قيادة جديدة للشؤون الإسلامية بإثيوبيا.. ماذا ستقدّم في وضع متأزم؟
نجح المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا في عقد مؤتمره العام بعد تجاذبات وصراعات بين التيارات الإسلامية بالبلاد، ولا سيما التيارين الرئيسيين السلفي والصوفي، لنحو 3 سنوات.
وشهدت أديس أبابا الاثنين الماضي انعقاد المؤتمر العام الثاني لمسلمي إثيوبيا بمشاركة 261 عضوا من أصل 300 شخصية تم اعتمادهم كممثلين للتيارات المذهبية والفكرية في البلاد.
ويعتبر الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في إثيوبيا، وتتحدث بعض التقديرات عن أن نسبة المسلمين تشكل ما لا يقل عن 33% من عدد سكان البلاد البالغ نحو 115 مليون نسمة.
لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن المسلمين يحتلون مساحة سكانية أعلى من هذه النسبة بكثير. ويشكّلون أغلبية في إقليمي الصومال الإثيوبي وعفار، بينما يتواجدون بنسب قليلة في إقليمي أمهرة وتيغراي.
خطوة منتظرة
ويعتبر المراقبون انتخاب قيادة جديدة للمجلس خطوة مهمة لمسلمي إثيوبيا الذين يعولون على هذه المؤسسة في حل قضاياهم على المستويين المحلي والخارجي باعتبارها الجهة الرسمية التي تتولى شؤونهم في ظل تحديات أمنية وسياسية تشهدها الساحة الإثيوبية.
ويقول الكاتب الإثيوبي والمحلل السياسي في شؤون القرن الأفريقي، عبد الشكور عبد الصمد، إن انتخاب قيادة جديدة للمجلس الإسلامي بإثيوبيا خطوة منتظرة وإن تأخرت لكنها في الاتجاه الصحيح، وتستجيب لتطلعات المجتمع المسلم بإثيوبيا ولو في حدّها الأدنى.
ويرى عبد الصمد -في حديث للجزيرة نت- أن دور قيادة المجلس الجديدة سيكون في هذه المرحلة تأسيسي وتثبيتي للمجلس كمؤسسة يُنتظر منها تنفيذ الوثائق واللوائح الداخلية التي تم التوافق عليها بين مكونات المجتمع المسلم قبل أكثر من 3 سنوات.
في حين وصف الشيخ عبد الكريم شيخ بدر دان -نائب رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في إثيوبيا ضمن القيادة الجديدة- الانتخابات التي أجراها المجلس بالخطوة التاريخية والمهمة في تحقيق مصالح المسلمين.
وأوضح بدر دان، في تصريحات للجزيرة نت، أن أمام المجلس مهمة تحقيق مصالح المسلمين وخدمة قضاياهم، والعديد من المهام والمشروعات التنموية، وفي مقدمتها بناء المراكز والمؤسسات الدينية والمساجد وإكمال المشروعات السابقة.
ومن المنتظر أن يشرف المجلس على إنشاء "مسجد النجاشي" بالقرب من مقر الاتحاد الأفريقي كأكبر مشروع بالعاصمة الإثيوبية، إلى جانب إقامة جامعة إسلامية.
وأضاف بدر دان أن تعزيز وحدة المجتمع المسلم وحماية مصالحه من أهم أولويات المجلس، مؤكدا على أن القيادة الجديدة ستكون على مسافة واحدة من الجميع.
تمثيل التيارات المختلفة
من ناحيته، تطرق عضو الجمعية العامة للمجلس، الشيخ عبد الهادي أحمد برهان، إلى الانتخابات التي شهدها المؤتمر، وقال إنها عقدت في أجواء سلمية وديمقراطية، وحافظت على حق الجميع من حيث تمثيل الأقاليم والطوائف الدينية والتيارات.
وأوضح برهان للجزيرة نت أن انتخابات المجلس تمت بمشاركة 261 عضوا من أصل 300 شخصية تم اعتمادهم كممثلين للأقاليم الإثيوبية -مع مراعاة التيارات المذهبية والفكرية في البلاد- في "المؤتمر الوطني للإصلاح المؤسسي والوحدة للمسلمين الإثيوبيين" الذي عقد في العام 2019.
وتم انتخاب 30 عضوا، أسندت إليهم مهمة انتخاب لجنة تنفيذية من 14 عضوا من بين الأعضاء الـ30 للجمعية العامة، ولولاية تستمر 3 سنوات.
ويرأس المجلس الجديد الشيخ حجي إبراهيم توفا (من التيار السلفي) كرئيس اللجنة التنفيذية للمجلس. كما انتخب كل من الشيخ عبد الكريم شيخ بدردان (من التيار الصوفي) والشيخ عبد العزيز عبد الوالي نائبين للرئيس، والشيخ حامد موسى أمينا عاما.
بعد إنجاز مهم
وجاءت انتخابات المجلس الجديد بعد عامين من مصادقة البرلمان الإثيوبي على مرسوم منح المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا وضعا قانونيا، وتم بموجبه تحويله من مؤسسة أهلية إلى هيئة وطنية سيادية تمثل المسلمين، وهو ما اعتبر حينها إنجازا غير مسبوق لمطالب استمرت نحو 6 عقود.
وجاء القرار استجابة لمطالب المسلمين باعتماد تشريعي لمؤسسة دينية تنظم حياتهم، وتنفذ التشريعات الإسلامية، وتضمن حقهم في إقامة علاقات مع مختلف المؤسسات الدينية والمجتمعات الأخرى.
لكن الكاتب عبد الشكور عبد الصمد يرى أن انتخابات المجلس أخذت زخما أكبر من المهام التي تنتظر قيادته الجديدة. وقال إنه أعطي أكبر من حجمه الطبيعي وكأن المسلمين ليست لهم قضايا أخرى فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد والإدارة.
وحسب عبد الصمد، فإن دور المجلس سيكون خدميا فيما يتعلق بالمجتمع المسلم وتنظيم شؤونه والإشراف على المجال التعليمي والثقافي والتربوي والأمور التنظيمية الأخرى. مستدركا "يجب أن يكون له صوت مسموع فيما يتعلق بالمعالجات السياسية والأمنية والقضايا الرئيسية بالبلاد".
وعمل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا تحت مظلة الهيئات والمنظمات المستقلة، وتولى من خلالها رعاية شؤون المسلمين، قبل أن يتم إضفاء الشرعية القانونية عليه من البرلمان 2020، حيث أصبح بموجبها مؤسسة دينية إسلامية ذات سيادة، تسنّ القوانين وتنشئ المؤسسات الخاصة بالمسلمين الإثيوبيين.
مخاوف
وسبق انتخابات المجلس الأخيرة تجاذبات بين التيارات الإسلامية المختلفة، لكن عضو الجمعية العامة للمجلس الجديد، عبد الهادي برهان، استبعد أن يكون لها أي تأثير في عمل القيادة الجديدة، وقال إن المجلس سيركز في هذه المرحلة على تقريب وجهات النظر بين جميع الطوائف والتيارات الإسلامية من خلال لجنة للصلح أنشئت مؤخرا لهذا الغرض.
لكن الكاتب عبد الصمد ربط بين انسجام القيادة الجديدة وتناسقها معا وبين قدرتها على تبديد ومعالجة التوترات ما بين التيارات والطوائف الدينية الأخرى "وإلا ستظل المخاوف قائمة" على حد قوله.
وأوضح أنه من المهم أن يتم تجنب الخلافات والتحزبات الطائفية الفكرية أو العقائدية، وأن يكون قادة المجلس ممثلين للجميع ويتحدثون باسم الجميع ويعالجون الخلافات في إطارها العلمي والتنظيمي الصحيح.
ويعتقد عبد الصمد أن نجاح المجلس في تحقيق هذه الرؤية يتوقف على الظروف السياسية بالبلاد، ودور السلطات، وعدم تدخلها في شؤونه.
بين الصوفيين والسلفيين
وتأتي القيادة الجديدة للمجلس في ظل ظروف أمنية وسياسية معقدة في إثيوبيا لم يكن المسلمين فيها بعيدين عن تأثيراتها.
كما أن المؤتمر، الذي جاء بالقيادة الجديدة، انعقد بعد جولات من الاستقطاب خلال الأشهر الماضية بين التيارات الصوفية والسلفية، في تنافسها لتولي قيادة المجلس الذي يمثل أعلى هيئة للمسلمين.
وطالبت التيارات الحركية السلفية بانتخاب قيادة جديدة للمجلس بعد فشل القيادة السابقة في تحقيق الإصلاح المؤسسي، حسب رأيها. في حين اتهمها التيار الصوفي بالسعي للسيطرة على المجلس وتحييده من خلال الانتخابات.
المصدر: الجزيرة