، امرأة نوح ولوط خانوا أزواجهن في أمر الإيمان والاستسلام، فكن أغرب المثال في البعد والطرد والإبعاد.
أما امرأة فرعون رغم القصور والمال والجاه، إلا أنها آمنت بربها، وأيقنت أن موسي عليه السلام مرسل من عند الله، فعذبها المغرور حتى ينال من إيمانها، ويأخذ من عزيمتها، لكنه الصلاح الذي ملك القلب، والإيمان الذي غطى البدن والثوب والعقل والفكر، فكان التكريم الأمثل لها أن تذكر في أجل كتاب، وأحلى موعظة، " إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين".
وأما الثانية فهي الموسومة بالصون والعفة والحفظ، صانت أعز ما تملك، وحفظت أستر ما فيها، مع حسن صبر وإيمان وكرامة، فكانت المثل الثاني في قوة الإيمان، وحسن اليقين، وصدق الكلمات، فأصبحت سيرتها محفوظة بجلال كلام الله عنها، كل ذلك رسم وبيان لصورة المرأة الصالحة، التي نعمت بربها، وآنست بقراءة كلامه، وسمرت ببلبل ذكره، وعطر حديثه.
الواقع الذي نعيشه الآن رأينا فيه نساء شامخات بدينهن، عزيزات بربهن، كريمات مع دعوتهن، سهرن الليالي لحسن الأداء والقيام والذكر، وعشن النهار في كدح وعمل وتعب وجهاد وذكر، مئات بل الآلاف من النساء يكابدن عناء الليل وتعب النهار، منهن من استشهد زوجها، وسجن ولدها، وغاب أبوها وأمها، ومنهن من وقع عليها جميع الأحزان فصبرن رجاء الأجر والثواب من الله الواحد العدنان.
المعارك الكبرى لا يحسمها الرجال وحدهن، فالنصر والتمكين لا يكون إلا بعد ثبات وتمحيص وصبر، والمرأة الصالحة أساس النصر ولبته، وركنه الأول وبذرته، لا يخرج المجاهد إلا من رحم عشق الإيمان، وتماهى مع القرآن، وترطب بالذكر والتربية والحنان.
أبناء الصحابة الذين فتحوا الديار والأمصار خرجوا من بيوت الصالحات الفاهمات الواعيات، ومن تربية المؤمنات القانتات، المعارك الكبيرة تصنعها البيوت العظيمة، والآن تصنع النساء جيلا شديد البأس، عظيم الهمة، السجون والمعتقلات أظهرت أوراق الندى لصبر الزوجات والأمهات والبنات، ملحمة لم نرى في التاريخ بعد حياة الصحابيات لها نظير، ولمثلها نظير وشبيه ومثيل.
الصلاح الذي أقصده، صلاح المادة والروح، والعقل والبدن، والوعي والحركة، والعمل والأمل، والصبر والثبات، والوقت والزمن، النصر المرغوب هو النصر الذي يدوم مع أسبابه، وأولى أسبابه عطاء النساء الذي غطى الآن عطاء الرجال، أو يساويه، ولم يقصر عنه.
كثير من الناس يتصور أن النساء خلقن لمهمات قليلة، ولأهداف وضيعة، وغايات محدودة، فيقصر من همتهن، ويمنع من جهادهن، ويضعف من طاقتهن، لا يراها إلا أنثى ومتعة، غيب عقلها، وأوهن قلبها، وحبس فكرها، وأظلم نهارها، وأمات ذكرها، ظنا منه أنهن للحبس خلقن، ومن الجهاد منعن، ومن الحركة في واقع الصراع قطعن، يؤول كل جهاد سبق، وكل تضحية مضت، عقول لا تصنع بيوت منتصرة، وإنما تغرس الموت في صورة حياة، فليس هذا بصلاح ولا فلاح.
المرأة صلاحها كامن في فطرتها النقية، ومصادر الشريعة الغراء الظاهرة البينة الجلية، لا من عقول قاصرة، وقلوب حائرة، ونفوس بهوس المتعة جائعة، شئنا أو أبينا النساء شقائق الرجال، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، الأحوط ما جاء به الشرع، لا ما اخترعته العقول اليابسة، والأقلام البائسة، المرأة عنوان المجتمع، ومصدر إلهامه، ومعيار صلاحه، بصلاحها الواسع الرائع يكون الولد الصالح، والمجتمع الصالح، والدولة الصالحة، ومنها يخرج جيل النصر والتمكين.