أكد الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، أن نصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكون باتباع نهجه المبارك من خلال تعاطي المعرفة، وخلق المحبة بعيدا عن التشاحن والتباغض، وإسداء الرحمة، ونبذ الطبقية، إضافة إلى تمسكنا بسنته الظاهرة والباطنة، منتقدا ـ فى الوقت ذاته ـ طريقة التعامل مع الفيلم أو الرسوم المسيئة، لعدم تحوُّل مشاريع النصرة إلى برامج عملية.
وبيّن ـ خلال محاضرته "كيف ننصر نبينا" ـ إنَّ أول آية نزلت عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمعها من جبريل هي "اقرأ"، لتقرير مبدأ تعاطى المعرفة والعلم، وهو ما أكده -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ »، موضحا لاأن العلم يتضمن هنا علم الدين، وعلم الدنيا مما يحتاج إليه الإنسان.
خلق المحبة
وأضاف: "هل ندرك أن نصرته -صلى الله عليه وسلم- تكمن ـ أيضًا ـ في تعاطي المحبة، فهو رسول المحبة -عليه الصلاة والسلام- وحبه إيمان، لافتًا ـ في مقابل ذلك ـ إلى ما تشهده أوساط المسلمين ومجتمعاتهم اليوم من حالات الإحن والبغضاء والحقد بسبب خلاف على دنيا أو أرض أو منصب أو حتى خلافات تاريخية ورثناها من الآباء والأجداد تعصف بمجتمعات تنتسب إلى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.
طبقية مذمومة
ودعا فضيلته ـ في سبيل ذلك ـ إلى ضرورة أنْ تخلو مجتمعاتنا من الطبقية بكافة أشكالها، طبقة الأقلية وطبقة الفقراء، وطبقة الأشراف وطبقة الأراذل، وطبقة السادة وطبقة العبيد، بسبب نسب أو مال أو سلطة".
وشدد على ضرورة تقرير معنى الرحمة بين الناس لأنه - صلى الله عليه وسلم- قد بُعث رحمةً للعالمين، متسائلا: "هل جربت يوماً من الأيام أن توسع قلبك وأن تدعو لمن تعرف ومن لا تعرف، ومن تحب ومن لا تحب، لأهلك وجيرانك، وأن تدعو للمسلمين جميعاً؟".
الدعوة بالهداية للبشر جميعا
وقال: "لا يوجد ما يمنع أن تدعو الله تعالى للبشرية كلها التي بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها جميعاً وهي إما أمة إجابة آمنت بالله ورسوله، أو أمة دعوة كانت محلاً للهداية"، مشيرًا إلى أنه "لا مانع أن تدعو الله للبشرية بالهداية أو تدعو لهم بالخير أو أن تدعو لهم بأن يولي الله عليهم من هو أقل شراً وأقل سوءاً".
وشدد على ضرورة أن يتعاطى الإنسان بشكل إيجابي مع كل الظواهر الكونية حتى لو كان في بلدان غير إسلامية.
وذكر أنه "كان مرة في لندن ومعه بعض الشباب المبتعثين هناك، وكان وقت نزول مطر ، وسألهم: إذا جاء المطر هل تقولون أمطرنا بفضل الله ورحمته، أم تقولون اللهم حوالينا ولا علينا، أو تقولون أنكم في بلد كفار ولذلك لا تطلبون المطر ولا تفرحون به؟"، مشيرا إلى ضرورة التعاطي الإيجابي مع البلد الذي يعيش فيه الشخص، لأنه يتطابق مع الرحمة النبوية التي بُعث بها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعاطي الايجابي مع المرأة
وشدد كذلك ـ على ضرورة ـ الرحمة بالنساء ، وربما كان العرب من أحوج الشعوب إلى الوصية بالمرأة؛ لأن العربي بطبيعته لا يخلو من جفاء الصحراء، مشيرا إلى أنه على الرغم مما يتصف به العربي من خُلق كريم فيما يتعلق -مثلاً- بالشجاعة والكرم والنجدة وإكرام الضيف، إلا أنَّ ثمة نوع آخر من الأخلاق ربما لا يتذوقه العربي جيداً، خاصةً في فترة مضت، مثل أخلاق الحب والتعاطي الايجابي مع المرأة، والصبر على المرأة، وتقديرها ، والكلمة الطيبة التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها: « الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ».
وأشار د. العودة إلى ضرورة استشعار رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع كل ما حولنا سواء الحيوان أو البيئة، مشيرا إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى مرةً حُمُّرة تصيح قال: « من فجع هذه بولدها؟؟ ردوا ولدها إليها، لعن الله من فجع هذه بولدها»، بل كان ينهى عن قطع الأشجار من دون فائدة، حتى أن من قطع سدرة بغير حق فقد جاءت عليه عقوبة ووعيد، لافتًا إلى "الأضرار البيئية المترتبة الآن على حرائق الغابات، وما نتج عنه من أضرار كثيرة مثل الاحتباس الحراري، والأضرار التي تلحق الحياة البشرية جراءها".
طريق الإيمان
وأشار فضيلته إلى أن من رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحفاظ على الطريق، الحسي والمعنوي؛ مشيرا إلى أن الطريق المعنوي يعني طريق الخير والإيمان، الذي نحتاج أن نعبّده للناس، من خلال دعاة إلى الله -سبحانه وتعالى- يهدون بالحق وبه يعدلون؛ بأخلاقهم، وكرمهم، وصبرهم، وتسامحهم.
وأكد أنه "ما لم تتحول النصرة إلى برامج عملية مباشرة ودقيقة يشارك في تطبيقها الطفل الصغير، والشيخ الكبير، والعاجز، والعالم، والفلاح، ورجل المرور، فستظل النصرة كلاماً نقوله في المناسبات".
الفيلم المسيء
وانتقد د. العودة ـ في هذا السياق ـ طريقة التعامل مع الفيلم المسيء، أو الرسوم المسيئة، قائلا: "غضبنا وصرخنا ثم غضبنا ثم تقاتلنا ثم سالت دماؤنا ثم قدّمنا صوراً غير إيجابية لهذا النبي الكريم الذي ننتسب إليه ثم سكتنا" دون أن نحوِّل برامج النصرة إلى برامج عملية.
الرحمة بالطفل
وأشار د. العودة إلى رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطفل الصغير، وما تضمنته سنته، في قصته مع الحسن أو مع الحسين أو مع عبد الله بن عباس أو مع عبد الله بن الزبير أو مع عبد الله بن عمر أو مع أنس بن مالك أو مع أطفال المهاجرين والأنصار، وما ورد من احتضانه الأطفال والحفاوة بهم، مشيرا إلى أن هؤلاء الأطفال هم قادة المستقبل الذين يجب الاعتناء بتربيتهم وتقويمهم.
ونوه د. العودة إلى اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصداقة، ومن ذلك علاقته مع أبي بكر رضي الله عنه الذي كان صَدِيقاً ثم أصبح صِدِّيقاً وتقدَّم إلى المرتبة الأولى وصار أفضل هذه الأمة وسابقها، مشيرا إلى تعامله الكريم حتى مع الأعداء والخصوم « اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ »، وقصته مع عبد الله بن أبي بن سلول شيخ المنافقين ومؤسس حزب النفاق وكان عمر يقول: أَتُصَلِّى عَلَى ابْنِ أُبَىٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا - أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ » . فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ « إِنِّى خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّى إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ فَغُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا ».
نبذ الظلم
وأكد أن من نصرته -صلى الله عليه وسلم- الابتعاد عن الظلم حتى لو كان الخصم عدواً أو مناوئاً أو مخالفاً في الدين أو مخالفاً في المذهب، مشددا على أن تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات تنصر الضعفاء لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « ابْغُونِى الضُّعَفَاءَ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ »، أي بدعائهم واستنصارهم.
كما أكد أن من نصرته صلة الرحم، وبر الوالدين، وهو الذي نزل في قبر أمه فبكى بكاءً طويلاً وأبكى من حوله وقال: « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّى فَلَمْ يَأْذَنْ لِى وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِى ».
السنن الباطنة
وأكد أن من نصرته -صلى الله عليه وسلم- اتباع سنته ظاهراً وباطناً، مشيرا إلى أن إعفاء اللحى اتباعا لنهجه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر طيب يدل على السنة، إلا أن صفاء القلوب وحسن النية والظن بالمسلمين وعدم الحقد وغيرها مما يتعلق بالقلوب أعظم أثراً وقيمة، مشيرا إلى أن كل حسنات القلوب هي أصل لحسنات الظاهر والجسد، وكل سيئات القلوب هي أصل سيئات الظاهر والجسد. وقال: "إذا رأيت عند الإنسان سيئات ظاهرة فاعلم أن في قلبه رصيدا منها، وإذا رأيت حسنات ظاهرة فاعلم أن في قلبه رصيدا منها"، وأن تشمل اتباع سنته -صلى الله عليه وسلم- الأخلاق، والعبادة، والطهارة، والإيمان، والابتسامة والبذل والعطاء.
روح الكلمة
وقال إن الكلمة التي ليس لها روح تولد ميتة؛ لأنها بلا معنى أو لأن صاحبها لا يؤمن بها، ولذلك لا تحدث التغيير، مشيرا إلى أن كلمات الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- نقرؤها الآن مسطورة في الكتب ومدونة في الدفاتر ومنصوصة في المصادر والروايات بعد ألف وأربعمائة سنة، فتجدها تهز الإنسان هزاً من أعماقه ووجدانه وتبعثه وتعيد تركيبه وترتيبه من جديد، فكيف كان أثر وصدى تلك الكلمات على ذلك الجيل الذي كان يسمعها غضة رطبة طرية من فمه -عليه الصلاة والسلام-؟
ليست خطبًا حماسية
وأشار إلى أن كلمات النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن كما نفعل الآن محاضرات طويلة تمتد لساعات، تقول عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يتكلم بكلام فصل قصدٍ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ)، مشيرا إلى أن تلك الكلمات صنعت ذلك الجيل الأول الجيل القرآني الفريد؛ والذي كان يسمع القرآن غضاً من فمه -عليه الصلاة والسلام- وبصوته العذب الجميل.
وقال: "لو قرأنا التاريخ الإسلامي ونظرنا سير المصلحين والأئمة والقادة والعلماء لوجدناهم حصلوا على قبسة من هذه النبوة ونور مشكاتها، فكانت كلماتهم تهز القلوب وتحرك الوجدان، وتلهم السامعين، وتلهب المشاعر، ليست عن طريق خطب حماسية فحسب؛ لأن الخطبة الحماسية قد تنسى بعد قليل، مثل السوط الذي يُضرب به الإنسان يشعر بالألم أثناء الضرب، وبمجرد أن يتوقف الضرب يتوقف الألم.