ما حكم إعفاء اللحية وما حكم تحليقها! (يستفتونك)
بقلم: الشيخ عبد الحي يوسف
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا يجوز للرجل المسلم حلقُ لحيته وعلى هذا نصَّ العلماء رحمهم الله تعالى؛ ففي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/90 قال: تنبيه: يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه ويؤدَّب فاعل ذلك.ا.هـ وقال الحطاب في مواهب الجليل 1/217: وحلق اللحية لا يجوز وكذا الشارب وهو مثلة وبدعة، ويؤدَّب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه ا.هـ
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع 2/141: وحلق اللحية مثلة ا.هـ ومثله قاله الزيلعي الحنفي في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/39.
ونقل ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله في تحفة المحتاج شرح المنهاج 9/377 أن الشافعي رحمه الله تعالى نصَّ في كتاب الأم على تحريم حلق اللحية، قال الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها.ا.هـ.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف1/122: قال ابن الجوزي في المُذهَب: ويحرم حلقها.ا.هـ
ومستند هؤلاء العلماء رحمهم الله في القول بتحريم حلق اللحية ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الكثيرة الآمرة بتوفير اللحية وإعفائها كقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب) وما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (جُزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: فحصل خمس روايات: أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناها كلها: تركها على حالها.. إلى أن قال رحمه الله: والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً، والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة، والله أعلم.ا.هـ
وقد أوجب جمهور العلماء في إزالة شعر اللحية عقوبة إذا لم ينبت الشعر بعد إزالته، ففي شرح الزرقاني على خليل 8/41 قال: وفي إزالة شعر الرأس أو اللحية إذا لم ينبت ففي كل منهما حكومة، ولا فرق بين الخطأ والعمد في هذا كله، فإن نبت الشعر بعد إزالته وعاد لهيئته فلا شيء فيه إلا الأدب في العمد. وفي المغني لابن قدامة 8/10 قال أحمد: في إزالة شعر الرأس دية كاملة وفي إزالة شعر اللحية دية، وفي إزالة شعر الحاجبين دية وفي أحدهما نصفها.أ.هـ وفي الهداية في فقه الحنفية للميرغناني: في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية.ا.هـ
وقد طوَّلت بذكر هذه النقول عن هؤلاء الأئمة رحمهم الله ليعلم السائل أن الناس إنما ابتلوا بحلق لحاهم تقليداً لغير المسلمين؛ وتأثراً بالدعايات الآثمة التي صوَّرت أصحاب اللحى أهل غلو وإرهاب، وظن بعض المسلمين أن التمسك بإعفاء اللحية دين جديد أو تشدد من بعض الناس ليس إلا؛ وهذا كله بسبب غربة الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويستثنى من هذا الحكم من لا يستطيع إعفاء اللحية لعلة؛ إذ الواجبات تسقط بالعجز، وكذلك من ابتلي ببعض عتاة البشر ممن يأخذون الناس بالظنة، وتكون اللحية موجبة لمتاعب عديدة يعاني منها الملتحي مع هؤلاء الظلمة؛ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله تعالى عفا لهذه الأمة عما استكرهت عليه، والعلم عند الله تعالى.