البحث

التفاصيل

كيف ندرس صحيح البخاري؟

الرابط المختصر :

كيف ندرس صحيح البخاري؟

بقلم: د. محمد أكرم الندوي

 

الدكتورة إنجي موسى من تلميذاتي النجيبات، مصرية مقيمة في بريطانيا، عملت الدكتوراة من جامعة كامبريدج، ونالت شهادة العالمية من كلية كامبريدج الإسلامية، وهي سيدة صالحة متعففة معنية بدراسة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، كتبت إلي الرسالة التالية:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله يومكم بكل خير شيخنا الجليل الفاضل، أود الاستفسار عن الشروح التي ترشحون لقراءة صحيح البخاري؟ فقد تعلمنا في دروسنا منكم في كلية كامبريدج الإسلامية أن صحيح البخاري كتاب جليل ولا تكفي قراءة عادية لفهمه الفهم الصحيح العميق خاصة فيما يتعلق بتمييز ما في الكتاب من أحاديث الأصول والمتابعات أو ما أدرجه لعلة أراد التنبيه عليها، وسأكون ممتنة جدا لنصيحتكم في هذا الباب حتى أدرس الصحيح على الوجه الذي ينفعني في ديني ودنياي والله المستعان.

ملحوظة: كنتم قد ذكرتم أنكم تعملون على شرح لصحيح البخاري ولكني لا أعلم إن كان الله قد مكنكم من إتمام هذا العلم الجليل أم أنه ما زال قيد التنفيذ.

وفقكم الله لما فيه الخير دوما وجزاكم الله كل خير.

ابنتكم وتلميذتكم إنجي

الجواب:

أبدأ بما استفسرت في آخر الرسالة من عملي شرحًا لصحيح البخاري، فلعل الأمر اشتبه عليك، فإني معتن بشرح صحيح مسلم، لا صحيح البخاري، وأرجو إتمامه –بحول الله وتوفيقه– العام المقبل،

وأما صحيح البخاري فقد عملت مدخلا له، طبع العام الماضي باسم (مدخل رائع إلى صحيح البخاري وما فيه من أسرار وصنائع) في نحو خمسمائة صفحة،

يحتوي على ما يحتاج إليه طلاب الصحيح من بحوث أساسية ومقدمات ضرورية، وأرجو أن تقتني منه نسخة تكون أنفع لك وأعون على ما أردت من استيعاب هذا السفر الجليل.

والآن أعرج على سؤالك عن شروح صحيح البخاري، فأقول إن الجامع الصحيح للإمام الحافظ أبي عبدالله البخاري أجل كتاب صحة واشتمالا على معاني عظيمة لا تجتمع في غيره، ولا أعلم عملا بشريا بلغ في الإتقان والإجادة والنفع ما بلغه هذا الكتاب البديع.

أرى أن ما يعنيك أكثر هي الأسئلة الصحيحة التي تستثيرينها في فكرك قبل دراسة الكتاب،

وتتلخص في التالي:

الأول:

ما معنى الصحة لدى البخاري؟ وكيف يميز الصحيح من غيره؟ هل شرطه مقنع أم لا؟

والثاني:

هل وفى بشرطه؟ ما الأحاديث التي ضمنها كتابه؟ وما الأحاديث التي لم يخرجها؟ وهل ثمة أحاديث في كتابه ليست على شرطه؟ وهل هناك أحاديث لم يخرجها ويلزمه إخراجها؟

والثالث:

اعلمي أن عامة أحاديث كتابه أحاديث أصول، وهي التي تسمى العمدة، أو المعتمد عليها، أتبعها أحيانا بأحاديث يستشهد بها على أشياء في أسانيد أحاديث الأصول أو متونها، وهي المتابعات والشواهد، يعتبر بها، ولا يبتني عليها، فلا بد لك أن تميزي بينها تمييزا دقيقا، وتستوعبي وجوه إيراد تلك المتابعات والشواهد استيعابا.

والرابع:

إن طريقة إعلال البخاري للحديث في غاية الدقة، لا ينتبه إليها إلا قليل، واستعيني في ذلك بكتاب العلل للدارقطني، وسينفعك في ذلك شرحي لصحيح مسلم، ففيه أشياء كثيرة من هذا النوع، أسأل الله تعالى أن يوفقني لإنجازه على أتم وجه وفي أقرب وقت.

والخامس:

للبخاري غرضان في كتابه، الأول جمع الصحيح، وقد مضى ذكره،

والغرض الثاني هو تقرير أن الصحيح يكفي لديننا،

وهذا التقرير هو الذي ضمنه في تراجم أبوابه، وقد يعقد تراجم عديدة لحديث واحد استنباطا منه المعاني المختلفة.

والسادس:

اعْلمي أن نظر البخاري دقيق جدا، فاعتني بفهم تراجمه والربط بينها وبين الأحاديث التي اعتمدها أو استشهد بها حق الاعتناء.

والسابع:

اعلمي أن البخاري يبدأ كثيرا من الأبواب بآيات قرآنية، فتدبريها، وحاولي معرفة وجوه الاستدلال بها.

والثامن:

واعلمي أن البخاري يستشهد بأحاديث ليست على شرطه، منها أحاديث مرفوعة، ومنها آثار للصحابة والتابعين، فذلك الاستشهاد يتضمن علوما جمة، وهي التي تسمى معلقات، وقد استكثر منها.

تلك هي رؤوس النقاط التي يجب عليك أن تستحضريها حين إقبالك على صحيح البخاري،

وأشير عليك أن تستعيني في هذا الأمر بكتابي الآنف الذكر أي (مدخل رائع إلى صحيح البخاري …)

وسألتني عن الشروح، فلا أريد أن أكثر عليك،

فمراجعة الشروح العديدة في وقت واحد تتعبك بل وتشغلك عن الدراسة الصحيحة، وأرى أن شرحا واحدا يكفيك،

وهو كتاب (فتح الباري) للحافظ ابن حجر العسقلاني، لم يؤلف شرح مثله، لا على صحيح البخاري ولا على غيره من الكتب،

وهو شرح يعالج النقاط المذكورة معالجة شافية، فاعكفي عليه، وتدبريه، وكرري النظر فيه.

والأمر الأخير هو أن تعملي عقلك في دراسة صحيح البخاري وتكوني يقظة ومنتبهة لكل جانب من جوانبه الإسنادية والفقهية.

رزقك الله وإياي الفهم السليم، والإخلاص في القول والعمل، آمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. محمد أكرم الندوي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عالم محدثّ، وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات





التالي
تبلغ مساحتها 30 دونماً.. صيف 2023 سيشهد جاهزية أول مقبرة لمسلمي اليونان
السابق
إسلام واحد لا إسلامات ودين واحد لا أديان!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع