البحث

التفاصيل

(حكمة مشروعية الصلاة...)

(حكمة مشروعية الصلاة...)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: الثالثة

 

الله سبحانه فرض الصلاة، واقتضت حكمته أن يجعلها خمس صلوات في اليوم والليلة، موزَّعة على أوقات اليوم، ليكون المسلم بين الحين والحين على موعد مع ربه، فكلما غرق الإنسان في لُجَج الحياة، ومشاغل الدنيا، جاءت الصلاة فانتشلته من ظلمات المادية والصراع، وتنازع البقاء أو الفناء، ليقف بين يدي ربه مناجيًا، يفضي إليه بما في نفسه، ويسأله الهداية والتوفيق، فيستمد من هذه المناجاة قوةً لروحه، وسكينة لنفسه، وأُنسًا لقلبه، ومَضاءً لعزيمته، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلَّم إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، ويقول القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].

فهي للروح بمثابة الوجبات اليومية للجسم، فإذا كان الجسم في حاجة إلى أكثر من وجبة في اليوم ليحيا ويقوى، فكذلك الروح التي تجد غذاءها وشفاءها في تكرار الصلاة، ففيها حياة الرُّوح، ورُوح الحياة.

وإذا كان الإنسان في ممارسة حياته اليومية لا يخلو من هفوات يقع فيها، فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين الناس من حوله، فما أحوجه إلى الصلاة تضميد والتئام لهذه الجراحات التي أصابته، وطهارة من تلك الأدران التي لوّثته، وبذلك يظلُّ سليمًا معافًى، طاهرًا مطهَّرًا، لا تستطيع الخطايا أو الزَّلات اليومية أن تتمكن منه، وتتغلغل في حياته، فإنَّ تأثير نور الصلاة أقوى من ظلماتها، قال تعلى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114].

ويشبِّه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الصلاة بحمام تغتسل فيه الروح من أدرانها كل يوم خمس مرات، فيقول: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمسًا، ما تقول ذلك يُبقي من درنه؟" قالوا: لا يُبقي من درنه شيئًا. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا".

وفي الصلوات اليومية الخمس فرصة يثوب فيها المخطئ إلى رشده، ويُفيق فيها المغرور من غفلته، ويرجع الإنسان إلى ربه، ويطفئ هذا السعار المادي الذي أجَّجته المطامع والشهوات، ونسيان الله والدار الآخرة.

وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم: "إن لله مَلَكًا ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم، فأطفئوها بالصلاة".

إنّها نار موقدة، تطَّلع على الأفئدة، وتلفح القلوب والعقول، والصلاة هي مضخَّة الإطفاء، التي تخمد هذه النار، وتمسح دخانها وسوادها، وتغسل أثرها من بين جوانح الإنسان، ويوضح هذا ابن مسعود في حديثه الذي يقول: "تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الفجر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون، فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا".

ويصوِّر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكل وسائل التوضيح عمل الصلاة في محو الخطايا التي تبدر من الإنسان في صباحه ومسائه، فعن أبي عثمان النهدي قال: كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة، فأخذ منها غصنًا يابسًا، فهزَّه حتى تحاتَّ ورقه، قال: أما تسألني لم أفعل هذا؟ قلت له: لم فعلته؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، وصلَّى الخمس، تحاتَّت ذنوبه كما تحاتَّ هذا الورق". ثم قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذه الحلقة مقتبسة من كتاب "فقه الصلاة" " لمؤلفه الشيخ العلاّمة يوسف القرضاوي – رحمه الله





التالي
"حوار باللغة العربية الفصحى".. طفل يبلغ 3 أعوام يفاوض أباه على هدية حِفظ "جزء عمّ”
السابق
وفاء وذكر لإمام العصر يوسف القرضاوي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع