البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد (تفسير الظواهر الكونية في ضوء الحقائق الإيمانية والعلمية)

الرابط المختصر :

في ظلال مقاصد التوحيد (تفسير الظواهر الكونية في ضوء الحقائق الإيمانية والعلمية)

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

الحلقة 14

المنهج الشرعي في تفسير الظواهر الكونية الغريبة هو تفسيرها وبيان حقيقتها العلمية، مع ذكر ما ظهر من الحكم والمقاصد من وجودها، حتى يتعامل معها الإنسان على علم وهدى، يقول الأستاذ سيد قطب [1]رحمه الله (( وأما القوى الطبيعية فموقف المسلم منها هو موقف التعرف والصداقة، لا موقف التخوف والعداء، ذلك أن قوة الإنسان وقوة الطبيعة صادرتان عن إرادة اللّه ومشيئته، محكومتان بإرادة اللّه ومشيئته، متناسقتان متعاونتان في الحركة والاتجاه، إن عقيدة المسلم توحي إليه أن اللّه ربه قد خلق هذه القوى كلها لتكون له صديقا مساعدا متعاونا، وأن سبيله إلى كسب هذه الصداقة أن يتأمل فيها. ويتعرف إليها ، ويتعاون وإياها، ويتجه معها إلى اللّه ربه وربها، وإذا كانت هذه القوى تؤذيه أحيانا، فإنما تؤذيه لأنه لم يتدبرها ولم يتعرف إليها، ولم يهتد إلى الناموس الذي يسيرها))[2] .

ومن التفسيرات الإيمانية للظواهر الكونية التي تخبط فيها كثير من الناس ما يلي :

  1. ظاهرة الخسوف والكسوف.

حيث يعتقد بعض العوام أن الشياطين تتسلط على الشمس أو القمر فينطفئ نورهما وتعلوهما الصفرة، وزعم آخرون أنهما تنكسفان إذا ولد أو مات أحد العظماء، وهذه العقيدة الفاسدة قديمة ومنتشرة في كثير من الشعوب والقبائل، فعن أبي مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الشمس والقمر ليس ينكسفان لموت أحد من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموه فقوموا فصلوا ))[3]، قال المناوي رحمه الله قوله ((ليس ينكسفان لموت أحد من الناس ..)) : ((ذكره دفعا لتوهم أنه إذا لم يكن لموت أحد من العظماء...، وانكسافهما عبارة عند عدم إضاءتهما عالم العناصر مما يلينا في الوقت الذي من شأنهما أن لا يغيبا فيه، وسبب كون كسوف الشمس توسط القمر بينهما وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد مظلم فيحجب ما وراءه عن الأبصار وفلكه دون فلك الشمس فإذا وجدنا الشمس بأبصارنا والقمر بيننا وبينها اتصل مخروط الشعاع الخارج عن الأبصار أولا بالقمر ثم يتعدى إلى الشمس فتنكسف كلا أو بعضا، وسبب خسوف القمر توسط الأرض بينه وبين نور الشمس فيقع في ظل الأرض ويبقى ظلامه الأصلي فيرى منخسفا، ((ولكنهما آيتان)) أي علامتان لقرب يوم القيامة، أو لعذاب الله، أو لكونهما مسخرين بقدرته ((من آيات الله)) الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته))[4].

  1. معنى رمي نجم مضيء.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: أخبرني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأنصار أنهم بينما هم جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ رمي بنجم، فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما كنت تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ )) قالوا: كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات الليلة رجل عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فإنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، فيخبر أهل السماوات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، ويخطف الجن، فيلقونه إلى أوليائهم، ويرمون، فما جاؤوا به على وجهه، فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه أو يزيدون))[5].

  1. اعتقاد بعض الناس تأثير الأنواء في نزول الأمطار.

 فعن زيد بن خالد الجهني[6]، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (( هل تدرون ماذا قال ربكم؟ )) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (( قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ))[7]، قال ابن عبد البر رحمه الله ((وأما قوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله عز وجل (( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر)) : ((فمعناه عندي على وجهين، أحدهما : أن القائل مطرنا بنوء كذا أي بسقوط نجم كذا أو بطلوع نجم كذا إن كان يعتقد أن النوء هو المنزل للمطر والخالق له والمنشئ للسحاب من دون الله فهذا كافر كفرا صريحا ...، وإن كان أراد أن الله عز وجل جعل النوء علامة للمطر ووقتا له وسببا من أسبابه...فهذا مؤمن لا كافر))[8].

  1. اعتقاد العرب في الغول والهامة.

 فعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا عدوى، ولا طيرة، ولا غول )) [9]، قال البغوي رجمه الله ((ولا غول)) : (( ليس معناه نفي الغول كونا، وإنما أراد أن العرب كانت تقول: إن الغيلان تظهر للناس في الفلوات في الصور المختلفة، فتضلهم وتهلكهم، ويقال: تغول تغولا، أي: تلون فأخبر الشرع أنها لا تقدر على شيء من الإضلال والإهلاك إلا بإذن الله عز وجل... ، ويقال: إن الغيلان سحرة الجن، تسحر الناس، وتفتنهم))[10].

ومثل الغول عند العرب ما يعتقده بعض العجم في بعض بلاد غرب أفريقية من وجود جنس من البشر يقدرون على التشكل والطيران، ومشاهدة ما في البطون من المعدة والأمعاء، ويغتذون بلحوم البشر، وأغلب من يتهمون بالانتماء إلى هذا النوع من البشر هم الغرباء والفقراء، فكم قتل من غريب بعيد عن وطنه، و كم فقير مسكين أخرج من بلده، بدعوى أنه أكل فلانا أو علانا، ومن المضحك المبكي ما يحدث من بلاوي ومسرحيات في المحاكم حين يترافع الناس إلى القضاء للفصل في خصومات بين الأكلة والمأكولين لهم، ولا شك أن هذه العقيدة الباطلة ناتجة عن الجهل بالخلق والأمر، فكل ما يستدلون به لإثبات وجود هذا النوع من البشر من أعمال الجن والشياطين، يضلون بها العوام والجهال.

(اقرأ الحلقة 13: في ظلال مقاصد التوحيد (بعض المقاصد والحكم في خلق الجن والشياطين)

 

 

 

[1] سيد قطب بن إبراهيم: مفكر إسلامي مصري، .تخرج بكلية دار العلوم بالقاهرة ، عين مدرسا للعربية، فموظفا في ديوان وزارة المعارف. ثم مراقبا فنيا للوزراة. وأوفد في بعثة لدراسة برامج التعليم في أميركا، ولما عاد انتقد البرامج المصرية وكان يراها من وضع الانجليز، وطالب ببرامج تتمشى والفكرة الاسلامية، انضم إلى الاخوان المسلمين، وسجن معهم، فعكف على تأليف الكتب ونشرها، وهو في سجنه، إلى أن صدر الأمر بإعدامه، فأعدم سنة 1967م . انظر: الأعلام، تأليف خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي، 3 / 147 الناشر : دار العلم للملايين ، الطبعة : الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م

[2] في ظلال القرآن ، تأليف سيد قطب 1 / 25 ، الناشر دار الشروق ـ القاهرة

[3] صحيح مسلم، 2 / 628 ، برقم ( 911 )

[4] فيض القدير، 2 / 347

[5] الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تأليف  محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، 13 / 498 ، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ

[6] هو زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن،  قال أحمد بن البرقي توفي بالمدينة سنة ثمان وسبعين هجرية. انظر: تقريب التهذيب ، 3 / 410

[7] صحيح مسلم، 1 / 83 ، برقم ( 71)

[8] الاستذكار، 2 / 437

[9] صحيح مسلم ، 4 / 1744 ، برقم ( 2222)

[10] شرح السنة، تأليف محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، 12 / 173 ، الناشر: المكتب الإسلامي - دمشق، بيروت 1403هـ





التالي
القرآن الكريم أساس للبناء التربوي والعلمي في المجتمع المدني
السابق
كتّاب ورحالة وتجار وسفراء روس كتبوا عن الإسلام إعجابا به

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع