البحث

التفاصيل

(مواقيت الصلاة)

الرابط المختصر :

(مواقيت الصلاة)

 

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: العاشرة

 

الله سبحانه وتعالى ربط العبادات التي تعبَّد بها عباده بأوقات محددة يومية أو أسبوعية، أو شهرية، أو سنوية، أو عمرية، تؤدى فيها ولا تُؤخر عنها، ليُثبت في النفوس والعقول هذا المعنى الكريم: قيمة الوقت والاهتمام به.

وقد جعل الله تعالى لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتًا محددًا، لا يصح أداؤها قبل دخوله، ويحرم تأخيرها بغير عذر إلى خروجه، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على مواقيت الصلاة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]. وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:87]. وهذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس، فقوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} يعني: زوالها عن كبد السماء إلى جهة الغرب، وهو بداية دخول وقت صلاة الظهر، ويدخل في ذلك العصر. وقوله: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} أي: بداية ظلمة الليل، وقيل: غروب الشمس، وهو وقت المغرب والعشاء. {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أخذ منه وقت صلاة الفجر، ففي هذه الآية إشارة مجملة إلى أوقات الصلوات الخمس.

وقد أتت السُّنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتفاصيل هذه الأوقات، وحددت معالمها تحديدًا واضحًا، على ما عليه عمل المسلمين اليوم، مما تلقوه خلفًا عن سلف، وقرنًا بعد قرن.

فعن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل، فقال: قم فصلِّهْ. فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصلِّهْ. فصلَّى العصر حين صار ظل كل شيء مثله- أو قال: صار ظله مثله- ثم جاءه المغرب، فقال: قم فصلِّه، فصلَّى حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء، فقال: قم فصَلِّهْ. فصلَّى حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر، فقال: قم فصلِّهْ. فصلَّى حين برق الفجر- أو قال: حين سطع الفجر- ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصلِّهْ. فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه للعصر، فقال: قم فصلِّهْ. فصلَّى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه للمغرب، وقتًا واحدًا لم يَزُل عنه، ثم جاء للعشاء، حين ذهب نصف الليل- أو قال: ثلث الليل- فصلى العشاء، ثم جاءه للفجر حين أسفر جدًّا، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى الفجر، ثم قال: ما بين هذين وقت.

وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله، ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفرَّ الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغِبِ الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت فأمسِك، فإنها تطلع بين قَرْنَيْ شيطان". أو: "مع قرنَيْ شيطان".

ومن هذين الحديثين نعلم أن مواقيت الصلاة كانت بالوحي.

وقت الظهر وأول وقت العصر:

وقد اتفق الفقهاء على أنَّ أول وقت الظهر إذا زالت الشمس، أي: مالت عن كبد السماء، وأمَّا آخره، فقد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: إذا صار ظل كلِّ شيء مثله، بعد فيء الزوال، فإذا خرج وقت الظهر دخل وقت العصر متَّصلًا به، ليس بينهما اشتراك، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر".

وقال بعضهم: إنّ بين الظهر والعصر وقت يسير يشتركان فيه، وهو الوقت الذي يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال، بقدر ما يصلي فيه أربع ركعات، فيكون هذا الوقت آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر. فلو صلَّى رجل الظهر وصلَّى آخر العصر في ذلك الوقت، لكان كل منهما صلَّى الصلاة في وقتها.

وقال بعضهم: إنَّ آخر وقت الظهر وأول وقت العصر يبقى إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وهو أحد الروايتين عن أبي حنيفة. والرواية الثانية: أن آخر وقت الظهر هو المثل، وأول وقت العصر المثلان، وأن ما بين المثل والمثلين ليس يصلح لصلاة الظهر، وبه قال صاحباه أبو يوسف ومحمد.

التبريد بالظهر في شدة الحر:

وتستحبُّ صلاة الظهر في أول وقتها، إلَّا في شدة الحر، فيستحبُّ الإبراد بها، أي تأخيرها في وقتها إلى أن يبرد الحر شيئًا، حتى لا يذهب الخشوع من شدة ما يُقاسيه المصلِّي في الحر الشديد. ودليل الإبراد حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه سلم قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". لكن إذا اعتاد الناس التبكير لمشقة التأخير بكَّروا بالصلاة.

أمَّا في غير وقت اشتداد الحر، فالأفضل أن تصلى الصلاة في أول وقتها، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها".

آخر وقت العصر:

ووقت العصر من وقت أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثله بعد فيء الزوال، وأما آخر وقته فيمتد إلى غروب الشمس.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر".

فهذا دليل على أنَّ نهاية وقت العصر تكون بغروب الشمس.

ويكره تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، فتلك صلاة المنافق "يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا". أما إذا كان نائمًا أو ناسيًا فلا كراهة عليه، وقد أدرك وقتها بإدراك ركعة منها قبل الغروب، لحديث: "مَنْ أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة".

وقت المغرب:

ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه المتقدِّم: "ووقت صلاة المغرب ما لم يغِب الشفق".

والسنة في صلاة المغرب أن تصلَّى في أول الوقت، لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا، وإنَّه ليبصر مواقع نبله.

وقت العشاء:

ووقت العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وهذا وقت الاختيار والاستحباب، أمَّا وقت الجواز، فيمتد إلى الفجر، لحديث أبي قتادة وفيه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى".

ويستحب تأخير العشاء إلى نصف الليل، فإذا كان جماعة في سفر أو بادية أو قرية، فتأخير صلاة العشاء أفضل، ما لم يشق ذلك على بعضهم.

فعن عبد الله بن عمر، قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل، أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهله، أو غير ذلك، فقال حين خرج: "إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة". ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة، وصلى.

وعن أبي هريرة مرفوعًا: "لولا أن أشق على أمتي، لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل، أو نصف الليل".

وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: "ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي الأخف على الأمة، فعن جابر رضي الله عنه قال: والعشاء أحيانًا يؤخِّرها وأحيانا يعجل، كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم قد أبطؤوا أخَّر.

وقت الصبح:

ووقت صلاة الصبح يبدأ من طلوع الفجر الصادق، وهو الضوء الذي يظهر في الأفق من جهة المشرق، وينتشر حتى يعم الأفق، أما الفجر الكاذب فلا عبرة به وهو الضوء الذي يظهر مستطيلًا دقيقًا ثمَّ يختفي، ففي الحديث: "لا يغرَّنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق". أي المنتشر فيه.

ويمتد وقت الصبح إلى طلوع الشمس، لحديث ابن عمرو رضي الله عنه: "ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلُع الشمس".

وبهذا يبدأ المسلم حياته اليومية باسم الله من الصباح الباكر، فيتلقَّاه من يدي الله مباركًا طاهرًا، قبل أن تلوِّثَه أنفاس العصاة، الذين يغطُّون في نوم عميق إلى الضحى، ويُضيعون على أنفسهم أكثر الساعات يمنا وبركة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) ص 25-30





التالي
الفلسطينيون يحيون الذكرى الـ66 لمجزرة كفر قاسم
السابق
اعتذار متأخر للقرضاوي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع