هل يجوز للجمعيات الخيرية اقتطاع جزءا من مال الزكاة لتأهيل قدرات الفاعلين الاجتماعيين في العمل الخيري (فتوى)
بسم الله الرحمن الرحيم..
هل يجوز للجمعيات الخيرية أن تقتطع جزءا من مال الزكاة لتأهيل وتقوية قدرات الفاعلين الاجتماعيين في العمل الخيري
مع الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
- إن أغلب موارد الجمعيات الخيرية إن لم تكن كلها من الزكاة
- إن الجمعيات الخيرية الفاعلة والقوية تكون خدماتها جيدة وذات أثر إيجابي على المجتمع وخاصة على الفئات المحتاجة والضعيفة، اما الجمعيات الخيرية الضعيفة فيكون أثرها ضعيفا أو سلبيا.
فهل يمكن إدراج تطوير معارف ومهارات العاملين في المجال الخيري وتقوية قدراتهم في صنف " في سبيل الله " أو في "العاملين عليها"، حتى يصبح أثرهم على الفئات المستهدفة (الفقراء، المساكين، الايتام، المعاقين ...) ذا مردودية وفعالا ،، وجزاكم الله كل خير.
الجواب..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد
فإن بناء الفتوى في المسألة يرجع إلى أسس معينة هي:
1- إن الله فرض الزكاة من المال بشروط مخصوصة لفئات مخصوصة مذكورة في نص واحد بأوصاف تفيد العلية
والتوسع في ذلك يجعل الحصر بلا فائدة ويفتح بابا لضياع حقوق المستحقين في النص وهذا باطل عالجته الشريعة بهذا الحصر البين.
2- تمليك الفقير والمسكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم أمر مقرر في المذاهب الأربعة
وهذا التمليك مأخوذ من الإيتاء الذي يقتضي الدفع إليهم وهو مقتض للتمليك كما أن
الإيتاء يعين معنى إضافة الزكاة إليهم باللام والأصل في إضافة المال للعاقل الملك.
ولا يكون التمليك إلا بدفعها إليهم.
3- أن العاملين عليها يدخل فيها اليوم كل الإداريين القائمين على الزكاة جمعا وتحصيلا وإدارة ومحاسبة وحفظا وغير ذلك. وعلى هذا فتوى المجمع كما في قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9 م 13 تموز (يوليو) 2007 م. قرار رقم: 165 (3/18).
4- واستحقاقهم أجرة مقابل عملهم
قال ابنُ عبد البَر: (قد أجْمع العلماء أنَّ العامل عليها لا يستحقُّ ثمنها، وإنما له بقدْر عمالته،). (الاستذكار) (3/207) .. قال ابنُ رُشد: (وأما العامل عليها فلا خلافَ عند الفقهاءِ أنَّه إنما يأخُذُ بقدْرِ عَمَلِه). ((بداية المجتهد)) (1/278).
ولذلك يعطى ولو كان غنيا بلا خلاف
قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجْمع العلماءُ على أنَّ الصَّدقة تحِلُّ لِمَن عمِل عليها وإنْ كان غنيًّا). ((التمهيد)) (5/101).
5- مصرف في سبيل الله مجمع على أنه الجهاد وعليه المذاهب الأربعة ونقل الإجماع في ذلك قال ابنُ قُدامة: (لا خلافَ في استحقاقِهم وبقاءِ حُكمِهم، ولا خلاف في أنَّهم الغُزاةُ في سبيل الله؛ لأنَّ سبيلَ الله عند الإطلاق هو الغَزوُ؛ قال الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ *البقرة: 190، وقال: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ *المائدة: 54*، وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا *الصف: 4**، وذكَر ذلك في غيرِ مَوضعٍ مِن كتابِه، فإذا تقرَّر هذا، فإنَّهم يُعطَون وإن كانوا أغنياءَ). ((المغني)) (6/482). قال ابنُ العربي: (لا أعلم خِلافًا في أنَّ المرادَ بِسَبيلِ الله هنا: الغزوُ، ومن جملة سبيلِ اللهِ، إلَّا ما يُؤثَر عن أحمد وإسحاق؛ فإنَّهما قالا: إنَّه الحَجُّ، والذي يصحُّ عندي مِن قَولِهما أنَّ الحَجَّ مِن جُملة السُّبُلِ مع الغَزوِ؛ لأنَّه طريق برٍّ فأُعطي منه باسْم السبيلِ، وهذا يحُلُّ عُقَدَ الباب، ويخرِمُ قانونَ الشريعة، ويَنثُر سلكَ النظر. وما جاء قطُّ بإعطاءِ الزَّكاة في الحجِّ أثرٌ). ((أحكام القرآن)) (2/533).
أقول ومن ألحق به الحج فهو بالنص الصحيح فلا يجيء ما قاله ابن العربي ولعله لم يطلع على الحديث عن عبدالله بن عباس: أرادَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحَجَّ، فقالتِ امرأةٌ لزَوْجِها: أحْجِجْني مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ما عندي ما أُحِجُّكِ عليه، فقالت: أحْجِجْني على جَمَلِكَ فُلانٍ، قال: ذلك حَبسٌ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فأتَى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنَّ امرَأتي تَقرَأُ عليك السَّلامَ ورَحْمةَ اللهِ، وإنَّها سَأَلَتْني الحَجَّ معك، فقُلتُ: ما عندي ما أُحِجُّكِ عليه، قالت: أحْجِجْني على جَمَلِكَ فُلانٍ، فقُلتُ: ذلك حَبسٌ في سَبيلِ اللهِ، فقال: أمَا إنَّكَ لو أحجَجْتَها عليه لكان في سَبيلِ اللهِ.
التخريج: أخرجه أبو داود (1990)، والطبراني (12/208) (12911) وهو صحيح
كما ألحقت المجامع بذلك الدعوة إلى الله نظرا للمعنى المساوي للجهاد في سبيل الله
ومن توسع كالقفال فيما نقله عنه الرازي في تفسيره 16/ 90، حيث قال: "علم أن ظاهر اللفظ في قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] لا يوجب القصر على كل الغزاة. فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير؛ من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد؛ لأن قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] عام في الكل".
فأدخل المصالح أو كل ما يطلق عليه في سبيل الله فقد أبعد جدا لأنه مؤد إلى عدم تحديده فكأن الشرع أحال على غير معلوم فيدخل في سبيل الله كل عمل صالح كمن صلى ركعتين ونحو ذلك لأنه في سبيل الله.
وقيده الكاساني بالحاجة لذلك البدائع 2/ 73. والقيد غير منضبط والحاجة في المصالح واسعة. فهو قريب مما قاله القفال.
إذا تبين هذا علم أن الانفاق على الدورات التأهيلية لمؤسسات الزكاة خارج عن هذه الأسس جميعا فإدخالها من الزكاة تكلف وأكل لأموالها بما لم يأذن به الشرع بدليل بيّن،،
وقد اختلف العلماء في مسألة تعليم الفقير والمسكين من مصرف الزكاة والمدرك للخلاف أنه قائم على التصرف بغير إذن شرعي في حق معين مملوك لمعين فلا يتصرف فيه إلا مالكه فيما يراه لا فيما يراه له الغير.
فإن كان الخلاف واردا في هذه المسألة مع استفادة الفقير منه استفادة مباشرة فمن باب أولى المنع من إنفاق الزكاة في الدورات التأهيلية للعاملين في المنظمة أو الجمعية لعدم استفادتهم شخصيا من ذلك لأن مصلحة ذلك لا تعود لهم أصلا. بل لصندوق الزكاة ككل وهذا لم يقله أحد.
فمصرف العاملين يجب أن يسلم للعامل للانتفاع به ولا يقوم تعليمهم لأجل مصلحة الزكاة مقام المنفعة له أصلا ، ولأن مصرف العاملين أجرة مقابل عمل ولا يجوز في الأجرة التصرف فيها إلا من مستحقها ومالكها.
ولا تطمئن النفس بإدراج ذلك في مصرف في سبيل الله لأنه خارج عن محل الاجماع وفتوى الجماعة المجامعية ،، والتوقف عن التصرف في المال الذي عينت الشريعة مصرفه هو المتعين فلا يصرف فيما لم يقطع به أو يجمع عليه أو يغلب على الظن أنه من المناط المقصود.
والله تعالى أعلم
كتبه الفقير إلى الله
فضل بن عبد الله مراد
أمين لجنة الفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين